العرب في بريطانيا | لا تتخلوا عن شمال غرب سوريا مرة أخرى

1446 شعبان 7 | 06 فبراير 2025

لا تتخلوا عن شمال غرب سوريا مرة أخرى

شمال غرب سوريا
عثمان مقبل February 24, 2023

بعد زلزالَين مدمرَين أوديا بحياة آلاف الأشخاص، ودمرا بلدات وقرى برمتها في شمال غرب سوريا هذا الشهر، بدأ العالم أخيرًا بالالتفات قليلًا نحو سوريا.

فقد تصدرت الخسائر الفادحة للزلزالين عناوين الصحف العالمية، ودفعت الحكومات إلى التعهد بتقديم المساعدات إلى المناطق المتضررة، في الوقت الذي ترحّب فيه الجهات الحكومية وغير الحكومة بالتركيز مجددًا على سوريا، مع أنها التفاتة طال انتظارها!

شمال غرب سوريا يستغيث!

Image
لماذا يتجاهل العالم شمال غرب سوريا؟ 

لم تبدأ الأزمة الإنسانية في سوريا بزلزالَي السادس من فبراير؛ فقبل هذه الكارثة كان سبعة من كل عشرة سوريين -أي نحو 15.3 مليون سوري- غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية، في ظل المعاناة من الحرب والصراع المستمرين، إضافة إلى أن 90 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر.

وخلال مدة طويلة تجاهل المجتمع الدولي الأزمة الإنسانية المتصاعدة في سوريا، حتى إن كثيرين في الغرب لا يعرفون أن الصراع في سوريا لم ينته بعد، إلى أن أعاد الزلزال البلد إلى مسرح الأحداث.

وبهذا الخصوص أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة (Syria Relief) الخيرية في عام 2021 -خلال واحدة من أكثر الفترات حدة في الصراع ومع تصاعد الاحتياجات إلى مستويات غير مسبوقة- أن 58 في المئة فقط من البريطانيين كانوا على دراية بالشأن السوري.

ولم يبالِ المجتمع الدولي بالمعاناة السورية رغم علمه بها حتى وقوع الزلزالين المدمرين؛ وذلك لعدة أسباب: تجاهل الإعلام العالمي للصراع الذي اشتعل فتيله منذ أكثر من 10 سنوات، وتوجه الغرب للعزلة وتركيزه على مشكلاته المباشرة، وانتشار عقلية “المؤسسة الخيرية تبدأ في الداخل” في ظل انكماش الاقتصاد العالمي.

Image
لماذا يتجاهل العالم شمال غرب سوريا؟ 

ومع ذلك فجميع هذه الأعذار واهية ولا تكفي لتجاهل محنة السوريين؛ لأن الأعمال الخيرية يجب أن تبدأ حيثما تستدعي الحاجة ذلك، وهذا ما ينطبق على السوريين الذين طلبوا يد العون منذ سنوات.

ومنذ زلزالي الـ6 من شباط/فبراير، بدأت سوريا تنال قِسطًا من الاهتمام الذي تستحقه والمساعدة التي تحتاج إليها من العالم. لكن هل يمكننا أن نكون على يقين بأن المجتمع الدولي لن يتخلى عن سوريا بمجرد أن تبدأ أزمة أخرى في الهيمنة على الصحف العالمية؟!

أتذكر الآثار المدمرة للانفجار الذي اجتاح ميناء بيروت في عام 2020، وكيف بدأ العالم بأسْره فجأة الاهتمام بالأزمات التي ابتُليت بها لبنان على مدى ثلاثين عامًا على الأقل ومهَّدت الطريق للانفجار. إلا أن دعم لبنان -مع الأسف- لم يتجاوز بضعة أسابيع فقط، واليوم أصبحت الاضطرابات الاقتصادية والسياسية في لبنان أسوأ من أي وقت مضى!

أتذكر كذلك كيف قال بعض القادة في عام 2021 عندما كانت غزة تحت القصف: إنهم غاضبون، ووعدوا باتخاذ إجراءات صارمة. ولم يستمر عزمهم -كالعادة- طويلًا، حيث تعرض القطاع المحاصر للهجوم مرة أخرى بعد بضعة أسابيع فقط!

وفي العام الماضي، عانت باكستان واليمن الذي مزقته الحروب من فيضانات مدمرة. فظهرت تقارير إخبارية وتعهدات ووعود بالمساعدة، لكن اهتمام العالم انحسر بسرعة أكبر من انحسار مشكلة الفيضانات!

Imageوالآن أخشى أن يحدث الشيء نفسه قريبًا لسوريا. أخشى أن تضيع محنة الشعب السوري في طي النسيان بمجرد أن تتصدر أزمة جديدة عناوين الصحف.

يصادف هذا الأسبوع مرور عام على بدء الحرب في أوكرانيا. وبهذه الذكرى السنوية، سينصب اهتمام وسائل الإعلام بشكل واضح على أوكرانيا، حيث لا تزال المعاناة الإنسانية قائمة في ظل هذا الصراع. ومع ذلك فلا ينبغي أن يكون ذلك على حساب أزمة السوريين؛ فلا يمكننا التركيز على أزمة واحدة في كل مرة، والسماح لاهتمام وسائل الإعلام بتحديد من يجب دعمه وإنقاذه، ولا سيما أن الكارثة الطبيعية التي ضربت سوريا أدت إلى تفاقم الأوضاع في البلاد، التي أصبحت بهذا السوء لأن المجتمع الدولي لم يفعل سوى القليل لمعالجة الأسباب الجذرية لمشكلات سوريا التي هي من صنع الإنسان في الحقيقة.

والآن وبعد أن التفت العالم مرة أخرى إلى سوريا بسبب الزلزالين المدمرين، لا ينبغي أن يصرف نظره عنها بعيدًا. بل يجب على الحكومات وهيئات الأمم المتحدة التعامل مع هذه المأساة على أنها دعوة للاستيقاظ واستدراك الخطأ، ولا يجب عليها اتخاذ إجراءات لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة للشعب السوري فحسب، بل يجب كذلك أن تتظافر الجهود من لإحلال سلام دائم في البلاد. ويجب علينا نحن الأفراد الضغط على قادتنا للتحرك.

يتمتع الغرب والعالم أجمع برفاهية المضي قدمًا عندما يشعرون بالملل من أزمة سوريا ذات الأبعاد المتعددة، لكن السوريين -ولا سيما الذين ضربهم الزلزالان المدمران في الشمال الغربي- لا يتمتعون بذلك؛ لأنه يصعب عليهم الخروج من المنطقة التي دمرتها الحرب، وهي عرضة الآن للكوارث الطبيعية؛ لأنها منطقة معزولة لدرجة أن مفاوضات الأمم المتحدة الرفيعة المستوى يجب أن تجري كل ستة أشهر للحصول على المساعدات الأساسية في المنطقة.

يعاني السوريون اليوم كثيرًا من تجاهل محنتهم منذ سنوات، لتأتي الزلازل فتدمر مزيدًا من المباني المتداعية، وتزيد الطين بلة في أكثر المناطق فقرًا وحرمانًا في البلاد. وعلى ضوء ذلك يجب أن نتأكد من أن العالم لن يدير ظهره للسوريين مرة أخرى، وإذا حدث ذلك فإن عواقب ذلك ستكون أسوأ من مئة كارثة طبيعية!


اقرأ أيضًا:

بريطانيا تخصص حزمة دعم بقيمة 25 مليون باوند استجابة لزلزال تركيا وسوريا

جمعية خيرية في اسكتلندا تجمع المال لبناء ملاجئ للمتضررين من الزلازل في سوريا

كيف أثّرت أزمة أوكرانيا على تقبّل البريطانيين لاندماج اللاجئين في مجتمعاتهم؟

loader-image
london
London, GB
9:22 am, Feb 6, 2025
temperature icon 2°C
clear sky
Humidity 90 %
Pressure 1043 mb
Wind 2 mph
Wind Gust Wind Gust: 0 mph
Clouds Clouds: 0%
Visibility Visibility: 10 km
Sunrise Sunrise: 7:30 am
Sunset Sunset: 4:58 pm