العرب في بريطانيا | العيد في غزة

1446 ذو القعدة 14 | 12 مايو 2025

العيد في غزة

MAQAL-YOUTUBE2
سعيد الشيخ April 9, 2024

يحل عيد الفطر هذ العام وجرح غزة ينزف، بعد أن سقطت كافة الأقنعة عن الوجوه الكالحة، وتلك المطاطية وحتى النحاسية!

سأروي لكم يا سادة يا كرام خصوصًا إن كنتم من ذوي الشنبات العريضة التي تتباهون بها أمام الحريم– قصة قصيرة روتها لي صباح اليوم سيدة أعرفها جيدًا في قطاع غزة، هُجِّرت قسرًا من بيتها في شمال القطاع، إلى رفح في جنوبه. وبعد أن كانت تسكن فيلا صغيرة، أوَت هي وأطفالها إلى خيمة ممزقة، تتلاعب بها الرياح كدمية في يد طفل بدأ يتعرّف للتو على عالم الألعاب.

قصة من قصص غزة الأليمة

الحرب على غزة
الدمار الذي خلّفه القصف الإسرائيلي على قطاع غزة

رحمة تعول الآن منفردة ثلاثة أطفال؛ ولدان وبنت. البنت لم تكمل عامها الثالث، ومن أوائل الكلمات التي بدأت تنطقها: حَلْب.. تنابل! ولا يخفى على ذكائكم الفوار- مثل زجاجة الكولا بعد خضها- أنها تقصد: حرب..قنابل!

أما الولد الأكبر فقد دخل الصف الأول الابتدائي مطلع أيلول/ سبتمبر، بينما أخوه الأصغر كان يرتع في حديقة المنزل بعد الظهر، بعد سويعات يقضيها في روضة أطفال. آه !!! نسيت أن أخبركم أن رحمة كانت تدير تلك الروضة مع بعض صديقاتها كمشروع خيري غير ربحي في إحدى غرف الفيلا الصغيرة.

على سكان المنطقة إخلاء منازلهم خلال ربع ساعة، جيش الدفاع الإسرائيلي سيقصف أوكار المخربين! تلك رسالة وصلت الى الهواتف الجوالة لسكان المنطقة، فلم يسعهم أمام الخوف الطبيعي والمشروع إلا  أن يحملوا ما استطاعوا حمله على ندرته والتوجه إلى مناطق أعلنها الجيش الإسرائيلي مناطق (آمنة!).

وضع زوج رحمة زوجته وأطفاله، وعائلتين من جيرانه، في سيارة نقل صغيرة، وأشار عليهم بالتوجه الى بيت خالة رحمة في رفح، التي كانت لا تزال حتى تلك اللحظة آمنة بمقاييس الاحتلال، بمعنى أن عمليات القتل هناك ليست بالكثافة التي تشهدها بقية مناطق القطاع.

عاد زوج رحمة الى فيلته الصغيرة لجلب بعض الأوراق الرسمية التي نسي أن يأخذها، ولم يكن يعرف أن صاروخًا كان بانتظاره، أطلقته مسيّرة كانت تحوم كالقدر المشؤوم في سماء المنطقة، فجعلته أشلاء.

وصلت رحمة بيت خالتها في منطقة مكتظة متاخمة للحدود المصرية. لم تكد تلتقط أنفاسها إلا وقد استهدفت مسيّرة ذلك الحي بصاروخ أبى إلا أن يقضي على حلم رحمة وعائلتها الصغيرة بالحصول على بعض الراحة. نسيت أحكيلكم أن رحمة حتى الآن لا تعلم أن زوجها ارتقى شهيدًا.

قُتلت الخالة وابنتاها الصبيتان وثلاثة من ضيوفها الذين سبقوا رحمة.

رحمة وصغارها أُصيبوا بشظايا ونُقلوا إلى مستشفى قريب لتلقّي العلاج. في المستشفى شاهدت رحمة عددًا من الجثث مطروحة في الكوريدور المؤدي الى غرفة الاسعاف. استقبلتها ممرضة متطوعة لا يزيد عمرها عن عشرين عامًا بابتسامة كثيفة، وحاولت أن تحكي كلمات ربما أدت الى التخفيف عن رحمة التي كانت تحمل طفلتها، بينما يتبعها الطفلان كقطيّن مفزوعين.

أزمة وبتعدّي!

العدوان الإسرائيلي على غزة
العدوان الإسرائيلي على غزة

تفضلي يا أختي. إحنا عيلتك. ركبت السيارة غير مصدقة. أطفالها يبكون. الصغيرة نامت في حضنها من التعب والجوع.

وصل الرجل الى بيته وأوعز لزوجته أن تهتم بضيوفها. انطلق الولدان الى الصالة حيث كان صبي يكبرهم قليلًا يلعب بدمية. اصطحبت رجاء– زوجةُ موظف الهلال الأحمر الفلسطيني- رحمة إلى الداخل. ذُهلت رجاء من الحالة المزرية لرحمة وأطفالها. كيف الحال يا أختي.. إن شاء الله تكوني بخير… لم تستطع رحمة الإجابة إلا بدموعها المنهمرة.

معلش يا أختي..أزمة وبتعدي، قالت رجاء. الله يخليك ما تعيّطي! بس استريحي وكل شيء حيرجع لأصله إن شاء الله، أضافت رجاء قبل أن تنطلق الى المطبخ لإعداد وجبة سريعة تسد رمق رحمة وأطفالها.

لم تشعر رحمة إلا بيد رجاء تربت على كتفها لإيقاظها من غفوتها القسرية. ابتسمت على استحياء ورافقت رجاء الى المطبخ فوجدت أطفالها الثلاثة وابن رجاء يلتهمون فطائر ساخنة مع عُلب عصير.

عاد موظف الهلال الأحمر الفلسطيني يحمل لفافات ضخمة. وضعها أمام زوجته وضيفتهم. يا أختي هاي حاجات بسيطة إلك وللأولاد. الدنيا عيد..كل عام وأنت وبخير.

يا أمّة ضحكت من جهلها الأمم

 اقتحام رفح
نازحون من غزة إلى رفح

ملاحظة الراوي: رحمة لا تعرف حتى الآن أن روح زوجها ترفرف عليهم في محاولة مستمرة لبث الطمأنينة والأمان.

ملاحظة أخرى: كل من يقرأ هذه القصة يجب أن يسأل نفسه سؤالًا بسيطًا. ماذا ستفعل رحمة عندما يصلها نعي زوجها؟

ملاحظة ما قبل الأخيرة: موظف الهلال الأحمر الفلسطيني ارتقى شهيدًا في طريقه الى عمله.

ملاحظة أخيرة:

أغايةُ الدين أن تَحفوا شواربَكم      يا أمّة ضحكت من جهلها الأمم


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
11:06 pm, May 12, 2025
temperature icon 15°C
few clouds
Humidity 80 %
Pressure 1014 mb
Wind 2 mph
Wind Gust Wind Gust: 2 mph
Clouds Clouds: 19%
Visibility Visibility: 10 km
Sunrise Sunrise: 5:13 am
Sunset Sunset: 8:40 pm