أزمة السكن في بريطانيا: الاكتظاظ والعفن يهددان الصحة العامة

في ظل تفاقم أزمة السكن في بريطانيا، يحذر خبراء صحيون من تفشي وباء صحي وشيك نتيجة التدهور المتزايد في أوضاع المساكن، خاصة في القطاع الخاص.
فقد كشفت شهادات من أطباء ومستأجرين أن ظروف السكن المتردية، بما في ذلك الاكتظاظ والرطوبة والعفن، بدأت تترك آثارًا خطيرة على الصحة الجسدية والنفسية للسكان، في وقت تُبدي فيه الجهات الرسمية محدودية واضحة في التدخل الفعّال.
تحذيرات من كارثة صحية وشيكة
تروي “كيرا”، وهي أم بريطانية تبلغ من العمر 46 عامًا وتعيش في حي توتنهام (Tottenham) شمال لندن، معاناتها المستمرة مع العفن المنتشر في شقتها.
فمنذ شهور، تحاول دون جدوى إقناع مالك العقار بإصلاح الأضرار. توضح كيرا: “أنا مريضة دائمًا، لا يمر يوم دون أن أشعر بالتعب داخل المنزل، ضغطي في ارتفاع مستمر وقلقي يتفاقم، وحتى سعالي المزمن لم أعد أتمكن من التخلص منه”.
وتضيف أن منزلها بات ممتلئًا بالأدوية، في حين تتردد باستمرار على عيادة الطبيب. وعلى الرغم من زيارات المفتشين الصحيين من مجلس البلدية شهريًا، إلا أن أحدهم أبلغها مؤخرًا بأن المجلس “لا يستطيع إجبار المالك” على اتخاذ إجراءات معينة.
ورغم تأكيد السلطات المحلية أن المالك أجرى بعض التحسينات مثل تركيب عزل حراري للجدران وإضافة فتحات تهوية لمعالجة الرطوبة والعفن، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا بالنسبة لكيرا، التي تلقت لاحقًا إشعارًا بالإخلاء وفق المادة 21، والتي تتيح للمالكين إنهاء عقود الإيجار دون تقديم مبررات.
وها هي الآن مضطرة للبحث عن منزل جديد، في وقت تحاول فيه ابنتها الاستعداد لامتحانات الـGCSE المصيرية. وتعبر الأم بقلق: “كل ما أخشاه أن يؤثر ذلك على دراستها، فهي تبذل مجهودًا كبيرًا وتحضر دروسًا إضافية”.
العلاقة بين السكن والصحة مقلقة
وتعكس حالة كيرا أزمة أوسع يعاني منها العديد من المستأجرين في بريطانيا. فقد كشف استطلاع حديث أجرته مؤسسة (Medact) الخيرية المعنية بالعدالة الصحية، أن غالبية العاملين في القطاع الصحي يربطون تدهور الصحة العامة في البلاد بأزمة السكن.
وشارك في الاستطلاع أكثر من 2000 طبيب وممرض، وأفاد ثلثا المشاركين بأن توفير سكن ميسور الكلفة من شأنه أن يخفف الضغط الهائل على هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS).
كما قال نحو 70% من العاملين الصحيين إنهم يعاينون بشكل منتظم حالات صحية لدى الأطفال يُعتقد أن ظروف السكن غير المستقرة أو غير الصحية تفاقمها. وأشارت نسبة مماثلة إلى أن مشكلات الصحة النفسية لدى المرضى ترتبط كثيرًا بأزمات السكن التي يعيشونها.
وتأتي هذه النتائج ضمن تقرير بعنوان “البيت المريض” أصدرته مؤسسة Medact، ويتضمن توصيات تدعو الحكومة إلى كسر الصلة الوثيقة بين السكن المتدهور وتراجع الصحة العامة، أبرزها بناء مساكن اجتماعية عالية الجودة وفرض رقابة على أسعار الإيجارات.
الإيجارات المرتفعة تهدد الصحة العامة
وفي هذا السياق، يقول الدكتور أماران أوثاياكومار-كوماراسامي، طبيب الأطفال وعضو مؤسسة Medact، إن المشاكل الصحية التي يعاينها يوميًا بين الأطفال ترتبط بشكل متزايد بظروف المنازل التي يعيشون فيها.
وأشار إلى حالة الطفل “أواب إسحاق”، الذي توفي عام 2020 عن عمر عامين بسبب مشكلات تنفسية ناتجة عن العفن في شقته، قائلًا إنها تمثل مأساة لم تُؤخذ بما يكفي من الجدية.
وقد أدى موت أواب إلى مراجعة القوانين المنظمة لعمل الملاك، وأسفر ذلك عن صدور قانون “أواب” عام 2023، الذي يُلزم الملاك الاجتماعيين بمعالجة مشكلات العفن والرطوبة ضمن مهلة زمنية محددة، بدءًا من تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
وفي خطوة لاحقة، تعهد حزب العمال بتوسيع نطاق هذا القانون ليشمل أيضًا الملاك في القطاع الخاص ضمن مشروع قانون حقوق المستأجرين.
لكن الدكتور أماران يعتقد أن العفن ليس سوى “رأس جبل الجليد”، مشيرًا إلى أن جذور الأزمة أعمق بكثير، وترتبط بالبنية الاقتصادية والسياسات السكنية المتبعة.
المساكن غير الميسورة تستنزف موارد الأسر
بدورها، تلفت الدكتورة آبي أوكونور، الباحثة في مؤسسة الاقتصاد الجديد، الانتباه إلى أن “الملاك في القطاع الخاص استفادوا لسنوات من رفع الإيجارات إلى مستويات مرهقة، والآن بدأنا نرى النتائج الكارثية لذلك على الصحة العامة وعلى الاقتصاد أيضًا”.
وأضافت: “إذا كانت الحكومة جادة بشأن تحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، فعليها التصدي لآفة الإيجارات غير المعقولة”.
ودعت إلى فرض ضوابط على الإيجارات كحل فوري لتوفير الاستقرار للأسر، بالتوازي مع بناء مساكن اجتماعية كحل طويل الأمد يضمن توفير مساكن آمنة وبأسعار مناسبة.
الحكومة: خطط للبناء والإصلاح التشريعي
من جهتها، علّقت وزارة الإسكان والمجتمعات والحكم المحلي بقولها: “لقد ورثنا أزمة سكن حقيقية جعلت حلم امتلاك منزل بعيد المنال بالنسبة لجيل الشباب”.
وأضاف المتحدث باسم الوزارة: “نعتزم بناء 1.5 مليون منزل ضمن خطة التغيير، كما سنقدم مشروع قانون حقوق المستأجرين، الذي سيمنحهم أدوات قانونية لمواجهة الزيادات الجائرة في الإيجار ومنع المزايدات غير العادلة”.
وأكدت الوزارة كذلك عزمها على تطبيق معيار “البيوت اللائقة” للمرة الأولى على المساكن الخاصة المؤجرة، لضمان خلوّها من المخاطر وسلامتها وصلاحيتها للسكن.
المصدر: الإندبندنت
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇