العرب في بريطانيا | فلسطينيون أُجلوا من غزة يبدأون رحلة جديدة في ال...

1447 ربيع الثاني 18 | 11 أكتوبر 2025

فلسطينيون أُجلوا من غزة يبدأون رحلة جديدة في الجامعات البريطانية

فلسطينيون أُجلوا من غزة يبدأون رحلة جديدة في الجامعات البريطانية
صبا الشريف October 9, 2025

في أحد أحياء شرق لندن المزدحمة، يخرج شاب من مبنى سكني متواضع يشبه أي طالب جامعي يستعد لبداية عام دراسي جديد. غير أنّ الطبيب الفلسطيني عبد الله {البالغ من العمر 27 عامًا} يحمل قصة مختلفة تمامًا. فبعد أن عاش عمره كلّه في غزة، وصل مؤخرًا إلى بريطانيا ليبدأ دراسته في جامعة “كوين ماري” بالعاصمة لندن، بعدما نال منحة “تشيفنينغ” الممولة بالكامل والمدعومة من الحكومة البريطانية.

رحلة عبد الله لم تكن مجرّد انتقال جغرافي، بل انتقال قاسٍ من واقع الحصار والحرب إلى بيئة جديدة مليئة بالتحديات. فإلى جانب عمله في مستشفيات غزة، قاد خلال الأشهر الماضية جهودًا متواصلة لمساعدة عشرات الطلبة الفلسطينيين العالقين في القطاع، الذين ظلوا ينتظرون إجلاءهم من قِبل الحكومة البريطانية للالتحاق بجامعاتهم.

كتب عبد الله رسائل إلى وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد لامي، وتعاون مع أكاديميين ومحامين دوليين للدفع باتجاه تنفيذ عملية الإجلاء. واليوم، بعد أن وصل أخيرًا إلى لندن، يعترف بأن التجربة تفوق قدرته على الاستيعاب.

يقول عبد الله: “إنها مشاعر متناقضة — مزيج من الفرح والقلق والإرهاق. بعد أن قضيت 27 عامًا في غزة، وجدت نفسي فجأة في لندن، وكل شيء هنا مختلف وصادم. أبسط الأمور في هذه المدينة تُعد رفاهية في غزة.”

طلاب غزة في بريطانيا.. أولى تحديات الغربة

فلسطينيون أُجلوا من غزة يبدأون رحلة جديدة في الجامعات البريطانية

ولأنها المرة الأولى التي يغادر فيها وطنه، واجه عبد الله صعوبات في التأقلم حتى مع أبسط تفاصيل الحياة اليومية، كالتسوق. فبعد سنوات من الحرب ونقص المواد الغذائية، شعر بالارتباك أمام وفرة السلع في الأسواق المحلية. أما فراق أسرته فيبقى الجزء الأصعب من رحلته. يقول بأسى: “أشعر أن رأسي مثقل بالغيوم، ومن الصعب أن أصف مشاعري أو أركّز في التفكير الآن.”

بعد شهور طويلة من الانتظار، وصلت أول دفعة من الطلبة الفلسطينيين إلى بريطانيا في 22 سبتمبر، وضمت 34 باحثًا من غزة، بعد توقف قصير في الأردن لاستكمال إجراءات التأشيرة. ومنذ ذلك الحين وصلت دفعة ثانية، ومن المتوقع وصول المزيد قريبًا.

كان عبد الله يأمل بالحصول على استراحة قصيرة قبل بدء دراسته الجامعية. “كنت أريد بعض الوقت لأستعد، ألتقط أنفاسي، وأتعرّف إلى المدينة”، يقول. لكن بسبب تأخر الإجلاء، لم يتمكّن الطلبة من حضور جلسة التعريف الجماعية التي كانت مقررة لهم في لندن، إذ نُقلوا مباشرة إلى جامعاتهم.

ويروي عبد الله: “في نهاية اليوم بدأ معظم الطلبة يتصلون بي قائلين: حسنًا، وصلنا إلى السكن، ماذا بعد؟ لم يكن لدى بعضهم طعام في الثلاجة، ولم يعرفوا حتى من أين يشترونه.”

دعم متأخر وجهود الجامعات محدودة للطلبة الفلسطينيين

فلسطينيون أُجلوا من غزة يبدأون رحلة جديدة في الجامعات البريطانية

توضح نورة بار، الباحثة في جامعة برمنغهام والمنسقة لجهود دعم الطلبة الفلسطينيين، أن الجامعات البريطانية بذلت جهودًا كبيرة رغم ضيق الوقت. وتقول: “نحن نعلم أن الإرادة في المساعدة حقيقية، لكن قلة الوقت وقلة الخبرة في التعامل مع طلاب قادمين من مناطق نزاع جعلت الدعم أحيانًا أقل مما هو مطلوب.”

ومع تأخر وصول الطلبة، كانت بعض البرامج الأكاديمية قد بدأت بالفعل، مما اضطر عبد الله إلى بذل جهد مضاعف للحاق بزملائه. يقول: “قضيت أيامي الأولى في لندن داخل المكتبة؛ أحضر المحاضرات منذ الصباح، وأبقى حتى الحادية عشرة ليلًا أحاول إنجاز المهام المتأخرة.”

وكان عبد الله قد تقدّم في الأصل لدراسة الماجستير في علوم البيانات والذكاء الاصطناعي، سعيًا لتطوير أدوات رقمية تساعد في معالجة أزمة الصحة النفسية في غزة. إلا أنه اضطر إلى تغيير تخصصه بعد فوات أحد المقررات الأساسية، ويحاول حاليًا العودة إلى برنامجه الأصلي.

ويضيف: “في النهاية، علينا أن نشكر الحكومة البريطانية على هذه الخطوة، فهي تُعد مساهمة في إعادة بناء فلسطين، لأننا بحاجة إلى الاستثمار في الإنسان الغزّي. فقط كنت أتمنى لو حصل الطلبة على تعريف أفضل ببريطانيا قبل بدء دراستهم.”

ويتابع: “الطلبة الآن بدأوا يتأقلمون تدريجيًا، يستخدمون المواصلات العامة ويتعرّفون إلى المناطق المحيطة بهم. لكن لو كانت هناك معلومات ودعم أوفى منذ البداية، لكانت التجربة أسهل بكثير.”

سها في بلفاست.. تحديات الابتعاد عن غزة وإصرار العطاء

فلسطينيون أُجلوا من غزة يبدأون رحلة جديدة في الجامعات البريطانية

سها، قابلة فلسطينية تبلغ من العمر 31 عامًا، شاركت عبد الله في حملته للمطالبة بإجلاء الطلبة، وتتابع اليوم دراسة الدكتوراه في التمريض بجامعة “ألستر” في بلفاست. وتصف تجربتها بأنها مزيج من الإيجابيات والتحديات.

تقول سها: “الحياة هنا مختلفة تمامًا عمّا كنت معتادة عليه، لكنني بدأت أتكيف تدريجيًا. الناس لطفاء ومتعاونون، وأستمتع بالهدوء والنظام. أحب التجول في المدينة وأشعر بالأمان حين أخرج بمفردي.”

لكن البعد عن العائلة في ظل الحرب يبقى جرحًا مفتوحًا. تضيف بأسى: “من الصعب التركيز حين يكون ذهني مع أهلي هناك. أشعر أن روحي ما زالت في غزة.”

وتتابع: “الرحيل كان من أصعب القرارات في حياتي، لكنه لم يكن من أجلي فقط، بل من أجل كل امرأة وعاملة في مجال الصحة ما زالت في غزة، ومن أجل الأمل في إعادة بناء خدمات الأمومة هناك. كان قرارًا نابعًا من الإيمان والحب.”

الحياة الجديدة في بلفاست تجربة سها الفلسطينية

فلسطينيون أُجلوا من غزة يبدأون رحلة جديدة في الجامعات البريطانية

ورغم اختلاف البيئة، تقول سها إن بلفاست بدأت تترك أثرًا إيجابيًا في حياتها اليومية. “اعتدت على اللهجة المحلية وأصبحت أكثر ارتياحًا لوتيرة الحياة هنا. التقيت بأشخاص لطفاء للغاية، وقد غمروني بترحيب صادق.”

وتتحدث سها بحرقة عن حياتها في غزة قبل الحرب: “كانت حياتي هناك نعمة حقيقية. كنت أمارس مهنة أحبها وأعيش وسط عائلتي وأصدقائي الذين أفتقدهم بشدة. لكن الحرب أخذت مني أعز صديقاتي، ريم، التي كانت من أطيب الناس وأكثرهم طموحًا. أعلم أنها لو كانت هنا، لكانت تفاخر بي وهي ترى صديقتها تحقق حلمها في بريطانيا.”

وتضيف: “الحياة في غزة أثناء الحرب كانت كأنها يوم واحد يتكرر بلا نهاية. الخوف الدائم لم يكن على نفسي فقط، بل على أحبّائي أيضًا. ذلك الخوف ما زال يثقل قلوب الغزيين ويستنزفهم نفسيًا وعاطفيًا.”

واختتمت سها حديثها قائلة: “أنا ممتنة بشدة لهذه الفرصة، لكن لا يزال هناك العديد من الطلبة والباحثين في غزة ممن يمتلكون القدرة على الإسهام في مستقبل فلسطين والعالم. أرجو ألا يُتركوا خلف الركب.”

تجربة الطلبة الفلسطينيين الذين أُجلوا من غزة تمثل نموذجًا حيًا للإصرار على تجاوز تحديات الحرب وبناء مستقبل أفضل عبر التعليم والمعرفة. الاستثمار في هؤلاء الشباب ليس مجرد عمل إنساني، بل خطوة نحو تمكين جيل قادر على المساهمة في إعادة بناء المجتمع الغزي وتعزيز فرص التنمية فيه.

دعم الطلبة يشمل توفير بيئة أكاديمية ونفسية متكاملة تساعدهم على الاستقرار والاندماج في الحياة الجامعية والمجتمع البريطاني، عبر برامج تعريفية شاملة، وإرشاد لوجستي، ودعم نفسي مستمر، خصوصًا مع بداية رحلتهم في بلد جديد.

تسريع وصول الباحثين والطلبة الفلسطينيين المتبقين في غزة أمر ضروري لضمان عدم فقدان فرصهم التعليمية، إذ يمتلك الكثير منهم قدرات كبيرة يمكن أن تساهم في تطوير مختلف القطاعات في غزة. الاستثمار في التعليم هو حجر الأساس لإعادة بناء غزة وصناعة مستقبل مستدام لأجيالها القادمة، ما يجعل توسيع برامج المنح الأكاديمية ضرورة ملحة لضمان شمول أكبر عدد ممكن من الطلبة الطامحين إلى خدمة وطنهم رغم الظروف الصعبة.

المصدر : الغارديان


إقرأ أيضًا :

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
11:44 am, Oct 11, 2025
temperature icon 14°C
overcast clouds
71 %
1034 mb
3 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 100%
Visibility 10 km
Sunrise 7:17 am
Sunset 6:16 pm

آخر فيديوهات القناة