شابانا محمود… نموذج للتضحية بالمبادئ والمواقف الإنسانية طمعًا في السلطة
من المؤلم حقًا أن يضطر الإنسان إلى الهروب من وطنٍ لا يعترف بأبسط حقوقه، بلدٍ أثقلته قبضة الاستبداد، وانعدمت فيه العدالة، ليجد نفسه في دولة أخرى تمنحه الأمان والفرصة والكرامة. الأسوأ من ذلك أن يصعد أحد أبناء هذا الطريق على سلّم تلك الحقوق ذاتها، ليبلغ منصبًا لم يكن ليُسمح له بالاقتراب منه في موطنه الأصلي، ثم ينقلب على مَنْ كانوا مثله يومًا، ويعمل على حرمانهم مما مُنح هو ذاته.
هذا تمامًا ما تفعله وزيرة الداخلية البريطانية شابانا محمود؛ المهاجرة المسلمة ذات الجذور الباكستانية، التي تسعى بقوة لتمرير تشريعات تُحوِّل مسار الإقامة من خمس سنوات إلى عشرين سنة، وتجعل الجنسية امتيازًا لا يُقاس بمعيار واضح، بل هبة تمنحها الدولة لمن تشاء، وتمنعها عمّن تشاء بلا تبرير.
وتبدو السيدة شيبانا وكأنها تعزف على ذات الموجة الأوروبية المتصاعدة ضد المهاجرين، خصوصًا المسلمين، في رسالة مبطّنة مفادها: “هربتم من أوطانكم… فلا تتوقعوا أن تحصلوا على ما حصلتُ عليه أنا.” إنها قصة من أحرق الجسور خلفه، فقط ليضمن ألّا يمر أحدٌ من الطريق ذاته.
والأدهى من ذلك أن سياساتها، رغم جذورها المهاجرة وهويتها المسلمة، تأتي أكثر صلابة وتشددًا مما يتوقعه أي منصف. كان المنتظر منها أن تكون ألين قلبًا، وأقرب فهمًا لمعاناة من يعيش الظروف ذاتها، لا أن تتحول إلى صوت يخدم أجندات أخرى لا تُضيء جانب العدالة، بل تزيد المشهد قتامة.
وقد وُجّهت انتقادات واسعة لسياستها من بعض النواب والمسؤولين المحليين، الذين رأوا أن هذه المقترحات تُناقض القيم البريطانية ومبادئ العدالة. لكن الوزيرة ماضية في مشروعها، ضاربة بالتحذيرات عرض الحائط، وكأنها تسعى لترك بصمة سياسية بأي ثمن، حتى لو جاءت على حساب الفئات الأضعف.
واللافت أنها لا تُبدي أي احترام للمواثيق والاتفاقيات الأوروبية الخاصة بحماية اللاجئين، والتي تنص بوضوح على حق طالبي الحماية في إجراءات عادلة، ومعايير واضحة، ومسار إنساني لا تعسّف فيه ولا تمييز. وتحدد المادة المتعلقة بحقوق اللاجئين في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان – خاصة ما يتصل بمبدأ عدم الإعادة القسرية، والحق في معاملة إنسانية – واجبات واضحة على الدول الأعضاء، من بينها ضمان مسارات قانونية منصفة للحصول على الإقامة والاستقرار.
ومع ذلك، تبدو هذه المبادئ غائبة تمامًا عن منظور الوزيرة، التي تعيد صياغة القوانين بروح لا تعكس قيم العدالة ولا احترام الإنسان، بل تفتح الباب لسوء الاستخدام، والتفسير الانتقائي، والتمييز المقنّع.
إن سياسة شيبانا محمود ليست مجرد تشدد إداري، بل مسارٌ قد يفتح بابًا لتقويض منظومة الحماية كلها، ويُحوّل حق اللجوء والإقامة إلى معركة نفوذ، بدل أن يكون ملاذًا إنسانيًا لمن ضاقت بهم أوطانهم.
اقرأ أيضًا:
- الإقامة الدائمة بعد 10 سنوات: أبرز التغييرات التي يجب أن يعرفها المقيمون في بريطانيا
- ما تداعيات حرمان اللاجئين من الإعانة والسكن في بريطانيا إذا تم إقرار ذلك؟
- الداخلية البريطانية تدرس ترحيل أطفال لاجئين من مواليد البلاد
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة
الرابط المختصر هنا ⬇
