العرب في بريطانيا | ما تداعيات حرمان اللاجئين من الإعانة والسكن في ...

1447 جمادى الأولى 29 | 20 نوفمبر 2025

ما تداعيات حرمان اللاجئين من الإعانة والسكن في بريطانيا إذا تم إقرار ذلك؟

IMG-20251120-WA0009
عدنان حميدان November 20, 2025

لم يعد ما تطرحه وزيرة الداخلية شابانا محمود بشأن حرمان اللاجئين القادرين على العمل من الإعانة الأسبوعية والسكن الحكومي مجرد نقاش أولي أو اقتراح عابر؛ فقد أصبح مشروعًا سياسيًا معلنًا تتجه الحكومة إلى دفعه قدمًا بوضوح، متذرعة بضرورة “تشجيع العمل” وتقليل الاعتماد على الدعم العام. لكن خلف هذه اللغة البراقة تختبئ أزمة إنسانية واجتماعية قد تجعل بريطانيا تقف أمام واقع لم تختبره من قبل.

فالبلد الذي يعاني أصلًا من أزمة إسكان خانقة، ويشهد ارتفاعًا غير مسبوق في الإيجارات، لا يحتمل قرارًا بهذا الحجم. وما دام كثير من ملاك العقارات يترددون أصلًا في تأجير اللاجئين، بل يرفضونهم صراحة أحيانًا، فإن حرمانهم من الإعانة والسكن لن يعني سوى دفعهم نحو الشارع بلا مقدمات. وهنا نتحدث عن عائلات، لا عن أفراد قادرين على المناورة؛ نتحدث عن أطفال يذهبون إلى مدارسهم كل صباح، وعن أمهات يحملن كل همّ البيت وحدهن، وعن رجال لم يستقرّوا بعد في بيئة جديدة، فإذا بهم يجدون أنفسهم فجأة في مواجهة العراء.

صورة الخيام التي ظهرت في بعض شوارع لندن لن تبقى حينها حادثة استثنائية، بل قد تتحول إلى جزء مألوف من المشهد اليومي، يمتد من العاصمة إلى مدن أخرى. وهذا التحول ليس تفصيلًا ثانويًا يمكن تجاوزه، بل انزلاق اجتماعي ستتحمل الحكومة وحدها مسؤوليته الكاملة.

ويبدو واضحًا أن الحكومة الحالية تتلمس خطواتها نحو خطاب عقابي يهدف إلى استرضاء اليمين المتطرف، وكأن القسوة تجاه اللاجئين تمنحها مزيدًا من الصلابة السياسية. لكنها تغفل حقيقة جوهرية؛ فاليمين لن يمنحها صوته مهما حاولت التشبه به، وفي الوقت نفسه ستخسر ثقة قطاعات واسعة كانت ترى في حزب العمال ممثلًا للعدالة الاجتماعية لا للانصياع للشعبوية والصخب الإعلامي.

أما الاستشهاد بنماذج أوروبية متشددة مثل النموذج الدنماركي، فهو تبرير لا يليق ببريطانيا، تلك التي طالما تباهت بالتزاماتها الإنسانية وبتوقيعها المبكر على اتفاقيات حماية اللاجئين. فمعالجة التجاوزات الفردية لا تكون عبر عقاب جماعي يجرّد الناس من الحد الأدنى من الكرامة ويحوّل حياتهم إلى معركة يومية من أجل البقاء.

والأخطر من كل ذلك هو ما قد يترتب على تشريد اللاجئين من توترات تمس السلم الأهلي نفسه. فإذا كان بعضهم قد تعرض للاعتداء وهم في فنادق تحت إشراف أمني، فكيف سيكون حالهم حين يصبحون بلا حماية، في خيم متناثرة أو على أرصفة لا ترحم؟ إن مثل هذه القرارات ستخلق بيئة خصبة للتحريض والكراهية، وستزرع الانقسام في مجتمع يعاني أصلًا من حالة احتقان متزايدة.

إن ما تتجه إليه الحكومة اليوم لا يعكس رؤية استراتيجية بقدر ما يعكس رضوخًا لضغط سياسي قصير المدى. لكن آثار هذا القرار — إن طُبّق — لن تكون قصيرة ولا مؤقتة؛ بل ستترك ندوبًا عميقة على مستوى المجتمع كله، من ارتفاع معدلات التشرد، إلى تراجع الثقة في المؤسسات، إلى اهتزاز الصورة الدولية لبريطانيا التي لطالما قدمت نفسها كبلد يحمي الضعيف ويصون الكرامة.

ويبقى السؤال المفتوح: هل تدرك الحكومة أنها تقود البلاد نحو أزمة أكبر بكثير من تلك التي تدّعي أنها تسعى إلى حلها؟ أم أنها مستعدة للتضحية بالاستقرار الاجتماعي وبسمعة بريطانيا الدولية مقابل مكاسب سياسية لا تدوم؟


 

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة