العرب في بريطانيا | بريطانيا تدرس التخلي عن إزالة الوقود الأحفوري م...

1447 جمادى الأولى 4 | 26 أكتوبر 2025

كيف جعلت الجغرافيا الكهرباء في بريطانيا الأغلى في أوروبا؟

كيف جعلت الجغرافيا الكهرباء في بريطانيا الأغلى في أوروبا؟
محمد سعد October 25, 2025

تدرس الحكومة البريطانية، وفق تقارير إعلامية، التخلي عن هدفها بإزالة الوقود الأحفوري من شبكة الكهرباء بحلول عام 2030، في مسعى لاحتواء ارتفاع فواتير الطاقة.

وفقًا لتقريرٍ منشورٍ في موقع The Conversation، فإن هذا التوجّه يعكس قلق الحكومة من استمرار ارتفاع أسعار الكهرباء رغم التوسع في مصادر الطاقة المتجددة.
الخطوة تبدو مفهومة، خاصة أن بريطانيا أصبحت بالفعل واحدة من أغلى دول أوروبا في استخدام الكهرباء — وهي حقيقة من غير المرجح أن تتغير قريبًا، رغم الاستثمارات الكبيرة في الطاقة المتجددة منخفضة التكلفة نسبيًا. بل إن الفواتير تظل مرتفعة حتى عندما تعمل مزارع الرياح بكامل طاقتها.

لكن سواء استمرت بريطانيا في سعيها لإزالة الكربون من شبكة الكهرباء — وهو أمر ضروري لأسباب أخرى — أو تخلت عن هذا الهدف، فلن يؤدي ذلك إلى خفض كبير في تكلفة الطاقة.
السبب يكمن في آلية عمل أسواق الكهرباء، وفي الجغرافيا والسياسات التي تشكل منظومة الطاقة البريطانية.

كيف تُحدد أسعار الكهرباء بالجملة؟

في السوق البريطاني، يُحدد سعر الكهرباء بحيث يدفع الجميع ثمن أغلى مصدر طاقة يُستخدم في لحظة معينة — وغالبًا ما تكون محطات توليد الكهرباء بالغاز الطبيعي.
أما الغاز الذي يُحرق لإضاءة المنازل وتسخين الغلايات في بريطانيا، فيجب أن يُسال، ويُشحن من الولايات المتحدة أو قطر وسط منافسات عالمية، ثم يُعاد تحويله إلى حالته الغازية.
ارتفاع أسعار الغاز يدفع أسعار الكهرباء بالجملة إلى الأعلى، وهو ما ينعكس مباشرة على فواتير المستهلكين.

كيف جعلت الجغرافيا الكهرباء في بريطانيا الأغلى في أوروبا؟
طاقة نووية

في المقابل، الطاقة المتجددة الرخيصة في التشغيل (مثل الشمس والرياح والطاقة النووية) تأثيرها محدود، لأن تكلفة إنشاء محطاتها مرتفعة جدًا رغم انخفاض تكاليف التشغيل.
ولتشجيع الشركات على بناء قدرات توليد جديدة، تضطر الحكومة إلى تقديم سعر مضمون للكهرباء المنتجة، يغطي تكاليف التخطيط وشراء التوربينات وتركيب المعدات الكهربائية.

البنية التحتية: عقدة الاختناق

نقل الكهرباء من مصادرها المتنوعة إلى المستهلكين يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية — وهي استثمارات تأخرت لعقود في بريطانيا.
ففي اسكتلندا وحدها، أُهدرت قرابة 40% من الكهرباء المنتجة من مزارع الرياح حتى الآن هذا العام، لأن الشبكة الوطنية لم تتمكن من نقلها إلى مناطق أخرى أو تخزينها.
النتيجة: فواتير مرتفعة الآن وفي المستقبل، بسبب تداخل ثلاثة عوامل رئيسية — الغاز المستورد، ضعف البنية التحتية، والأسعار المضمونة للمنتجين.

من يدفع الثمن في النهاية؟

معظم المقترحات لخفض الفواتير تنتهي عمليًا إلى نقل التكلفة من فواتير المستهلكين إلى دافعي الضرائب — أي من جيب إلى آخر.
هذا ما حدث في فرنسا، حيث تُعد الكهرباء النووية “رخيصة” فقط بفضل إنفاق حكومي هائل على مدى عقود.
الفرنسيون قد لا يواجهون فواتير طاقة بمستوى بريطانيا، لكنهم يتحملون ضرائب أعلى ودينًا عامًا أكبر.

غيوم في الأفق

كيف جعلت الجغرافيا الكهرباء في بريطانيا الأغلى في أوروبا؟
طاقة الرياح متوفرة لكن غير عملية.

رغم التحديات، ظلت الحكومات البريطانية المتعاقبة ملتزمة بالاستثمار في التقنيات الجديدة، مدركة أن الاعتماد المستمر على الوقود الأحفوري المستورد والمكلف لم يعد خيارًا آمنًا.
تأجيل الانتقال الكامل إلى الطاقة المتجددة — كما ذكرت صحيفة الغارديان — هو في الأساس رهان على انخفاض مؤقت في أسعار الغاز، وعلى إمكانية بناء محطات متجددة أرخص في المستقبل.

لكن المصادر المتجددة الأرخص تأتي مع تحدياتها الخاصة:
الشمس والرياح رخيصتان لكن متقطعتان، بينما الطاقة النووية هي الأغلى لكنها تعمل باستمرار.
الوضع معقد للمستهلك البريطاني: المشاريع النووية الجديدة تواجه إجراءات سلامة وتخطيط طويلة جدًا، والشبكة الوطنية بحاجة إلى تحديث شامل. وقد تندم الحكومة لاحقًا على إلغاء مشروع طموح لجلب الكهرباء الشمسية من المغرب.

جغرافيا غير عادلة

العامل الحاسم يبقى الجغرافيا.
فبفضل موقعها، أصبحت بريطانيا رائدة عالميًا في طاقة الرياح — وهي تقنية تتراجع أهميتها عالميًا مقارنة بالطاقة الشمسية.
وفي حين تنخفض تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية بسرعة، فإن منحنى التطور أبطأ في مجال الرياح.
ولا توجد طريقة لزيادة عدد ساعات الشمس في إنجلترا.
دول مثل إسبانيا — التي تمتلك رياحًا وشمسًا وافرتين — لديها مهمة أسهل بكثير في الانتقال إلى طاقة متجددة رخيصة.

الرهان على المستقبل

كيف جعلت الجغرافيا الكهرباء في بريطانيا الأغلى في أوروبا؟
أسعار انتاج النفط تتغير وفقا للمتغيرات الدولية.

رغم الإحباط من ارتفاع الفواتير، فإن خيارات بريطانيا محدودة.
الجغرافيا منحتها الرياح، لا الشمس. والسياسات أنتجت قطاع طاقة متجددة عالمي المستوى، لكن شبكة نقل تكافح لنقل الطاقة المنتجة.
المستقبل يعتمد على ما إذا كانت التقنيات الناشئة — مثل البطاريات الأرخص، والطاقة المولدة من حركة المد والجزر، والمفاعلات النووية الصغيرة — ستسدّ الفجوات الناتجة عن الطقس والتأخيرات في التخطيط.

لن يكون الأمر سهلاً ولا رخيصًا.
لكن البديل — الاستمرار في الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد المتقلب الذي يجعل الفواتير رهينة للأزمات العالمية — أسوأ بكثير.
ستبقى بريطانيا تواجه واقعًا تكون فيه الكهرباء أعلى تكلفة من معظم دول أوروبا، ليس فقط بسبب القرارات السياسية، بل لأن البلاد تفتقر إلى الشمس التي تخفّض الأسعار في أماكن أخرى.
والرهان على التكنولوجيا هو الطريق الوحيد لسد هذه الفجوة.

في النهاية، يبدو أن القرار المحتمل لا يعكس تراجعًا عن الالتزام المناخي بقدر ما يعكس محاولة لإعادة التوازن بين الطموح البيئي والقدرة الاقتصادية، في معركة تُدار بين واقع فواتير الطاقة — وما تمثله من ضغوط اقتصادية على المواطن البريطاني وضغوط سياسية على الحكومات — وضغط الأهداف الخضراء.

المصدر: The Conversation


اقرأ أيضا:

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
7:33 pm, Oct 26, 2025
temperature icon 9°C
light rain
87 %
1005 mb
16 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 75%
Visibility 10 km
Sunrise 6:43 am
Sunset 4:45 pm

آخر فيديوهات القناة