العرب في بريطانيا | الإعلام البريطاني يتلذذ بنشر الكراهية بعد الهجو...

1447 ربيع الثاني 12 | 05 أكتوبر 2025

الإعلام البريطاني يتلذذ بنشر الكراهية بعد الهجوم على الكنيس في مانشستر

WhatsApp Image 2025-10-05 at 10.28.47 AM
فيصل حنيف October 5, 2025

تصدّرت العناوين الأولى للصحف البريطانية عبارات تتهم الإسلام بالمسؤولية، خالطةً بين عملٍ إجرامي ودينٍ كامل.

فقد هاجم رجلٌ يهودًا في كنيس بمدينة مانشستر خلال يوم الغفران (يوم كيبور)، في عملٍ شنيع من الإرهاب والكراهية. لكن خلال ساعات قليلة، تحوّل جزء كبير من التغطية الإعلامية من الإبلاغ عن الجريمة إلى اتهام الإسلام – وبالتالي المسلمين البريطانيين – بالمسؤولية عنها.

كانت صحيفة ديلي ميل في طليعة هذا التوجه، إذ تصدّر صفحتها الأولى عنوان يقول: «إنه إرهابي إسلامي»، في صياغة متوقعة ولكنها كاشفة في الوقت ذاته. كما تبنّت صحفٌ أخرى وصف الهجوم بالإرهابي، لكن لم يبلغ أي منها حدة لهجة الـميل.

وجاء ذلك في إطار خطاب إعلامي حوّل تصرف فرد واحد إلى انعكاسٍ لدينٍ يعتنقه أكثر من ملياري إنسان حول العالم.

قد يصرّ البعض على أن المهاجم، الذي قُتل برصاص الشرطة، كان كما وصفته الصحيفة. لكن وصف الجاني بأنه «إسلامي» يُعدّ في حد ذاته تضليلاً، إذ تحرّم التعاليم الإسلامية صراحةً القتل خارج نطاق القانون واستهداف الأبرياء، وهو ما ينبغي أن يعرفه أي صحفي أو كاتب.

ومع ذلك، يتسع اليوم الفارق بين ما هو واضح ومعقول، وبين ما تروّجه وسائل الإعلام اليمينية البريطانية. لم يعد يهمّ ما إذا كان مصطلح «إرهابي إسلامي» خاطئًا لغويًا أو دينيًا، فالمهم أنه أصبح ترخيصًا فعليًا لمعاداة الإسلام، يخلط بين الجريمة وبين الدين بأكمله.

وليس هذا جديدًا؛ فبعد حرب غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، اتهم محررو بعض الصحف اليهودية البارزة في بريطانيا ما وصفوه بـ«عطش دموي إسلامي تاريخي»، وادعوا أن «الثقافة الإسلامية واقعة تحت تأثير طائفة عبادة الموت».

وقبل حتى أن يُكشف عن هوية منفذ هجوم مانشستر، وصف أحد المعلقين الموالين لإسرائيل الإسلام بأنه «أيديولوجيا بدوية من القرن السابع» خلال ظهوره على قناة GB News، دون أي اعتراض من المذيعين. مثل هذه التصريحات، التي تُبث بلا تحدٍ أو مساءلة، تكشف عن هوسٍ بالإسلام والمسلمين تغذّيه هيئات رقابية متقاعسة، إذ تسمح Ofcom للمذيعين ببثّ إساءاتٍ صريحة ضد المسلمين دون عواقب.

المسؤولية الجماعية

كثير من المعلقين اليمينيين والموالين لإسرائيل يلجأون إلى أسلوب “المقارنة المضللة” لتحويل التركيز من جرائم الأفراد إلى تحميل المسلمين كجماعة المسؤولية. على سبيل المثال، نشرت صحيفة ديلي إكسبريس عنوانًا يقول: «إذا كنت تريد تعميم الانتفاضة، فقد تحقق أمنيتك في مانشستر».

مثل هذا الخطاب يربط بين الهجوم على مصلين في كنيسٍ بريطاني وبين السياسة الدولية، في إيحاءٍ بمسؤولية جماعية للمسلمين، مع صرف الانتباه عن المجرم الحقيقي. وهو نمط متكرر، حيث يؤدي أي عملٍ عنيف يُنسب إلى مسلم إلى دعوات لتقييد الحريات المدنية وإثارة الشك الجماعي وتحميل الجالية بأكملها الذنب.

وفي المقابل، كانت التغطية الإعلامية مختلفة تمامًا عند الهجوم على المسجدين في كرايست تشيرش عام 2019، حين قتل الإرهابي الأبيض برينتون تارانت 51 مصليًا مسلمًا.

فقد نشرت صحيفة ديلي ميرور صورًا لطفولة تارانت، ووصفتْه بأنه «صبي ملائكي» تحول إلى قاتل، بينما تناولت التغطية دوافعه باعتبارها «انتقامًا لرذرهام»، في إشارة إلى فضائح عصابات الاستغلال الجنسي.

هذا التناول الإعلامي قدّم تبريرًا ضمنيًا لفكر تارانت، وغطّى على طبيعته المتطرفة القائمة على تفوق العرق الأبيض.

الفجوة في المعايير واضحة تمامًا، مانيفستو تارانت استند إلى نفس الخطاب الذي يستخدمه اليوم كثير من المعلقين الذين يتظاهرون بأنهم حماة الأخلاق بينما يشيطنون المجتمعات المسلمة.

أظهر تقرير مركز رصد الإعلام بعنوان «كيف تغطي وسائل الإعلام البريطانية قضايا الإرهاب» أنه بين عامي 2015 و2019، كان أكثر من نصف الإشارات إلى الإرهاب مرتبطًا بالإسلام أو المسلمين، في حين لم تتجاوز تغطية الإرهاب اليميني المتطرف 6 بالمئة.

يُظهر هذا الخلل أن أي عنف يرتكبه مسلم يُدين مجتمعًا بأكمله، بينما يُعامل الإرهاب اليميني كحادثة فردية معزولة.

محاكمات إعلامية

تستمر المحاكمات الإعلامية للمسلمين مع صعود قنوات مثل GB News، التي باتت أكثر جرأة في مطالبة المسلمين بإثبات «استحقاقهم».

فبعد هجوم مانشستر الأخير، قال أحد مقدمي البرامج إن على المسلمين أن يبرهنوا أنهم يستحقون الدعم العام، بينما أشار آخر إلى أن الحكومة خصصت 117 مليون باوند لحماية المدارس والمراكز والمساجد الإسلامية، مقابل «70 مليونًا فقط» للمؤسسات اليهودية.

الرسالة الضمنية واضحة: المسلمون مدلّلون ومميّزون، وهذا الخطاب يُستخدم لإثارة مشاعر الغضب بين البريطانيين الساخطين.

لكن الواقع مختلف تمامًا، إذ يبلغ عدد المسلمين في بريطانيا نحو 15 ضعف عدد اليهود، ويوجد في البلاد نحو 1800 مسجد مقابل حوالي 500 كنيس، ما يعني أن الحماية المقدمة للمسلمين أقل نسبيًا، لا أكثر.

ترويج الأكاذيب

تعتاد قناة GB News على تكرار معلومات مضللة، وتتيح للضيوف المعادين للمسلمين الكلام دون اعتراض.

فقد زعم أحد المحللين أنه لم تُستهدف أي مساجد خلال شهر رمضان، رغم حوادث موثقة في السنوات الأخيرة، من بينها هجوم 2017 في فينسبري بارك، حيث قُتل رجل دهسًا بشاحنة، وهجوم عام 2019 على مسجد في ساوثهول، حيث أوقف المصلون رجلاً هاجمهم بمطرقة، فضلًا عن هجوم عام 2022 على مركز إسلامي سريلانكي في لندن.

وفي رمضان هذا العام، وُجهت تهمة جريمة كراهية لمراهق بعد أن رشق مسجدًا بالطلاء والحجارة، ورغم ذلك، لم تحظَ هذه الأحداث بتغطية مشابهة أو عناوين غاضبة على الصفحات الأولى.

ويضاف إلى ذلك تكرار الادعاءات الكاذبة حول تطبيق «الشريعة» في بريطانيا – وهي مزاعم روّج لها حتى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أمام الأمم المتحدة – في حين أن المجالس الإسلامية في بريطانيا لا تمتلك أي سلطة قانونية، بل تقدم فقط خدمات وساطة وإرشاد لا يمكنها تجاوز القانون البريطاني.

ورغم توضيح الحقائق مرارًا، تواصل هذه الأكاذيب الانتشار، مسببة آثارًا حقيقية على حياة المسلمين.

حتى في حالات التغطية الجيدة، تظهر انتقائية واضحة، ففي برنامج بانوراما الأخير على قناة بي بي سي، الذي كشف عن إساءات معادية للمسلمين من قبل شرطة لندن، لم يُذكر مصطلح “الإسلاموفوبيا” إطلاقًا.

وهو ما يثير التساؤل حول ازدواجية التعامل: فعندما يكون المسلمون ضحايا، تُستخدم العبارات المخففة، أما عندما يكونون متهمين، تُطلق عليهم أبشع الأوصاف.

مع هجوم مانشستر الأخير، بات واضحًا للمراقبين أن وسائل الإعلام البريطانية التي تبث الكراهية لا تُهدد المسلمين وحدهم، بل اليهود وغيرهم أيضًا، من خلال شيطنة جماعات بأكملها والدفاع عن المعلقين العنصريين وتغذية الإسلاموفوبيا.

هذه الوسائل تخلق بيئةً متساهلة تجاه الكراهية بكل أشكالها، فهي ذاتها التي تدافع عن امرأة دعت إلى إحراق المهاجرين في الفنادق، بينما تقلل من شأن العصابات التي أرعبت الأحياء والمصلين داخل المساجد.

إن إدانة هجوم مانشستر أمر ضروري، ويستحق اليهود البريطانيون التضامن في هذا الوقت العصيب، لكن تضامنًا مشروطًا من مؤسسات إعلامية تتغذى على الانقسام لا يجلب سوى الضرر.

استغلال المأساة لمحاكمة المسلمين جماعيًا يُسيء لكلٍّ من المسلمين واليهود على حد سواء، ويجعل الجميع أكثر عرضة للخطر في ظل إعلامٍ يعيش على الكراهية والانقسام.

المصدر: ميدل إيست آي


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
1:25 pm, Oct 5, 2025
temperature icon 16°C
few clouds
50 %
1016 mb
18 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 14%
Visibility 10 km
Sunrise 7:07 am
Sunset 6:29 pm

آخر فيديوهات القناة