بريطانيا تقر مشروعًا لبناء سفارة صينية ضخمة في لندن
تستعد الحكومة البريطانية لمنح موافقتها الرسمية على مشروع لبناء سفارة صينية ضخمة في قلب العاصمة لندن، في موقع استراتيجي حساس قرب (Royal Mint Court) وبجوار خطوط ألياف ضوئية تحمل بيانات بالغة الحساسية.
وتشير التوقعات إلى أن القرار سيصدر خلال الأسابيع المقبلة، رغم أن الوزراء لم يعلنوا موقفًا نهائيًّا بعد، بانتظار ما يُوصف بأنه آخر مرحلة من التقييمات الأمنية والاستخبارية.
قرار معقّد وحساس… واستشارات أمنية على أعلى مستوى

ومع أن البتّ في طلب التخطيط يقع رسميًّا ضمن صلاحيات وزير الإسكان ستيف ريد باعتباره قرارًا “شبه قضائي”، فإن حساسية المشروع دفعت الحكومة إلى إشراك وكالات الأمن الداخلي والخارجي MI5 وMI6 في المشاورات قبل اتخاذ القرار النهائي.
وكانت مهلة الحسم قد أُرجِئت أكثر من مرة، قبل أن تُحدد الحكومة يوم الـ10 من كانون الأول/ديسمبر موعدًا نهائيًّا للبت في المشروع.
وتشير مصادر حكومية إلى أن رأي أجهزة الاستخبارات جاء ممهّدًا للموافقة، ما فتح الطريق أمام الضوء الأخضر المتوقع، وهو ما نقلته صحيفة التايمز أولًا.
ويأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه المخاوف من أن قرب الموقع من البنية التحتية الرقمية الحساسة قد يحوّل السفارة إلى نقطة محتملة لأنشطة تجسّس، وهو ما يثير قلق عدد من النواب ودوائر الأمن القومي.
أكبر سفارة صينية في أوروبا
وبحسَب المخططات، ستبلغ مساحة السفارة نحو 20 ألف متر مربع، لتصبح الأكبر للصين في أوروبا. ويرى بعض المسؤولين أن توحيد جميع المكاتب الصينية في موقع واحد، بدلًا من توزيعها في مواقع متعددة داخل لندن، قد يسهم في إدارة أفضل للتعاملات الدبلوماسية.
غير أن هذا الطرح لا يلغي المخاوف الأمنية المتصاعدة، ولا الاعتبارات السياسية المرتبطة بعلاقة لندن المتقلّبة مع بكين.
انتقادات سياسية حادّة واتهامات بالضعف

وقد فجّر المشروع موجة انتقادات واسعة النطاق داخل صفوف المعارضة، ولا سيما من حزب المحافظين. وحذّرت وزيرة الخارجية في حكومة الظل، بريتي باتيل، من أن الموافقة على المشروع ستعرّض البلاد لـ”خطر حقيقي”، متهمة رئيس الوزراء كير ستارمر بأنه “يائس ويفتقر إلى المبادئ”.
كما انتقد زعيم الديمقراطيين الأحرار إد ديفي المشروع، معتبرًا أن الموافقة عليه ستكون “قرارًا خاطئًا”، وأضاف: “كيف يمكن السماح بذلك مع أن الآلاف لجؤوا من هونغ كونغ إلى بريطانيا هربًا من قمع الصين؟”.
سياق أمني متوتر: قضايا تجسس وإنذارات من MI5
وتأتي هذه التطورات وسط أجواء توتر متصاعد بشأن الدور الصيني داخل بريطانيا. ففي أيلول/سبتمبر الماضي انهارت قضية ضد رجلين، أحدهما باحث سابق في البرلمان، كانا متهمين بالتجسس لمصلحة الصين.
وقد برزت القضية بقوة في الإعلام بعد إعلان النيابة إسقاطها لعدم قدرتها على الحصول على أدلة رسمية تكشف أن الصين تمثل “تهديدًا للأمن القومي”.
ورغم ذلك، أعرب الوزراء عن غضبهم من انهيار القضية، محمّلين حكومة المحافظين السابقة مسؤولية تقادم التشريعات وعدم مواكبتها للعقبات الأمنية الجديدة.
ومع بداية الأسبوع الجاري، أصدر جهاز MI5 تنبيهًا عاجلًا إلى أعضاء مجلسي العموم واللوردات، حذّر فيه من “خطر كبير” يتمثل في محاولات تجسس صينية.
قال الجهاز: إن أفرادًا يعملون لحساب وزارة أمن الدولة الصينية ينتحلون صفة “صيّادي مواهب” على منصات مثل (LinkedIn) لاستهداف العاملين في السياسة البريطانية بهدف الحصول على معلومات داخلية.
من جهتها، نفت الصين جميع الاتهامات المتعلقة بالتجسس، ووصفتها بأنها “مجرد تلفيق”، حسَب قولها.
بريطانيا تسعى لإعادة ترتيب العلاقات مع بكين

منذ فوزه في الانتخابات العامة، يحاول حزب العمال تبني نهج أقل تصادمية تجاه الصين، مع الحفاظ على المسافة الضرورية في الملفات الأمنية.
وقد زار مسؤولون بارزون في الحكومة -بينهم وزيرة الخزانة راشيل ريفز ووزير الأعمال بيتر كايل وكبير موظفي الخارجية السير أولي روبنز- بكين في الأشهر الماضية.
ومن المتوقع أن يزور رئيس الوزراء الصين بنفسه في مطلع العام المقبل، رغم تأكيده خلال رحلته الأخيرة إلى قمة العشرين في جوهانسبرغ أنه لم يُحدَّد موعد رسمي بعد.
وأكد ستارمر أن نهج حكومته يقوم على “التعاون حيثما أمكن، والتحدي حين يكون ذلك ضروريًّا، وبخاصة فيما يتعلق بالأمن القومي”.
خلاف داخلي… وقرار قد يُعيد تشكيل العلاقة بين البلدين
في ظل الجدل المتصاعد، يرى مراقبون أن قرار الحكومة -سواء بالموافقة أو الرفض- قد يكون له دور مفصلي في رسم ملامح العلاقة البريطانية الصينية خلال السنوات المقبلة.
فبينما تأمل بكين أن يفتح المجمع الدبلوماسي الجديد الباب لتعاون اقتصادي ودبلوماسي أوسع، ترى أطراف سياسية بريطانية أن منح الصين وجودًا ضخمًا في موقع حساس قد يكون ثمنه باهظًا.
ومع اقتراب موعد الحسم في الـ10 من كانون الأول/ديسمبر، يبقى الجدل محتدمًا بين دعاة تعزيز العلاقات الاقتصادية وبين المتمسكين بالتحذيرات الأمنية المتزايدة، في وقت يستمر فيه الملف الصيني في شق الساحة السياسية البريطانية بعمق غير مسبوق.
المصدر: بي بي سي
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
