الشيف عمر التيجاني يضع المطبخ السوداني على خريطة بريطانيا والعالم

من وصفات الكسرة والملوخية واليخنة إلى مشروبات الماريسا التقليدية، جمع الشيف عمر التيجاني، الطاهي السوداني في كتاب “المطبخ السوداني”، كنوز المطبخ السوداني المتنوعة في إصدار يُعد الأول من نوعه باللغة الإنجليزية يوثق هذا التراث الغني.
التيجاني، الذي يصف نفسه بأنه “طاهٍ فخري”، لم يتلقَّ تدريبًا مهنيًّا في الطهي، لكنه بنى خبرته من حنينه إلى الوطن ورغبته في توثيق أصوله. يقول: “بدأ الأمر حين أردت التواصل مع جذوري دون الحاجة إلى الاتصال بأمي في كل مرة أطبخ فيها”. لكن الوصفات التي تلقاها كانت غالبًا مختصرة، وهو ما دفعه إلى البحث بنفسه.
مشروع شخصي… ومهمة ثقافية
أطلق التيجاني موقعًا إلكترونيًّا وصفحات تواصل اجتماعي توثق الأطباق السودانية المتنوعة، وتلقى تفاعلًا واسع النطاق من المتابعين. وشيئًا فشيئًا تحوّل هذا التوثيق إلى مشروع أكبر هدفه تقديم صورة متكاملة لمطبخ السودان بوصفه مرآة لهُويته الثقافية الغنية.
ويُبرز الكتاب أطباقًا متأثرة بالمطبخين الشرقي والتركي، مثل الفول والمولوخية والطعمية، إلى جانب أطعمة مخمرة كـ”الكسرة” و”القراصة”، وكذلك بعض الأطباق المستوحاة من غرب إفريقيا مثل الأقاشي والعصيدة. ويرى التيجاني أن هذا التنوع يعكس ثراء السودان العرقي والثقافي، مع أن بعض هذه المأكولات ظلّ مهمشًا في ظل سياقات سياسية وهيمنة نخب محددة على الصورة العامة للبلاد.
الشيف عمر التيجاني يُروج لتنوع المطبخ السوداني
مع اندلاع الثورة السودانية عام 2019 وتزامنها مع وباء كورونا، أجرى التيجاني رحلات ميدانية إلى مناطق مهمشة كدارفور وكردفان وشرق السودان، موثقًا الأطباق عبر التاريخ الشفهي والتجربة المباشرة. يقول: “اعتبرت أن التوثيق شكل من أشكال المقاومة الثقافية ضد محاولات الطمس التي مارستها الأنظمة السابقة”.
ومن اكتشافاته المفضلة في دارفور كانت “الكنافة الملفوفة” والمحشوة بالتمر والمكسرات، والتي يصفها بأنها “أفضل ما يمكن تذوقه في أي منطقة من السودان”. يؤكد التيجاني أن مطبخ دارفور “يرفع سقف الإبداع” مقارنةً بما نشأ عليه في الوسط النيلي.
وينقسم الكتاب إلى خمسة فصول بعناوين شاعرية مثل “زرع البذور” و”التجذر” و”إنبات البراعم”، ويختم بـ”حمل الفاكهة”، حيث يقدّم وصفات مشروبات تقليدية وغيرها من المشروبات التي كانت جزءًا من الثقافة السودانية اليومية قبل الثمانينيات.
أما الوصفة التي يوصي بها القرّاء فهي “الفتة السوادنية”، وهي طبق من لحم الضأن المطهو ببطء، يُقدّم مع الأرز وخبز مفتّت ومغموس في الحساء، ومغطى بصلصة الطماطم والثوم.
إعادة اكتشاف الذات
يُخاطب الكتاب السودانيين بقدر ما يُعرّف الآخرين بالمطبخ السوداني. يقول التيجاني: “معظم السودانيين لا يعرفون مدى تنوع مطبخهم. هذا الكتاب مقدمة، وأرجو أن يدفع القراء لاكتشاف أوسع”.
وقد تعاون مع المصوّر مازن الزين في تصوير الأطباق داخل الاستوديو الخاص به. ويصف الزين التجربة بأنها كانت “ملهمة وإنسانية بامتياز”، مشيدًا بالتزام التيجاني ومهاراته، ويضيف: “عمر طاهٍ رائع، حتى لو لم يحمل اللقب رسميًّا”.
وفي هذا السياق ترى منصة العرب في بريطانيا (AUK) أن مبادرة عمر التيجاني ليست مجرد مشروع طبخ، بل مساهمة ثقافية وإنسانية بالغة الأهمية في حفظ هُوية وطنية تواجه خطر التآكل. الكتاب يُقدَّم بوصفه جسرًا بين السودان والعالم، ويُعيد الاعتبار للمجتمعات والمأكولات التي طالها الإقصاء والتهميش. إنه نموذج ملهم يُذكّرنا بأن المطبخ ليس مجرد وصفة، بل مرآة لتاريخ الشعوب، وأن أرشفة الطعام يمكن أن تكون أيضًا أرشفة للهُوية والذاكرة الجمعية.
المصدر: okayafrica
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇