العرب في بريطانيا | لماذا كسرت الجمعية الطبية البريطانية صمتها تجاه...

1447 محرم 15 | 11 يوليو 2025

لماذا كسرت الجمعية الطبية البريطانية صمتها تجاه غزة؟

مقالArtboard 2 copy (11)
اية محمد July 10, 2025

من الموسيقيين الذين يهتفون في مهرجان غلاستونبري، إلى الطلاب الذين يحتلون الحُرُم الجامعية، إلى نقابات الأطباء التي تمرر قرارات تضامن — تغيّرت آراء العامة. الناس يطالبون بإنهاء المشاركة الفعلية في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.

القرارات التي تم التصويت عليها قبل أسبوعين في الاجتماع التمثيلي السنوي للرابطة الطبية البريطانية — وهو أكبر تجمع للأطباء في المملكة المتحدة — تُعد رمزًا قويًا لهذا التحوّل.

أنا طبيبة تخدير كبيرة في هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS). أعمل في غرف العمليات، حيث المخاطر كبيرة، والواجب واضح: لا ضرر، أنقذ الأرواح حيث يمكنك، وخفّف الألم حين تعجز عن علاجه.

مثل معظم العاملين في القطاع الصحي، أؤمن إيمانًا راسخًا بأن لكل إنسان قيمة متساوية، وأن تقديم رعاية كريمة لا ينبغي أن يكون مشروطًا — لا بالعرق، ولا بالجنسية، ولا بالسياسة.

لكن في فلسطين، يتم تدمير الأسس التي يقوم عليها عملنا المهني دون عقاب.

حرب ضد الرعاية الصحية

لماذا كسرت الجمعية الطبية البريطانية صمتها تجاه غزة؟
العدوان الإسرائيلي على غزة (الأناضول/ Mustafa Hassona)

على مدار 21 شهرًا، شهدنا حربًا وحشية لا هوادة فيها ضد النظام الصحي. أكثر من 1,400 من العاملين في قطاع الصحة الفلسطيني استُهدفوا واستشهدوا— ممرضات، ومسعفون، وقابلات، وأطباء. تحولت المستشفيات إلى أنقاض؛ سيارات الإسعاف قُصفت، وأُغلقت، ودُفنت في الرمال. مرضى ماتوا من إصابات كان يمكن علاجها، لأن إسرائيل تمنع دخول الإمدادات الأساسية إلى القطاع.

اعتُقل الأطباء، واختفوا قسرًا، وتعرضوا للتعذيب — غالبًا في المستشفيات التي رفضوا مغادرتها. ورغم هذه الجرائم الحربية الفادحة، لم تكتفِ المؤسسة الطبية الإسرائيلية برفض إدانة هذه الهجمات، بل كانت متواطئة في سوء معاملة المحتجزين تعسفيًا، في انتهاك صارخ للمبادئ الأخلاقية الأساسية لمهنتنا.

فشل أخلاقي

هذه ليست أضرارًا جانبية مأساوية للحرب. بل هو هجوم منهجي يهدف إلى تدمير النظام الصحي وتعظيم الأذى ضد الشعب الفلسطيني. إنه استهداف لنظام صحي درّب متخصصيه، وخدم سكانًا محاصرين بصمود استثنائي.

كل ذلك يحدث بينما تغض الحكومات الغربية — بما في ذلك حكومتنا — الطرف، بل وتدعم هذا الإرهاب المنظم. فهذه الجرائم تُرتكب من قِبل دولة أقرت بنفسها أنها استخدمت التعذيب “بشكل منهجي” ضد الفلسطينيين.

ما زالت الحكومة البريطانية تصدر تراخيص بيع الأسلحة لإسرائيل. وترفض دعم التحقيقات الدولية في جرائم الحرب، وتمنح الدولة الإسرائيلية حصانة دبلوماسية. كما منحت بيانات مرضى NHS لشركة Palantir، وهي شركة مراقبة ترتبط ارتباطًا عميقًا بالجيش الإسرائيلي وبنيته التحتية الفصل العنصري. وفشلت في حماية العاملين الصحيين والطلاب البريطانيين الذين يتحدثون علنًا.

موقف موحد

في مواجهة هذا الفشل الأخلاقي، يتحدث العاملون في القطاع الصحي في جميع أنحاء البلاد بصوت واحد.

قبل أسبوعين، وفي مؤتمر السياسات الخاص بالرابطة الطبية البريطانية، تم تمرير سلسلة من القرارات التاريخية، دعت إلى:

  • تعليق التعاون مع الجمعية الطبية الإسرائيلية؛
  • إلغاء عقد Palantir مع هيئة الخدمات الصحية؛
  • إدانة تدمير خدمات الرعاية الصحية وقتل العاملين في غزة؛
  • والمطالبة بالإفراج الفوري عن العاملين الصحيين المعتقلين تعسفيًا.

كما دعت القرارات إلى حماية الأطباء والطلاب البريطانيين، وإلغاء الإجراءات العقابية ضد من يتم استهدافهم لمجرد التعبير عن مواقفهم، ودعم كامل لتحقيقات محكمة العدل الدولية حول الإبادة الجماعية، بما يشمل محاسبة الأطباء الإسرائيليين المتواطئين في التعذيب والانتهاكات.

وقد جاءت هذه القرارات من الأعضاء القاعديين ومن حركة “العاملون الصحيون من أجل فلسطين”، ومن أطباء يعملون في أقسام الطوارئ المرهقة ومراكز الرعاية العامة الممولة بشكل سيئ. جميعها تم تمريرها بأغلبية ساحقة.

رزان النجار

هذه اللحظة لم تبدأ في أكتوبر 2023. بل هي جزء من ثلاثة أرباع قرن من الاحتلال، والفصل العنصري، ونزع الإنسانية. لهذا السبب، أحمل في ذاكرتي رزان النجار، المسعفة المتطوعة البالغة من العمر 21 عامًا، التي استشهدت برصاص قناص إسرائيلي في 2018 أثناء علاج الجرحى في مسيرة العودة الكبرى. كانت ترتدي معطفها الأبيض. يداها مرفوعتان. جريمتها الوحيدة كانت محاولتها إنقاذ الأرواح.

اغتيالها أرسل رسالة واضحة وخبيثة: حتى من يُداوي الجراح ليس آمنًا إن كان فلسطينيًا. وقد تكررت هذه الرسالة مرارًا، حيث استهدفت إسرائيل المستشفيات، وأقسام الولادة، ووحدات غسيل الكلى.

اختبار لقيمنا

لكن تلك الرسالة لم تعد تمرّ دون مواجهة.

تصويت BMA يُظهر أن المهنة الطبية لم تعد مستعدة لغض الطرف؛ وأننا ندرك أن واجبنا لا ينتهي عند سرير المريض. بل يمتد ليشمل الدفاع عن قدسية الرعاية الصحية أينما وُجدت.

هذا أيضًا اختبار لقيم مهنتنا. فمبادئ الأخلاق الطبية — الحياد، والكرامة، وحقوق الإنسان — ليست أفكارًا مجردة. يجب أن نعيشها. والآن، يتم تدنيسها في فلسطين.

لا يكفي أن نرثي ضحايا القطاع الطبي الفلسطيني. يجب أن نطالب بالعدالة لهم. يجب أن نُسمي النظام والدولة التي قتلتهم. ويجب أن نرفض التعاون مع المؤسسات التي تبرر أو تمكّن هذا النظام.

بالنسبة للكثيرين منّا، هذا أيضًا أمر شخصي. كوني امرأة بريطانية من أصول إيرانية، أعلم ماذا يعني أن يُقال لك إن حياة أحبّائك أقل قيمة. لقد شهدتُ كيف يُستخدم الخطاب لتبرير العنف، وكيف تتواطأ المؤسسات في استمراره. لهذا يبدو هذا الظرف ملحًا وواضحًا.

لا يمكننا أن ندّعي الالتزام بمناهضة العنصرية داخل NHS بينما نلتزم الصمت تجاه إبادة جماعية تُبثّ على الهواء مباشرة. لن نسمح لحكومتنا بالاختباء خلف الإجراءات البيروقراطية بينما يُدفن زملاؤنا في المقابر الجماعية.

عندما تتقاعس الحكومات، يتحرك الناس.

هذه هي رسالة تصويت BMA. الناس العاديون — في نقاباتنا، وأماكن عملنا، وشوارعنا — لا يزالون يملكون القوة ليقولوا بوضوح وبصوت واحد: ليس باسمنا. لن نسمح لمهنتنا بأن تتواطأ في جرائم ضد الإنسانية.

نهاية الإفلات من العقاب تبدأ بالقرارات التي نتخذها. وقد اختار الأطباء الذين صوّتوا العدالة. اختاروا التضامن. اختاروا المقاومة.

المصدر: ميدل إيست آي 


إقرأ أيضًا:

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
11:26 am, Jul 11, 2025
temperature icon 28°C
few clouds
45 %
1021 mb
4 mph
Wind Gust 6 mph
Clouds 13%
Visibility 10 km
Sunrise 4:56 am
Sunset 9:15 pm