دراسة: 9 مناطق بريطانية تواجه أزمة سمنة بين الأطفال
بينما تتباهى بريطانيا بتقاليدها في الرعاية الصحية والتعليم، تدق دراسة صحية حديثة ناقوس الخطر بشأن الجيل القادم. فبحلول عام 2035، يُتوقع أن يعاني أكثر من نصف الأطفال في تسع مناطق بريطانية من السمنة أو زيادة الوزن، في واحدة من أخطر الأزمات الصحية التي تواجه المجتمع البريطاني منذ عقود. الدراسة، الصادرة عن الجمعية الملكية للصحة العامة، تكشف أن البلاد تتجه بسرعة نحو “قنبلة صحية موقوتة”، يغذّيها نظام غذائي تجاري مختل وغياب السياسات الوقائية الجادة.
السمنة إلى تصاعد: 90% من مناطق إنجلترا مهددة
أظهرت النماذج التوقعية التي أعدّتها الجمعية الملكية للصحة العامة (RSPH) أن معدلات السمنة بين أطفال الصف السادس الابتدائي سترتفع من 36% حاليًا إلى 41% بحلول عام 2035، في 136 من أصل 151 منطقة سلطة محلية في إنجلترا – أي ما يعادل 90% من البلاد.
وفي سابقة خطيرة، يُتوقع أن تتجاوز نسبة الأطفال الذين يعانون من السمنة أو زيادة الوزن عتبة الـ50% في تسع مناطق، وهي: بلاكبول (54%)، نوزلي (52%)، ساندويل (52%)، باركينغ وداجنهام (52%)، وولفرهامبتون (51%)، والسال (51%)، نيوهام (51%)، لوتن (50%) ونوتنغهام (50%).
قال ويليام روبرتس، الرئيس التنفيذي للجمعية، في تصريحات لصحيفة الغارديان إن “أسباب هذه الأزمة متعددة”، لكن أبرزها انتشار الأغذية المصنعة وانخفاض مستويات النشاط البدني لدى الأطفال، خاصة في المناطق الأكثر حرمانًا. وأكد أن السمنة الطفولية تؤدي إلى أمراض مزمنة تشمل السكري، وأمراض القلب، وأنواعًا من السرطان، فضلًا عن التدهور النفسي والاجتماعي للأطفال.
وأضاف: “ببساطة، نحن كدولة نفشل في مواجهة سمنة الأطفال، وكل المؤشرات تدل أننا نسير في الاتجاه الخاطئ”.
نظام غذائي مختل وسياسات مترددة
تقرير الجمعية، الذي يحمل عنوان “قواعد ساحة اللعب”، يدعو الحكومة إلى دعم الأنشطة البدنية في المدارس، غير أن ناشطين في الصحة العامة يرون أن المشكلة أعمق من ذلك بكثير. كاثرين جينر، مديرة “تحالف الصحة ضد السمنة”، دعت إلى إصلاح النظام الغذائي التجاري الذي يغذّي الوباء الصحي، مؤكدة أن “الأزمة وطنية، لكن آثارها تظهر في المدارس والعائلات وقوائم انتظار الـNHS”.
وتابعت: “نحن نواجه جيلًا من الأطفال يُتوقع أن يكون غير قادر على اللعب أو التعلّم أو حتى العيش بصحة جيدة، في وقت تتراجع فيه الدولة عن مسؤولياتها الأساسية”.
كشفت الغارديان في تحقيق سابق أن حكومة ريشي سوناك رضخت لضغوط شركات الأغذية فائقة التصنيع، وألغت توجيهات قانونية كانت تُلزم تجار التجزئة بعرض خيارات صحية. كما أفادت أن حكومة كير ستارمر قررت تأجيل فرض حظر على إعلانات الوجبات السريعة الموجهة للأطفال حتى عام 2026، ما أثار موجة غضب بين الخبراء الصحيين.
وقالت كاثي كليف من جمعية “سويل أسوسييشن” إن “غياب التشريعات الصارمة وفرض الضرائب على الأطعمة الأشد ضررًا هو السبب الرئيسي في استمرار تفاقم هذه الأزمة”. ودعت الحكومة إلى استخدام الاستراتيجية الغذائية المقبلة لإعادة ضبط المنظومة بالكامل، بما يشمل فرض ضرائب على الأغذية غير الصحية، وتشجيع الأنظمة الغذائية المحلية والمستدامة.
بلاكبول في الصدارة… والمجتمع المحلي يتحرّك
تُعد بلاكبول المنطقة الأكثر تضررًا، حيث يُتوقع أن تسجل أعلى نسبة سمنة بين الأطفال في البلاد. النائب العمالي كريس ويب علّق على التوقعات قائلًا: “ما كشفته الدراسة مقلق للغاية، لكنه لا يمثل مستقبلًا حتميًا. بالإرادة السياسية والاستثمار المجتمعي، يمكننا عكس هذا المسار”.
وأشار إلى مبادرات مثل “غرو بلاكبول” التي تتيح للأسر زراعة غذائها ضمن نظام محلي مستدام يعالج السمنة والفقر في آن واحد، مؤكدًا أن “الارتباط بين الفقر وسوء التغذية لم يعد قابلًا للإنكار، وأن الدولة مطالبة بالتدخل العاجل في مناطق التهميش”.
ديفيد فوذيرغيل، رئيس لجنة الرفاه المجتمعي في جمعية الحكم المحلي، قال إن المجالس المحلية بحاجة إلى تمويل مستدام لتقديم دعم مباشر للأسر الأكثر تضررًا. ودعا إلى إعادة استثمار الأموال المحصلة من ضريبة المشروبات الغازية في برامج غذاء ونشاط بدني تديرها السلطات المحلية.
خاتمة
إن أزمة سمنة الأطفال في بريطانيا لم تعد مجرد قضية صحية، بل باتت مسألة تتعلق بكرامة الطفولة وحق الأجيال القادمة في الحياة الكريمة. حين تتردد الحكومات في مواجهة شركات الأغذية المصنعة، وتُؤجل القوانين حمايةً لمصالح تجارية، فإنها بذلك تُفرّط بصحة أمة كاملة.
ومن دون رؤية جذرية تُعيد الاعتبار للغذاء كحق لا كسلعة، وللنشاط البدني كأولوية تعليمية لا مجرد خيار، ستظل بريطانيا تُنجب أجيالًا أثقل وزنًا… وأضعف صحة. إنقاذ أطفال اليوم هو إنقاذ مستقبل البلاد بأكملها.
المصدر الغارديان
إقرأ أيّضا
الرابط المختصر هنا ⬇