بنوك بريطانيا تحت حصار القراصنة: كيف تستعد الأنظمة الرقمية؟
تعيش البنوك البريطانية تحت تهديد دائم من هجمات إلكترونية متطورة، ما دفع المؤسسات المالية إلى إعلان حالة التأهب القصوى وتكثيف الاستثمارات في أمنها السيبراني. فالخطر لم يعد افتراضيًّا أو متعلقًا بالمستقبل، بل هو حاضرٌ يهاجم باستمرار، ويُهدّد بشلّ اقتصاد البلاد في ساعات معدودة.
ففي كل مرة يتلقى مدير بنك اتصالًا عاجلًا يُبلغه بأن هجومًا إلكترونيًّا شلّ أنظمة المؤسسة، تتسارع المخاوف من وقوع سيناريو مرعب: ملايين عمليات التخفيض المباشر تتعطل، والرواتب لا تُصرف، والصرّافات الآلية تتوقف، والدفعات في محطات البنزين والمواصلات تُرفَض. ومع انتشار الخبر، قد يدبّ الذعر بين الناس، ما يؤدي إلى سحب جماعي للأموال وخلل واسع في النظام المالي.
هذا السيناريو الذي يبدو خياليًّا ليس بعيدًا عن أسوأ تصور “معقول” أعدّته الحكومة البريطانية، حيث أدرجت الهجمات السيبرانية على البنوك الكبرى ضمن أخطر التهديدات في “سجل الأخطار الوطنية”.
استنفار في بنوك بريطانيا
وفي ظل هذه التهديدات المتزايدة، تُنفق البنوك البريطانية مليارات الباوندات؛ لتحديث أنظمتها الأمنية ومنع تكرار هجمات أصابت مؤسسات مثل “ماركس آند سبنسر” و”هارودز” و”الكو-أوب”. وبهذا الصدد قال إيان ستيوارت، الرئيس التنفيذي لبنك (HSBC) في بريطانيا: “نحن نتعرّض لهجمات مستمرة… وحجم الإنفاق لحماية الأنظمة أصبح هائلًا. إنه أكبر بند في ميزانيتنا”.
وتُظهر التقديرات أن البنوك حول العالم ستُخصّص 11 في المئة من ميزانيات تكنولوجيا المعلومات للأمن السيبراني في عام 2025، أي ما يعادل 32 مليار دولار من أصل 290 مليار.
وتحوّل مشهد التهديدات المصرفية من لصوص مقنّعين يقتحمون الفروع، إلى قراصنة إلكترونيين مدعومين من جهات دولية أو مجموعات تطالب بفديات. وقال ستيوارت ماكنزي، مدير شركة “مانديانت” التابعة لجوجل: “البنوك أدركت المخاطر باكرًا، واستثمرت أكثر من قطاعات كثيرة في مجال الحماية”.
وأكد محافظ بنك إنجلترا، أندرو بيلي، أن التهديد السيبراني لن يختفي؛ لأن “المهاجمين يطوّرون أساليبهم باستمرار”، منبّهًا إلى ضرورة استمرار البنوك في العمل على جاهزيتها.
أنظمة معقدة ومهاجمون أذكياء
وتُشغّل البنوك أنظمة متشابكة تضم تحديثات وبرامج من شركات خارجية ومزوّدي خدمات سحابية، ما يزيد “سطح الهجوم”، ويمنح القراصنة فرصًا أكثر. وفي هذا السياق قال البروفيسور آلان وودوارد من جامعة (Surrey): “كلّما زادت التعقيدات، زادت الثغرات المحتملة… لا يوجد نظام آمن 100 في المئة، لكن النظام المصرفي البريطاني يقترب من ذلك بفضل إشراف بنك إنجلترا وأجهزة الاستخبارات”.
ورغم عدم تسجيل هجوم عطّل الاقتصاد بأسره، فإن الهجمات السابقة أثبتت هشاشة بعض النظم. ففي 2016، سُرِق 2.5 مليون باوند من 9 آلاف حساب في “تيسكو بنك” بعد اختراق بيانات البطاقات. وفي 2021، تعرّض “مورغان ستانلي” لاختراق أدى إلى تسريب بيانات شركات زبائنه. وحتى عند غياب القراصنة، شهد (TSB) في 2018 انهيارًا واسعًا في نظامه الإلكتروني تسبب بحرمان ملايين المشتركين من حساباتهم لأسابيع، ما أدى لاحقًا إلى تغريمه 48 مليون باوند.
تجارب محاكاة وخطط طوارئ
وقد أطلق بنك إنجلترا برامج محاكاة حقيقية لاختبار صمود البنوك، منها (CBEST) الذي يستخدم “قراصنة أخلاقيين” لمهاجمة الأنظمة بطريقة واقعية، إضافةً إلى مناورات إلكترونية تمتد لعدة أيام ضمن برنامج (SIMEX). وتشارك جهات كهيئة السلوك المالي ووزارة الخزانة والمركز الوطني للأمن السيبراني في مراجعة خطط الاستجابة.
وتفترض الجهات التنظيمية أن الهجوم الإلكتروني سيقع لا محالة، لذا تفرض على البنوك إعداد خطط استجابة وتعافٍ؛ لضمان استمرار الخدمات ومنع الشلل الاقتصادي.
وفي عالم المصارف، الثقة هي الأصل الأهم. ويقول وودوارد: “إذا تمكّن أحدهم من تنفيذ معاملة احتيالية داخل بنك ما، فلن يثق المشتركون به مجددًا”. هذا ما يدفع البنوك إلى تطوير دفاعاتها باستمرار.
وتؤكد لورا كاتريك، مديرة الأمن السيبراني في (UK Finance)، أن حماية أموال المشتركين وبياناتهم “ليست التزامًا تنظيميًّا فقط، بل جوهر العلاقة بين البنوك والمجتمع”. وتضيف: “لا يمكننا استبعاد احتمال الهجوم، لكن يمكننا الوثوق بأن الدفاعات أقوى من أي وقت مضى”.
رأي منصة العرب في بريطانيا
ترى منصة العرب في بريطانيا أن ما تواجهه البنوك البريطانية من تهديدات إلكترونية يعكس حجم التحول العميق في طبيعة المخاطر التي باتت تُلاحق الحياة اليومية في البلاد، من الاقتصاد إلى الأمن الرقمي. وفي ظل ازدياد الاعتماد على المعاملات الرقمية، تدعو المنصة المقيمين والوافدين إلى توخي الحذر عند استخدام الخدمات المصرفية، والتأكد من التعامل مع القنوات الرسمية والآمنة فقط. كما تنبّه المنصة إلى ضرورة تعزيز الثقافة الرقمية والوعي السيبراني في الأوساط العربية داخل بريطانيا، بما يضمن حماية الأفراد من محاولات الاحتيال ويُعزّز ثقتهم بالنظام المالي البريطاني.
المصدر: الغارديان
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
26°C
