من العراق إلى غزة.. الفجوة العميقة بين الشعب البريطاني وحكامه
شهدت زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش إلى المملكة المتحدة في نوفمبر 2003 لحظة فارقة في التاريخ البريطاني، إذ فجّرت المظاهرات المناهضة لها موجة غضب شعبي واسعة تجاه الغزو والاحتلال غير الشرعي للعراق.
لقد كان العراق الشرارة التي أشعلت فتيل الغضب الشعبي ضد حكومة توني بلير، وألقت بظلالها الثقيلة على النظام الانتخابي البريطاني بأكمله.
وفي مقال له عبر موقع قناة “بريس تي في”، بيّن الصحفي ديفيد ميلر أن تلك الأحداث كانت بمثابة إرهاصات البداية لنفاد صبر البريطانيين مع الديمقراطية الليبرالية ومؤسساتها.
وفي الأعوام التالية، عاش البريطانيون لحظة أمل عابرة مع انتخاب جيريمي كوربين زعيمًا لحزب العمال، قبل أن يتبدد هذا الأمل مع هزيمته، وظهور خلفه كير ستارمر كواجهة جديدة تُخفي وراءها خديعة مدروسة بعناية.
عندما صرّح ستارمر خلال حملته الانتخابية في 2020 قائلاً: “أنا أؤيد الصهيونية بلا تحفظ”، حاول كثيرون من اليساريين تبرير قوله بأنه مناورة انتخابية لا أكثر.
ولكن مع تعاظم مشاهد الإبادة الجماعية في غزة، التي تُبث على الهواء مباشرة أمام ملايين الشاشات حول العالم، بدا ستارمر في طريقه ليصبح أحد أكثر رؤساء الوزراء كراهية في تاريخ بريطانيا.
جذور الغضب.. من العراق إلى فلسطين
وأكمل الكاتب الذي أُقيل من جامعة بريستول في 2021 بسبب مواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية، أن 21 نوفمبر 2003 شهد احتشاد عشرات الآلاف من المتظاهرين في شوارع لندن للاحتجاج على زيارة بوش. كانت التظاهرة، التي شهدت إسقاط تمثال ضخم للرئيس الأمريكي في ميدان ترافالغار، بمثابة إعادة رمزية لإسقاط تمثال صدام حسين في بغداد قبل أشهر قليلة.
رغم المحاولات الأمريكية المستمرة لتبرير الغزو بذريعة أسلحة الدمار الشامل، لم تنطلِ الأكذوبة على الرأي العام، الذي ظل متشككاً ورافضاً لما اعتبره مغامرة عسكرية غير مبررة.
أما توني بلير، الذي وُصف آنذاك على لافتات الاحتجاج بـ”بــلاير” (لإيحاء بالكذب)، فقد وجد شعبيته المتدهورة تنحدر أكثر بفعل مشاركته في هذه الحرب الكارثية.
الديمقراطية في بريطانيا.. أزمة نظام
بحلول الانتخابات العامة لعام 2024، سجّل البريطانيون أدنى نسبة مشاركة انتخابية منذ عقود، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة 52%. يعكس ذلك حالة متزايدة من خيبة الأمل تجاه السياسة الحزبية، التي بدت عاجزة عن تقديم بدائل حقيقية بعد سنوات من هيمنة المحافظين.
ومع تصاعد مشاهد الإبادة الجماعية في غزة، والتي أصبحت قضية محورية للرأي العام البريطاني، بدا أن الفجوة بين الشعب ونخبه الحاكمة تزداد اتساعاً.
المظاهرات.. صوت الشعوب
استمرت المظاهرات المناهضة للإبادة الجماعية في غزة لأكثر من عام، وأصبحت رمزًا للتضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية، ليس فقط في بريطانيا، بل على مستوى العالم.
تشير ليندسي جيرمان، القيادية في تحالف “أوقفوا الحرب”، إلى أهمية هذه التظاهرات في استعادة الهيمنة على الفضاء العام، وتأكيد أن القضية الفلسطينية لا تزال في صدارة أولويات الشعوب، بغض النظر عن العرق أو الدين.
التحولات الراديكالية ومقاومة القمع
مع تصاعد تأثير الحركات الراديكالية المناهضة للصهيونية، لجأت الدولة البريطانية إلى تشريعات مكافحة الإرهاب لتقييد الحركة والتضييق على الناشطين والصحفيين.
رغم ذلك، أظهرت هذه الحركات قدرة متزايدة على تجاوز القيود، من خلال تنظيم فعاليات مباشرة وتعطيل نشاط الجماعات الصهيونية، إضافة إلى بناء هياكل سياسية بديلة تسعى لكسر احتكار الأحزاب التقليدية.
وقال الكاتب إن المشاهد الراهنة تشير إلى تصاعد حالة التوتر بين الشعب البريطاني ونخبه الحاكمة، في ظل غياب بدائل سياسية حقيقية وانهيار ثقة الشارع بالأحزاب الكبرى.
لكن الحركات المناهضة للصهيونية، رغم الضغوط والتحديات، تبدو أمام فرصة تاريخية لتوسيع نطاق تأثيرها، من خلال تبني استراتيجيات أكثر جرأة وفعالية في مواجهة منظومة الهيمنة السياسية والإعلامية.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇