هل تعد مغامرة بريكست السبب الرئيسي للتدهور المستمر للأوضاع في بريطانيا؟
شهدت الأسابيع القليلة الماضية اضطرابات سياسية واقتصادية في بريطانيا، وقد عجزت الحكومات المتعاقبة عن تحقيق استقرار حقيقيّ في بريطانيا خاصة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، فهل ساهمت مغامرة بريكست في تدهور أوضاع بريطانيا؟.
يُجمع عدد كبير من البريطانيين على أنّ بلادهم تدفع ثمن مغامرة بريكست، خاصة مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية في بريطانيا.
كيف ينظر البريطانيون إلى بريكست اليوم؟
The view from Europe, as they watch us, sailing off, with yet another captain walking the plank… https://t.co/efd3iqbcxB
— Prof Alice Roberts💙 (@theAliceRoberts) October 20, 2022
وبحسب استطلاعات الرأي التي أجراها معهد توني بلير فإنّ 59 في المئة من البريطانيين يحمّلون بريكست مسؤولية ما تمرّ به البلاد اليوم.
كما أنّ أكثر من ثلث الأشخاص الذين صوّتوا لبريكست يعتقدون بأنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي ساهم بتدهور الأوضاع الاقتصادية للبلاد.
ويبدو أنّ أكثر المتعصبين لبريكست بدؤوا بمراجعة حساباتهم بمن فيهم صحيفة التلغراف التي نشرت مقالًا تنتقد فيه مغامرة بريكست.
وتجدر الإشارة إلى أنّ المشكلات التي تعصف بميزانية بريطانيا ليست متعلقة بخروجها من الاتحاد الأوروبي، بقدر ما هي ناتجة عن إهمال الحكومة للطبقة العاملة، وتدخل حزب المحافظين في سياسات الدولة خاصة في حقبة تيريزا ماي وبوريس جونسون.
فيما فضلت رئيسة الوزراء المستقيلة ليز تراس اتباع نهج مارجريت تاتشر، وتخلت عما كانت تنادي به من تطوير الأماكن الفقيرة ومساعدة المحرومين في البلاد، وقد تخلت أيضًا عن التحالف الانتخابيّ الذي بدأ مغامرة بريكست عام 2016، وتحالفت مع جونسون عام 2019.
بكلّ الأحوال فقد كانت رئيسة الوزراء السابقة تراس محقة بشأن أمر واحد، وهو أنّ النمو كان بطيئًا للغاية، كما أنّ فرض المزيد من الضرائب أدى لتدهور الوضع المعيشي، لكن السؤال الأساسيّ هو لماذا يحدث كلّ ذلك؟ يمكن القول هنا إنّ الأمر متعلق ببريكست.
ومنذ أن غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي انخفضت واردات بريطانيا بشكل مفاجئ بنسبة 25 في المئة مقارنة ببقية دول الاتحاد الأوروبي، وبحسب ما ورد عن بنك إنجلترا فقد أدى بريكست إلى انخفاض الاستثمارات بنسبة 25 في المئة في الفترة الممتدة بين 2020 و 2021، بينما قال مكتب تدقيق ومراقبة الميزانية:” إنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سيخفض الإنتاج بنسبة 4 في المئة، أي ضعف تأثير كورونا”.
وقد قارن الخبير الاقتصاديّ جون سبرينغفورد بين اقتصاد بريطانيا واقتصادات دول أخرى من الاتحاد الأوروبي، لتقييم أداء الاقتصاد البريطاني منذ استفتاء عام 2016، وقدّم جون تصورًا دقيقًا عن الوضع الاقتصاديّ الذي ستكون عليه بريطانيا لو لم تغادر الاتحاد الأوروبي.
وقد كانت نتائج الدراسة التي أجراها جون صادمة، إذا انخفض الناتج الإجمالي لبريطانيا في الربع الأخير من عام 2021، بنسبة 5.2 في المئة علمًا أنّ الناتج الإجمالي يتعلق بقياس حجم اقتصاد البلاد، كما تراجع الاستثمار بنسبة 13.7 في المئة، وتراجعت حركة التجارة بنسبة 13.6 في المئة.
هل دفعت بريطانيا ثمن مغامرة بريكست؟
وقال الباحثان الاقتصاديان آدم بوزين ولوكاس رينجيفو كيلر:” لقد فتحت بريطانيا حربًا تجارية على نفسها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وقد تقلص حجم الاقتصاد، ما يعني أننا بحاجة لفرض المزيد من الضرائب لتمويل الخدمات العامة، لذلك أعلنت رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس عن سياسة الميزانية المصغرة، التي جاءت كنتيجة مباشرة للآثار الاقتصادية بعد مغامرة بريكست.
ويجدر التساؤل هنا: ما الخطة الاقتصادية لبريطانيا في مواجهة تبعات مغامرة بريكست؟ وما الميزات التي حصلت عليها بريطانيا بعد مغادرة الاتحاد الأوربي وهل سيساعدها ذلك في مواجهة الظروف الاقتصادي السيئة؟
بكلّ تأكيد فإنّ الجواب هو لا، على العكس تمامًا، فقد سوّق السياسيون لبريكست على أنه الحل الوحيد لاستعادة السيادة الاقتصادية والسياسية لبريطانيا دون أي تدخل من الاتحاد الأوروبي، لكن يبدو أنّ هؤلاء كانوا يبيعون الناس “الوهم” لإقناعهم بالخروج من الاتحاد الأوروبي.
كما أنّ قرارات الحكومة البريطانية مرهونة بالأسواق والمستثمرين، ولا يستطيع الوزراء أن يتخذوا أي قرار إذا لم يساهم في عودة الاستقرار للأسواق.
والسبب وراء ذلك هو أنّ جميع الدول لا تتمتع بسيادة مطلقة على سياساتها، ولا حتى الولايات المتحدة الأمريكية أو الصين، إنّ جميع الدول محكومة بالقوى والأحداث والمؤسسات المحيطة بها، فإمّا أن تقبل الدول بهذا الواقع وتتعامل معه أو أن تنكر وجوده، لكن بكلّ الأحوال لا يمكن تجاهله.
بريطانيا تعيد النظر في سياساتها الاقتصادية بعد بريكست
وقد بدأت بريطانيا بإدراك هذه الحقيقة بعد ست سنوات لم تحقق فيها البلاد أيّ تقدم باستثناء التظاهر بعودة السيادة للبلاد.
ويبدو أنّ بريطانيا تعيد النظر في سياساتها بناءً على الوقائع والمستجدات الأخيرة، نتيجة الأزمات المالية المريرة التي تمرّ بها البلاد.
وقد أدت سياسات رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس إلى ارتفاع أسعار الفوائد على القروض الحكومية التي سيتطلب سدادها 30 عامًا، كما زادت تكاليف الرهن العقاريّ، وقد انقلبت جميع الوعود التي أطلقها السياسيون قبل بريكست.
وها هو الواقع يفرض نفسه مجددًا مع عودة النهج الاقتصاديّ التقليديّ إلى السياسة البريطانية، لم يعد هناك أيّ طائل من الادعاء بأنّ الإجراءات الجمركية والتجارية لا تؤثر على اقتصاد بريطانيا…
ولا يمكن تجاهل الحقائق بعد الآن إذ أصبح واضحًا اليوم أنّ فرض المزيد من العوائق على التجارة سيؤدي إلى انهيار التجارة، كما أنّ تقليص حجم السوق، سيؤدي لتراجع الاستثمار.
وسيؤدي زيادة الإنفاق، وتخفيض الضرائب وعدم الاكتراث بالأرقام الرسمية، إلى فقدان ثقة الأسواق بالحكومة.
يبدو أنّ بريطانيا تشهد النتائج الملموسة لخروجها من الاتحاد الأوروبي، فيما يتدهور الاقتصاد البريطاني بعد سنوات من تصاعد المدّ القوميّ…
يبحث الأشخاص أيضًا عن :
ازدياد المخاوف من هجرة علماء بريطانيا بعد البريكست
كيف تسبب بريكست بخنق الجيل الجديد من المواهب البريطانية
تضاعف أسعار السلع في بريطانيا مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي بسبب بريكست
الرابط المختصر هنا ⬇