العرب في بريطانيا | ما الذي يمنعك القانون من انتقاده في بريطانيا؟

1447 محرم 15 | 11 يوليو 2025

ما الذي يمنعك القانون من انتقاده في بريطانيا؟

IMG-20250709-WA0065

في مجتمع ديمقراطي مثل بريطانيا، تبدو حرية التعبير قيمة مركزية. لكن هذه الحرية ليست مطلقة، بل تخضع لضوابط قانونية دقيقة تهدف إلى حماية التعايش واحترام التنوع. ومع تنامي دور العرب والمسلمين في الحياة العامة، يبرز سؤال عملي: ما هي المواضيع أو الأشكال التعبيرية التي يُمكن أن تجرّ تبعات قانونية في المملكة المتحدة؟

1. التحريض على الكراهية العرقية أو الدينية

يُجرّم قانون النظام العام لعام 1986 (Public Order Act 1986) استخدام كلمات أو سلوكيات تحرّض على الكراهية ضد أشخاص بسبب العرق أو الدين. يشمل ذلك العبارات المسيئة أو التهكمية إذا استُخدمت بقصد التحريض أو الترويع.

المادة 29B من القانون المذكور تنص على أن الشخص يُدان إذا نشر أو قال شيئًا يهدد أو يهين، وكان يقصد بذلك التحريض على الكراهية الدينية.

2. التمجيد أو التحريض على الإرهاب

بموجب قانون الإرهاب لعام 2006 (Terrorism Act 2006)، تُعتبر الإشادة بالهجمات أو الدعوة للعنف أو دعم الجماعات المحظورة جريمة يعاقب عليها القانون. وهذا ينطبق حتى لو لم تقع الجريمة بعد.

3. التشهير والقذف

قانون التشهير في بريطانيا يتيح للفرد أو المؤسسة المتضررة رفع دعوى إذا نُشرت معلومات غير صحيحة تمسّ بسمعتها. ويُطبق القانون سواء على الصحف أو وسائل التواصل أو حتى الخطابات العامة.

4. انتقاد الأديان وحدود معاداة السامية

بريطانيا لا تمنع نقد الأديان قانونًا، بما فيها الإسلام أو المسيحية أو اليهودية، بشرط أن يكون الانتقاد موجّهًا للأفكار أو المؤسسات وليس للأشخاص المنتمين إليها، وأن لا يتضمن تحريضًا على الكراهية.

لكن معاداة السامية تحظى بمعاملة خاصة، منذ تبنّي الحكومة البريطانية لتعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) في 2016، والذي يرى أن بعض أشكال انتقاد إسرائيل قد تُعدّ معادية للسامية إذا نُظر إليها كطريقة لنزع الشرعية عن اليهود كجماعة.

ومع ذلك، أكد القضاء البريطاني مرارًا أن انتقاد سياسات إسرائيل أو الاحتلال لا يُعتبر معاداة للسامية، ما لم يتضمن تحريضًا أو كراهية لليهود كيهود.

لماذا يهم هذا البريطانيين العرب؟

كيف غذّى حزب المحافظين في بريطانيا زيادة الإسلاموفوبيا؟

يتكون العرب في بريطانيا من طيف واسع من الجنسيات، والخلفيات السياسية، والانتماءات الدينية أو الثقافية. البعض جاء إلى المملكة المتحدة بحثًا عن الأمن بعد صراعات في بلدانهم الأصلية، وآخرون سعوا لفرص تعليمية واقتصادية، وهناك من وُلدوا ونشأوا في هذه البلاد. لكن ما يجمع كثيرين منهم هو الاهتمام بالشأن العام، والانخراط في قضايا سياسية حساسة مثل فلسطين، قضايا اللجوء، العدالة الاجتماعية، والإسلاموفوبيا.

في هذا السياق، تصبح حرية التعبير حقًا محوريًا، لكنها في الوقت ذاته مساحة محفوفة بالتحديات. إليك بعض الأسباب التي تجعل فهم القيود القانونية على التعبير أمرًا حيويًا للعرب البريطانيين:

1. التعبير السياسي في قضايا حساسة مثل فلسطين

يعبر كثير من العرب والمسلمين في بريطانيا عن دعمهم للشعب الفلسطيني ورفضهم للاحتلال، لكن بعض التعبيرات، خصوصًا في شبكات التواصل، قد تضع أصحابها تحت المجهر إذا تضمنت إشادة بحركات مصنفة كـ”منظمات إرهابية” في القانون البريطاني، أو إذا فُسّرت بعض العبارات كتحريض أو تمجيد للعنف.

معرفة الخطوط القانونية الفاصلة هنا لا تهدف إلى تقييد المواقف الأخلاقية، بل إلى صياغة التعبير بطريقة واعية تحمي صاحبها وتضمن استمرار تأثيره في الفضاء العام.

2. تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا واستهداف المسلمين إعلاميًا

في السنوات الأخيرة، ازدادت التغطيات الإعلامية التي تُسقط على مسلمي بريطانيا أنماطًا سلبية أو تُصور بعض الآراء الدينية أو الاجتماعية كمتطرفة أو خطيرة. في ظل ذلك، يصبح من الضروري التمييز بين ما هو رأي ديني مشروع، وما قد يُفسّر قانونيًا كتحريض على الكراهية أو التمييز، لا سيما في مجالات التعليم، العمل، أو الإعلام.

3. التمثيل الإعلامي والسياسي

مع وجود برلمانيين، صحفيين، وناشطين عرب ومسلمين في المجال العام، تظهر الحاجة إلى خطاب منضبط قانونيًا لكنه واضح وجريء. الفهم الجيد للقيود القانونية يتيح للمتحدثين باسم العرب الدفاع عن قضاياهم بثقة، وتجنب الوقوع في فخوص التشويه أو الادّعاءات المضلّلة.

4. الحماية من التوظيف الانتقائي للقانون

في بعض الحالات، يمكن أن تُستخدم قوانين مثل “مكافحة الإرهاب” أو “مكافحة خطاب الكراهية” بطريقة انتقائية أو سياسية، خاصة ضد الأقليات. الوعي بهذه القوانين، وكيف تُطبق فعليًا، يزوّد المسلمين بالأدوات اللازمة للطعن القانوني، والدفاع عن حقوقها من موقع قوة، وليس من موقع رد الفعل فقط.

5. بناء تحالفات أوسع في المجتمع البريطاني

إن التعبير المسؤول والمدروس عن قضايا العرب يعزز القدرة على بناء تحالفات مع المجتمع المدني البريطاني، وجماعات حقوق الإنسان، والنقابات، والجامعات. فالمعرفة الدقيقة بالقانون تساعد في كسب الاحترام والمصداقية، بدلًا من الانزلاق في خطاب قد يُساء تفسيره أو يُستخدم كذريعة للعزل أو التضييق.

في النهاية ليس الهدف من فهم القيود القانونية على التعبير في بريطانيا هو الخوف أو الرقابة الذاتية، بل على العكس: الهدف هو تحقيق أقصى درجات التأثير بأقل قدر من المخاطر. فحين يفهم المتحدث أو الكاتب أو الناشط هذه الحدود بوضوح، يستطيع أن يرفع صوته بثقة، ويحشد الدعم لقضاياه، دون أن يتعرض لملاحقات أو تشويه.

وحرية التعبير لا تُحمى فقط بالدستور أو القوانين، بل بالوعي الشعبي، والتنظيم المجتمعي، والقدرة على استخدام القانون لصالحنا لا ضدنا. وهذا ما يحتاجه العرب في بريطانيا في لحظة سياسية تتطلب حضورًا وازنًا ومسؤولًا في المجتمع.

 


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
3:27 pm, Jul 11, 2025
temperature icon 31°C
clear sky
37 %
1019 mb
2 mph
Wind Gust 6 mph
Clouds 5%
Visibility 10 km
Sunrise 4:56 am
Sunset 9:15 pm