العرب في بريطانيا | لماذا لا يكفي الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟

1447 ربيع الثاني 2 | 25 سبتمبر 2025

لماذا لا يكفي الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟

IMG-20250921-WA0052
كريس دويل September 23, 2025

بينما قد يظنّ كير ستارمر أنّ الاعتراف البريطاني بالدولة الفلسطينية يخفّف عنه الضغط، يحاجِج الكاتب كريس دويل بأن ذلك لا يحدث فارقًا من دون إنهاء الإبادة الجماعية وفرض عقوبات مؤثرة على إسرائيل. ننشر أدناه ترجمة حرفية لمقال الرأي بقلم كريس دويل المنشور بتاريخ 22 سبتمبر/أيلول 2025، لما يتضمنه من حجج تستحق النقاش العام.

الاعتراف لا يكفي

طلاب يطلقون حملة "Gaza40" بعد منع فلسطينيين من دخول بريطانيا

عام 2014 صوّت مجلس العموم البريطاني على اقتراح غير مُلزِم للاعتراف بدولة فلسطين. وخلال عطلة نهاية الأسبوع أعلن رئيس الوزراء كير ستارمر اعتراف بريطانيا بدولة فلسطينية بعد أكثر من عقد. ما الذي كان قد يحدث لو صدر هذا الإعلان آنذاك؟ في تلك الفترة كان الفلسطينيون سيحتفلون حول العالم. كانت ستقام مسيرات وحفلات، وسيغمر التفاؤل والأمل الجميع. فلماذا لا يحدث ذلك اليوم؟ أين هتافات الفرح والابتهاج؟ ولماذا لا يزعج هذا الاعتراف إسرائيل وبنيامين نتنياهو كثيرًا على الرغم من تصريحاته العلنية؟ الحقيقة المأساوية أنّ هذا الاعتراف يأتي متزامنًا مع إبادة جماعية. وبينما تعترف بريطانيا بما كانت 149 دولة قد اعترفت به أصلًا، تُمحى هذه “الدولة الفلسطينية” بالقنابل والتجويع وسرقة الأرض. بريطانيا تُقرّ شهادة ميلاد فيما تتولى إسرائيل مراسم الجنازة. غزة يُفترض أن تكون ركنًا أساسيًا في هذه الدولة. لكن حرب إسرائيل الإبادية ازدادت ضراوة. ما بقي صامدًا من مبانٍ لا يملك إلا عمرًا قصيرًا، وربما ينطبق ذلك ـ للأسف ـ على جانب كبير من السكان. جزء واسع من غزة يرزح تحت مجاعة وأمراض من صنع الإنسان بفعل سياسة مُعلَنة لحكومة إسرائيل. إذا كانت بريطانيا وكندا وأستراليا وغيرها تريد فعلًا إيجاد دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، فعليها أن تدرك أنّ الاعتراف لم يكن عقبة يومًا. تسمية الواقع اليوم بدولة فلسطينية لن تغيّر شيئًا على الأرض. إنها مجرد كلمات. نصائح السفر الصادرة عن الخارجية البريطانية لم تعد تشير إلى “الأراضي الفلسطينية المحتلة” بل إلى “فلسطين”، متجاهلة أنّ هذه الدولة ما زالت تحت الاحتلال الإسرائيلي. كان للاعتراف أن يُحدث أثرًا لو اقترن بعقوبات فاعلة ومؤثرة على إسرائيل. كخطوة أولى، كان يمكن لهذه الدول أن تتخذ إجراءات إضافية لإنفاذ مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو. لكن هذه الدول تخشى الإقدام على ذلك، ولا شك أنّها تحسب دائمًا ردّ فعل البيت الأبيض. كان ستارمر، ومارك كارني، ورئيس الوزراء الكندي، وأنتوني ألبانيزي رئيس الوزراء الأسترالي سيبدون عمالقة دبلوماسيين ـ لا أقزامًا ـ لو أنّهم أعلنوا مع الاعتراف حزمة عقوبات مشتركة تشمل إنهاءً كاملًا لكل الروابط العسكرية والأمنية مع إسرائيل، وقيودًا على التجارة. كل هذه الإجراءات تُعدّ التزامات قانونية في ظل إبادة إسرائيل في غزة، وهو ما خلصت إليه لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في تقرير نُشر الأسبوع الماضي. وبينما رحّبت هذه الدول بسفراء فلسطين الجدد في سفارات جديدة لامعة، كان ينبغي استدعاء السفراء الإسرائيليين لتوبيخهم. وسفيرة إسرائيل لدى المملكة المتحدة، تسيبي حوتوفلي، غادرت البلاد لا لأنها طُردت كما يقتضي الوضع، بل لأن فترتها في لندن انتهت.

دبلوماسية عقيمة

حوار مع طالب إمبيريال كوليدج الذي قرر الإضراب عن الطعام لأجل فلسطين

يخدع هؤلاء القادة الغربيون أنفسهم إذا ظنّوا أنّ هذا الإعلان سيشكّل ضغطًا مماثلًا على إسرائيل. نتنياهو ـ بطبيعة الحال ـ رفض الاعتراف على طريقته المتغطرسة والمتشددة، بل جادل ـ كما يفعل محيطه ـ بأن الاعتراف مكافأة لحركة حماس، بعد سنوات من الإيحاء للعالم بأن حماس ترفض حل الدولتين. يعرف نتنياهو أنه حصل على دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأن الأوروبيين ببساطة أشدّ تشرذمًا وضعفًا من أن يوقفوه. السؤال الحقيقي بالنسبة له: ماذا ستفعل هذه الدول عندما يُنفَّذ مشروع الاستيطان الضخم E1، المصمَّم لشطر الضفة الغربية المحتلة إلى نصفين وقطع المدينة الحيوية القدس عن امتدادها الفلسطيني في الضفة؟ يدرك أنّ هذا لن يوقف خططه لتدمير الضفة الغربية كما فعل في غزة، وضم معظمها إلى دولة إسرائيل. والمثير أنّ نتنياهو غير مكترث بعزلة إسرائيل المتزايدة، وربما يكون ذلك أحد الجوانب القليلة التي قد تبعث شيئًا من العزاء لدى الفلسطينيين. غياب أي ضغط سيشجّع القيادة الإسرائيلية على المضي في هذه الخطط. لا شك أنّ نتنياهو يضحك ملءَ شدقيه من عجز هؤلاء القادة وجبنهم وتخاذلهم. هذا كله يلخّص دبلوماسية عقيمة مضلِّلة. كان ستارمر قد أعلن في يوليو شروطًا لا بد لإسرائيل أن تفي بها لتجنب الاعتراف. كانت مفارقة سافرة أن يرتبط قرار الاعتراف بدولةٍ ما بسلوك طرف ثالث. الاعتراف يعني الاعتراف بالوقائع والحقوق. فلسطين دولة وإن كانت تحت الاحتلال، وللفلسطينيين حق في تقرير مصيرهم. ومع ذلك، كان بوسع أي مراقب حصيف أن يقول لستارمر إن حكومة نتنياهو لن توافق على وقف لإطلاق النار، ولن تدفع نحو حل الدولتين، ولن تسمح بوصول غير مقيّد للمساعدات إلى غزة. لقد قصف نتنياهو حتى فريق التفاوض التابع لحماس في الدوحة لمنع أي اتفاق، في تذكير واضح بأن إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين ليس أولوية لديه. يقوم تحالفه برمّته على إنكار أي دولة فلسطينية. وسياسة حكومته تقوم على تجويع غزة لحمل السكان الفلسطينيين على الرحيل. ولو تراجع عن أي من هذه النقاط لتفكك ائتلافه.

إسرائيل: دولة مارقة وإعادة توجيه لازمة

قانون الإرهاب

لبريطانيا سجلّ متّسق من الأخطاء والإخفاقات في فلسطين وفي تعاملها مع الشعب الفلسطيني. نظريًا، كان ينبغي أن يكون لاعتراف دولة كتبت وعد بلفور، وحملت صفة القوة المنتدبة لربع قرن، وتركت فلسطين ممزّقة، وقعٌ مختلف. كان يمكن أن يكون بداية مسار تصحيحي يداوي الجراح التاريخية. وقد يظل خطوة تاريخية، لكن فقط إذا أعادت حكومة ستارمر توجيه هذا الجهد الدبلوماسي المضلَّل. إذا أريد لهذا الاعتراف أن يُحدث أثرًا إيجابيًا، فعلى ستارمر أن يتخلّى عن الرؤية التي تُخرِج إسرائيل من خانة “الدولة المارقة”، وأن يتعامل معها ومع حلفائها كما جرى التعامل مع روسيا بوتين وسوريا الأسد. تحقيق ذلك يتطلب ضغطًا داخليًا أشدّ في المملكة المتحدة وداخل حزب العمال على وجه الخصوص. إذا ظنّ ستارمر أنه اشترى لنفسه فسحة زمنية في ملف فلسطين، فعليه أن يعيد التفكير. وحده إنهاء الإبادة الجماعية يوفّر تلك الفسحة.

الاعتراف البريطاني خطوة رمزية لا تُغني عن أدوات ضغط واقعية توقف الحرب وتفرض مساءلة على انتهاكات موثّقة. نرى أنّ أي مسار جاد يقتضي ربط الاعتراف بحزمة إجراءات قانونية واقتصادية واضحة تُصادقها المحاكم والمواثيق الدولية، وضمانًا لإغاثة فورية وفتحٍ مستدامٍ للممرات الإنسانية، ودعمًا حقيقيًا لحق الفلسطينيين في تقرير المصير. الكلمات وحدها لا تحمي الأرواح ولا تصون الحق؛ السياسة المسؤولة تُقاس بما تُغيّره على الأرض.

المصدر: ميدل إيست اي


إقرأ أيّضا

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
1:18 am, Sep 25, 2025
temperature icon 11°C
few clouds
75 %
1025 mb
5 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 20%
Visibility 10 km
Sunrise 6:51 am
Sunset 6:52 pm

آخر فيديوهات القناة