لماذا ترتفع ديون الطلاب الجامعيين في بريطانيا إلى 60 ألف باوند؟

آلاف الطلاب في أنحاء إنجلترا سيلتحقون هذا الشهر بالجامعات ضمن نظام قروض قد يُرغِم الكثيرين منهم على مواصلة سداد ديونهم حتى بلوغهم الستينيّات من العمر.
ووفق معهد الدراسات المالية (IFS)، يغادر معظم الخريجين الجامعة بديون تتراوح بين 45,000 و 50,000 باوند، بينما تتجاوز ديون بعضهم 60,000 باوند، لا سيما في لندن أو عندما تعجز الأسر عن المساهمة.
وخلال السنوات الأخيرة، شهد نظام القروض سلسلة تغييرات، والتنقل بينها بات أمرًا معقدًا على الطلاب. وكتب مارتن لويس، مؤسس موقع “Money saving expert”، على موقعه أن “المفارقة أن هذه التغييرات دقيقة وعميقة في الوقت نفسه”.
فيما يلي إجابات عن أبرز الأسئلة المتعلقة بالقواعد القائمة والجديدة بشأن الطلاب الذين حصلوا على قروض.
لماذا ترتفع ديون الطلاب؟
تُدير شركة القروض الطلابية (SLC) قروض الطلاب في إنجلترا وفق نظام شرائح يُعرف بالخطط (plans)، ويُحدد تاريخ بدء الدراسة الخطة التي يُدرَج فيها الطالب.
أغلب الطلاب الملتحقين بالجامعات عام 2025 وُضعوا على الخطة 5، التي أُدخلت عام 2023 وتسمح بالاقتراض لتغطية الرسوم الدراسية وتكاليف المعيشة. ويبدأ السداد عند تجاوز الدخل السنوي 25,000 باوند.
رغم ثبات الرسوم الدراسية، لم تواكب قروض المعيشة التضخم. وهذه القروض مخصصة للإيجار والطعام والمواصلات، لكن كثيرًا من الطلاب من أسر متوسطة الدخل يواجهون عجزًا سنويًا يتراوح بين 3,000 و 5,000 باوند، وفق تقرير بعنوان هل ما زالت الجامعات تستحق العناء؟ أعده ديفيد ويليتس، رئيس مؤسسة ” Resolution Foundation” ووزير الجامعات السابق.
وتنخفض قروض المعيشة مع ارتفاع دخل الأسرة على أساس افتراض أن الآباء سيغطون الفارق، وهو افتراض يثقل كاهل كثير من الأسر متوسطة الدخل. ويضطر بعض الآباء إلى خفض الإنفاق أو السحب من مدخراتهم لتلبية ذلك، بينما يعجز آخرون، ما يدفع الطلاب للعمل الجزئي إلى جانب الدراسة.
ولا بد من التذكير أن الجامعات كانت حتى أواخر التسعينيات مجانية في بريطانيا بتمويل حكومي عبر المنح. وأُدخلت القروض الطلابية عام 1990 لتغطية تكاليف المعيشة، وبعد فرض الرسوم الدراسية عام 1998 أصبحت القروض الوسيلة الأساسية لتمويل الدراسة وتكاليف المعيشة.
كيف يعمل نظام القروض؟
تُلزم الخطة 5 الخريجين بسداد 9% من الدخل السنوي الذي يتجاوز 25,000 باوند، وتُخصم الأقساط تلقائيًا من الرواتب. وترتبط أسعار الفائدة بمؤشر أسعار التجزئة (RPI)، ما يعني أنها ترتفع مع التضخم.
وأكدت وزارة التعليم (DfE) تحديث شروط القروض سنويًا. وبالنسبة لعام 2025–2026، حُددت أسعار الفائدة عند 3.2% لقروض الخطة 1 والخطة 5، في حين قد تصل نسب الفائدة على قروض الخطة 2 وقروض الدراسات العليا إلى 6.2% تبعًا لمستوى الدخل.
وسيرتفع حد السداد للخطة 1 إلى 26,900 باوند اعتبارًا من أبريل 2026.
وقال متحدث باسم معهد الدراسات المالية لـ”Yahoo Finance UK”: “السداد تقدمي بالنسبة إلى الدخل في أي سنة معينة، حيث يدفع أصحاب الدخول الأعلى مبالغ أكبر سواء بالقيمة المطلقة أو كنسبة من الدخل”.
وبعد 40 عامًا تُشطب أي مبالغ غير مسددة، ويقدّر المعهد أن نحو 27% فقط من الخريجين قد يسددون القرض كاملًا. وبالنسبة لمعظم المقترضين، يتحول القرض إلى ما يشبه ضريبة إضافية على الدخل تقلل من صافي الرواتب على مدى سنوات طويلة من الحياة العملية.
وأشار المعهد إلى أن “نحو 15% إلى 20% من المقترضين قد يصلون إلى نهاية فترة الأربعين عامًا مع بقاء رصيد غير مسدد، سيُشطب حينها دون أن تترتّب عليهم أي عواقب سلبيّة”.
هل زادت قروض المعيشة؟
نعم. رفعت وزارة التعليم الحد الأقصى لقرض المعيشة بنسبة 3.1% للعام الدراسي 2025–2026، وبالنسبة للطلاب الذين يعيشون بعيدًا عن أسرهم في لندن تعادل الزيادة 414 باوند مقارنة بالعام السابق.
وبحسب مكتبة مجلس العموم، تراجعت قيمة الدعم المخصص للمعيشة بشكل ملحوظ منذ 2010، ما جعل الطلاب اليوم في وضع مالي أسوأ مقارنة بمن كانوا على مقاعد الدراسة قبل عقد من الزمن.
ما الذي يُقترح لإصلاح النظام؟
دعت مراكز أبحاث ونشطاء إلى تغييرات تشمل رفع دعم المعيشة بما يتماشى مع تكاليف المعيشة أو تقليص فترة السداد البالغة 40 عامًا. ويرى منتقدون أن تمديد فترة السداد، الذي أُدخل عام 2023، يُعيق التخطيط المالي طويل الأمد ويجبر الكثيرين على الاستمرار في السداد حتى سن الستينيات.
وبعض الأطراف اقترحت إلغاء نظام القروض واستبداله بضريبة على الخريجين أو نظام مساهمة قائمًا على الدخل، بحجة أن ذلك سيزيل وصمة “الديون” ويربط السداد مباشرة بالدخل المستقبلي. وقدمت لجان برلمانية واتحادات جامعية صيغًا بديلة، فيما اقترح اتحاد الجامعات والكليات فرض “ضريبة تعليم الأعمال” على أرباب العمل الذين يستفيدون أكثر من الخريجين.
ماذا تقول شركة القروض الطلابية؟
قال متحدث باسم الشركة لـ”Yahoo Finance UK” إن المؤسسة “ليست مسؤولة عن وضع سياسات تمويل الطلاب أو تحديد نسب الفائدة المتاحة”، مشيرًا إلى أن هذه القرارات تتخذها وزارة التعليم.
ووجّه المتحدث الطلاب إلى صفحة “تكاليف المعيشة” على موقع الشركة، التي تبيّن أنواع الدعم الإضافي المتاحة وفق الظروف الفردية.
كيف يؤثر ذلك على الطلاب والخريجين؟
أخبرت إحدى الخريجات، التي فضّلت عدم ذكر اسمها، “Yahoo Finance UK” أنها درست في لندن واعتمدت على القرض الكامل إلى جانب منحة دراسية، وأن الضغط المالي كان مستمرًا طوال مدة دراستها.
وقالت: “حتى مع دعم Student Finance England، اضطررت للعمل في ثلاث وظائف جزئية لتغطية تكاليف المعيشة. وكان دخلي الإجمالي أقل بنحو 10,000 باوند من الحد الأدنى للأجور. وكطالبة بدوام كامل، لم أكن مؤهلة للحصول على منحة الدعم الشامل”.
وأضافت: “القروض الطلابية قد تكون أداة قوية للحراك الاجتماعي، لكنها تأتي مع مسؤولية كبيرة. وفي الوقت الراهن، النظام لا يوفر الحماية الكافية للطلاب الأكثر اعتمادًا عليه”.
ارتفاع القروض الدراسية يضع الطلاب أمام تحديات اقتصادية متزايدة، في وقت تتفاقم فيه الضغوط المعيشية نتيجة غلاء الأسعار وتباطؤ النمو الاقتصادي. هذه الأعباء لا تؤثر فقط على الطلاب خلال سنوات الدراسة، بل تمتد لتثقل كاهلهم لعقود طويلة بعد التخرج.
إصلاح نظام الرسوم الجامعية وتوفير دعم حكومي حقيقي للطلبة أصبح ضرورة ملحّة، فالتعليم العالي ليس رفاهية بل استثمار في مستقبل المجتمع. استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى اتساع الفجوة بين الطبقات ويهدد مبدأ تكافؤ الفرص الذي يجب أن يكون أساس أي نظام تعليمي عادل.
إنّ النقاش حول بدائل أكثر إنصافاً لنظام القروض ينبغي أن يتصدّر الأجندة السياسية والاقتصادية، مع إتاحة مساحة أوسع لأصوات الطلّاب وأسرهم، بوصفهم من يدفع الثّمن الأكبر.
ما رأيكم أنتم ، هل تعتقدون أن النظام الحالي يحقق العدالة، أم أن الوقت قد حان لوضع سياسات جديدة تضمن حق التعليم دون أعباء مرهقة؟
شاركونا تجاربكم وأفكاركم.
المصدر : Yahoo Finance UK
إقرأ أيضًا :
الرابط المختصر هنا ⬇