كيف يصبح المسلمون قوة سياسية ضاغطة في بريطانيا؟

مع تنامي تأثير حزب الإصلاح اليميني المتطرف في الانتخابات المحلية الأخيرة، يُطرح سؤال جوهري على الساحة السياسية البريطانية: كيف يستعد مسلمو بريطانيا لخوض انتخابات 2026 المحلية؟ أيخضعون لضغوط الخوف ويعودون إلى دعم حزب العمال، أم يواصلون بناء بديل سياسي يُعبّر عن قيمهم ومصالح مجتمعاتهم؟
في مقال تحليلي نشرته مبادرة “الصوت المسلم” (The Muslim Vote)، دعا الناشط السياسي أبو بكر ناناباوا مسلمي بريطانيا إلى تجاوز سياسة “أخف الضررين”، والتمسك بخيار التغيير الحقيقي، من خلال دعم مرشحين مستقلين وحركات محلية تلبي تطلعاتهم الأخلاقية والاجتماعية.
ويأتي هذا النداء في أعقاب نتائج الانتخابات التكميلية في وستمنستر والانتخابات المحلية الأخيرة، التي شهدت تقدمًا لحزب الإصلاح اليميني المتطرف، المعروف بخطابه المعادي للمسلمين والمهاجرين. إلا أن ناناباوا يُحذّر من الانجرار إلى ردود أفعال عاطفية، معتبرًا أن استحضار تجربة المسلمين في انتخابات 2024 يمكن أن يُشكّل خارطة طريق لبناء مستقبل سياسي مختلف.
2024: عام كسر الثنائية الحزبية
وقد شهد عام 2024 بالفعل تحوّلًا لافتًا في المشهد السياسي البريطاني، حين بدأ الناخبون بكسر هيمنة حزبَي العمال والمحافظين. فقد سجّل كل من حزب الخضر، والمستقلين، وحزب الإصلاح اليميني المتطرف مكاسب ملحوظة، في ظل تدنٍّ غير مسبوق في الثقة العامة بالحزبَين التقليديَّين.
لكن رغم هذا التحول، يبدو أن حزب العمال أخفق في فهم الرسالة. إذ اعتبر احتجاج الناخبين المسلمين على سياساته مجرد “ثورة عاطفية”؛ بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، لا تعبيرًا عن وعي سياسي ناضج. هذا التوصيف، برأي ناناباوا، ليس متغطرسًا فقط، بل ينطوي على أخطار كبيرة.
غزة.. امتحان سياسي لحزب العمال
ومنذ وصوله إلى الحكم، تجاهل حزب العمال التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، مكتفيًا بمواقف باهتة أو متواطئة. فحتى عندما حاول وزير الخارجية ديفيد لامي اتخاذ موقف أخلاقي، سرعان ما تراجع عنه. وبينما دافع الحزب عن نوابه الممنوعين من دخول إسرائيل، التزم الصمت إزاء آلاف الأرواح التي تُزهق يوميًّا في غزة، معظمهم من الأطفال.
ويؤكد ناناباوا أن قضية غزة ليست مجرد ملف خارجي، بل تُمثّل معيارًا للقيادة الأخلاقية في نظر مسلمي بريطانيا، وتُبرِز خللًا أعمق في سياسات الحزب داخليًّا.
وإلى جانب تقاعسه في الملف الفلسطيني، تتوالى مؤشرات الإخفاق الحكومي داخليًّا. فحزب العمال يُروّج لخفض المعونات المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، ويؤيد مشروع قانون “الموت الرحيم” المثير للجدل، ويتغاضى عن ممارسات شركات المياه الجشعة، ويدعم سياسات اقتصادية تُعمّق الفجوة بين الطبقات، في وقت لا يستطيع فيه كثير من العاملين بدوام كامل دفع الإيجار.
أما على مستوى الحكم المحلي، فقد شهدت مجالس يقودها حزب العمال -وعلى رأسها مجلس بلدية برمنغهام- انهيارات مالية وخدمية كبيرة، وسط موجة إضرابات يقودها موظفون لم يعودوا قادرين على الصمود اقتصاديًّا.
في ظل هذه الأزمات، يتوقع كثيرون أن يُدفع الناخبون المسلمون في انتخابات 2026 إلى التصويت لحزب العمال بدافع الخوف من صعود حزب اليمين المتطرف في بريطانيا. لكن ناناباوا يرفض هذه المعادلة، مؤكدًا أن الخوف لا يصنع السياسات العادلة.
ويضيف: “لا يمكن أن نقبل بسياسة تُبنى على فكرة أن حزبًا ما هو أقل سوءًا من الآخر. المطلوب اليوم هو بناء مشروع سياسي حقيقي يعبر عن قيم العدالة والمجتمع، لا أن نبقى رهائن الخوف من البدائل السيئة”.
دعوة للتنظيم السياسي لا الاحتجاج العاطفي
ويخاطب ناناباوا مسلمي بريطانيا قائلًا: “لقد آن الأوان للانتقال من سياسة الاحتجاج إلى سياسة التنظيم والتغيير”. وينبّه إلى أن المجتمعات الإسلامية في بريطانيا ليست ضحية للسياسات، بل فاعل محوري فيها، بفضل ما تمتلكه من طاقات في الطب والتعليم والعمل الخيري والنشاط المجتمعي.
ويضيف: “في عام 2024، أسهمت أصوات المسلمين في تغيير نتائج عشرات الدوائر الانتخابية. هذه القوة يجب أن تتحول إلى تنظيم دائم، لا إلى تحرك ظرفي”.
ويرى ناناباوا أن انتخابات 2026 تُمثّل لحظة فاصلة. فبدل الاكتفاء بإرسال رسالة احتجاجية إلى حزب العمال، يمكن -عبر التنظيم المسبق- البدء ببناء واقع سياسي جديد، يقوم على الشفافية، والعدالة والمساءلة، ويعطي أولوية للمجتمع لا للمصالح الحزبية.
ويختتم قائلًا: “نحن نؤمن ببريطانيا عادلة، تحمي الضعفاء، وتواجه الظلم، وتفتح أبواب الأمل أمام الجميع. فلننْتظم، ولنقُد، ولنصنع المستقبل الذي نستحقه”.
المصدر: 5Pillars
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇