كيف يستغلّ اليمين المتطرف الجرائم في بريطانيا لتأجيج الكراهية ضد المهاجرين؟
حذّر ضباط وخبراء أمن في بريطانيا من أن شرطة البلاد باتت تُجبر على الكشف عن أصول المشتبه بهم العرقية، في ظل تصاعد الضغوط من الجماعات اليمينية المتطرفة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تثير تكهنات بشأن هُوية الموقوفين في القضايا الكبرى.
جاء التحذير بعد حادثة طعن شهدها أحد القطارات في مقاطعة كامبريدجشير صباح الأحد، إذ أعلنت شرطة النقل البريطانية اعتقال رجلين، أحدهما بريطاني من أصحاب البشرة الملونة يبلغ من العمر 32 عامًا، والآخر بريطاني من أصل كاريبي يبلغ من العمر 35 عامًا. وأوضحت الشرطة لاحقًا أن الرجل الثاني أُطلق سراحه دون اتخاذ أي إجراء، مؤكدة أنه “لم يكن متورطًا” في الحادث.
توجيهات جديدة تثير الجدل

تأتي هذه الواقعة بعد أشهر من صدور توجيهات جديدة عن المجلس الوطني لرؤساء الشرطة (NPCC) تستهدف مكافحة المعلومات المضللة المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما بعد حادثة مقتل ثلاث تلميذات في ساوثبورت الصيف الماضي.
لكن ناشطين حقوقيين حذّروا من أن هذه الخطوة قد تأتي بنتائج عكسية، إذ قد تُشجع على التركيز على الخلفيات العرقية للمشتبه بهم، وتغذي نظريات المؤامرة التي يروّجها اليمين المتطرف في بريطانيا.
ضابط سابق: الشرطة بين المطرقة والسندان

قال دال بابو، كبير مفتشي الشرطة السابق في شرطة العاصمة لندن: إن الإفصاح عن عرق المشتبه بهم أصبح “نتيجة غير مقصودة” للضغوط السياسية والاجتماعية المتزايدة.
وأضاف: “الشرطة اليوم في موقف صعب؛ فهي تُدان إن فعلت وتُدان إن لم تفعل. تتعرض لضغوط هائلة من جماعات اليمين المتطرف التي تستغل كل حادثة كبرى لإثارة الكراهية ضد الأقليات”.
وتابع: “ما يثير القلق هو أن العنصرية يجري تضخيمها على المنصات الرقمية دون أن تواجه بالمستوى ذاته من الحزم عندما يتعرض اللاعبون أو المواطنون السود لإساءات عنصرية، ما يعكس ازدواجية في تعامل الرأي العام مع قضايا العرق”.
مواقف سياسية متباينة

وفي السياق نفسه، قال النائب المحافظ بن أوبيس-جيكتي، الذي تمثل دائرته بلدة هانتينغدون -حيث توقف القطار بعد الحادث- إن كشف الشرطة عن أصول المعتقلين كان “محزنًا لكنه ضروري” للحد من الشائعات. وأضاف: “لا أحبذ أن تُعلن الشرطة مثل هذه التفاصيل، لكننا في مرحلة لم يعد أمامها خيار سوى الشفافية لتفادي انتشار المعلومات المضللة”.
من جهته، انتقد سياسيون يمينيون ما وصفوه بـ”بطء” استجابة الشرطة، إذ دعا وزير الداخلية في حكومة الظل كريس فيلب إلى “إعلان أسرع للمعلومات”، في حين قال زعيم حزب “الإصلاح في المملكة المتحدة” نايجل فاراج عبر منصة X: “يجب أن نعرف من وراء هذه الهجمات في أسرع وقت ممكن”.
اليمين المتطرف يستغل الحادثة

في المقابل، استغلت حسابات يمينية متطرفة الحادثة لترويج شائعات مفادها أن أحد المهاجمين هتف بعبارة “الله أكبر”، رغم عدم وجود أي دليل على ذلك. كما واصل بعض السياسيين اليمينيين التشكيك في بيان الشرطة حتى بعد إعلانها أن المشتبه بهما مواطنان بريطانيان.
وقال بن حبيب، الزعيم المشارك السابق لحزب “الإصلاح”: إن من “غير المعقول تقريبًا” ألا يُعَد الحادث عملًا إرهابيًّا، متهمًا الشرطة بـ”إخفاء الحقيقة”، رغم تأكيد الأخيرة أن الحادث لا يحمل أي دوافع إرهابية.
تأثيرات أوسع على الثقة المجتمعية

جاءت التوجيهات الجديدة للمجلس الوطني لرؤساء الشرطة استجابةً لما وُصف بـ”القلق العام المتزايد”، ولا سيما بعد أن اتهمت جهات يمينية السلطات بـ”التستر على هُوية مهاجرين مشتبه بهم” في قضايا سابقة.
وفي حادثة سابقة، اضطرت شرطة ميرسيسايد إلى الكشف عن أن المشتبه به في واقعة دعس بحشود ليفربول كان “أبيض وبريطانيًّا” بعد انتشار شائعات عن “هجوم إرهابي نفذه آسيوي”.
ونرى أن اضطرار الشرطة البريطانية إلى الإفصاح عن الخلفية العرقية للمشتبه بهم تحت ضغط الجماعات اليمينية يعكس تصاعد تأثير خطاب الكراهية في المجال العام البريطاني، ولا سيما على وسائل التواصل الاجتماعي.
ونؤكد أن الشفافية لا ينبغي أن تتحول إلى أداة لتمييز أو شيطنة فئات بعينها، وأن دور الإعلام والشرطة يجب أن يركز على الحقائق الجنائية لا على الأصول العرقية أو الدينية؛ حفاظًا على تماسك المجتمع البريطاني وتعايش مكوناته المتنوعة.
المصدر: الغارديان
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
