العرب في بريطانيا | كيف غيّر المستقلون قواعد اللعبة في السياسة البر...

1447 محرم 10 | 06 يوليو 2025

كيف غيّر المستقلون قواعد اللعبة في السياسة البريطانية

مقالArtboard 2 copy (2)
عمران ملا July 6, 2025

بعد مرور عام على المكاسب الكبيرة التي حققها النواب المستقلون في الانتخابات العامة البريطانية، تمكن هؤلاء من ترسيخ وجودهم داخل البرلمان، حيث باتوا يمارسون دورًا محوريًّا في محاسبة الحكومة على سياساتها، سواء فيما يخص العدوان على غزة أو القضايا الداخلية.

في ليلة الانتخابات قبل عام، لم يُفاجَأ أحد من وسائل الإعلام الوطنية بفوز كير ستارمر الكاسح، إذ كانت نتيجة متوقعة على نطاق واسع في البلاد. لكن النجاح اللافت لحزب “ريفرم يو كيه” بزعامة نايجل فاراج، الذي فاز بخمسة مقاعد، كان مثار جدل كبير في البرامج الإذاعية، والحوارات التلفزيونية، والبودكاست. البعض رأى في ذلك تأكيدًا لتوقعاتهم، فيما فوجئ آخرون.

أما حزب الخضر، فقد حقق نتائج فاقت معظم التقديرات، بانتزاعه أربعة مقاعد لأول مرة في تاريخه، بعدما كان يملك مقعدًا واحدًا فقط.

لكن المفاجأة الحقيقية تمثّلت في فوز خمسة نواب مستقلين معروفين بمواقفهم المؤيدة لفلسطين، وهو ما لم يكن متوقعًا بأي حال من الأحوال، سواء من قبل الإعلام أو استطلاعات الرأي. النواب الخاسرون من حزب العمال بدوا وكأن الصدمة قد أصابتهم، بينما أربك فوز المستقلين المشهد السياسي بأكمله، ليشكّلوا لاحقًا ما يُعرف اليوم باسم “تحالف المستقلين”.

وبعد مرور عام فقط، أثبت هؤلاء أنهم ليسوا ظاهرة عابرة، بل قوة سياسية مؤثرة.

قال عدنان حسين، النائب المستقل عن بلاكبيرن: “نشأت في هذا المجتمع، وأعرف معاناته. غزة كانت سببًا رئيسيًّا في ترشّحي، لكنها ليست الوحيدة. الفقر يمثل أزمة ضخمة كذلك.”

ككتلة برلمانية، يتمتع تحالف المستقلين بعدد مقاعد يوازي عدد مقاعد حزب “ريفرم”. وقد تعاونوا بشكل فعّال مع نواب من حزب العمال، وأعضاء من حزب الخضر، وبعض الليبراليين الديمقراطيين.

اشتهر المستقلون بمواقفهم المعارضة للمؤسسة السياسية التقليدية، وساهموا في إعادة تشكيل الحوار البرلماني حول العدوان الإسرائيلي على غزة، بل وتحديد ملامحه.

واليوم، تشير التوقعات إلى أن حزبًا سياسيًّا جديدًا سيولد خلال الأسابيع المقبلة، يضم المستقلين وبعض المنشقين عن حزب العمال.

في يوم الخميس، أعلنت النائبة زارا سلطانة استقالتها من حزب العمال، مؤكدة أنها ستشارك في تأسيس حزب جديد إلى جانب النائب المستقل وزعيم حزب العمال السابق جيريمي كوربن.

وأرجعت سلطانة قرارها إلى دعم حكومة ستارمر للعدوان على غزة، قائلة:
“هذه الحكومة شريكة فعليّة في الإبادة الجماعية.”

لم يُؤكّد النواب الأربعة الآخرون من تحالف المستقلين انضمامهم للحزب الجديد بعد. لكن، وعلى عكس التوقعات التي رأت فيهم مجرّد فقاعات انتخابية، يبدو أنهم باتوا جزءًا من التحول الجذري الذي يشهده النظام الحزبي البريطاني، وركنًا من أركان نهاية الثنائية السياسية التقليدية.

زلزال سياسي

تشير تحليلات اطّلع عليها موقع ميدل إيست آي إلى أن حزب العمال خسر ما بين 15% إلى 45% من نسبة أصواته في عشرين دائرة انتخابية تُعد الأعلى من حيث نسبة المسلمين، في انتخابات عام 2024.

وقد لعب الغضب الشعبي من دعم الحزب للعدوان الإسرائيلي على غزة دورًا محوريًّا في هذا التحول، رغم أن هذا الغضب لم يكن حكرًا على الناخبين المسلمين فقط.

وفي الوقت نفسه، خاض المرشحون المستقلون حملاتهم بناءً على رفض شامل للمنظومة السياسية التقليدية، ومعارضة واضحة لسياسات الحزبين الرئيسيين: العمال والمحافظين.

رافقت ميدل إيست آي المرشح شوكات آدم، النائب المستقل عن دائرة ليستر ساوث، خلال حملته الانتخابية التي نجح فيها بإزاحة وزير الظل في حزب العمال جوناثان آشوورث.

وفي إحدى محطاته الانتخابية، تحدث آدم إلى روّاد مقهى برتغالي شهير في دائرته، قائلًا:
“نعيش في عالم يسعى فيه البعض لتقسيمنا، ولهذا من المهم أن نعمل معًا للحفاظ على وحدتنا.”

في هذه الدائرة، التي كانت تاريخيًا معقلًا لحزب العمال، مثّل فوز آدم – وهو طبيب عيون سابق – واحدة من أكبر المفاجآت في الانتخابات العامة، خاصة أنه صرّح بأن هدفه من الترشح هو كسر هيمنة الحزبين وتمثيل من يشعرون بأن أصواتهم لم تعد مسموعة داخل النخبة السياسية.

وفي خطابه عقب الفوز، رفع آدم الكوفية الفلسطينية وقال:
“هذا الفوز من أجل شعب غزة.”

وفي بلدة بلاكبيرن الواقعة في شمال غرب إنجلترا – وهي منطقة صناعية سابقة مثلها مثل كثير من معاقل الطبقة العاملة – فاز المحامي عدنان حسين بالمقعد البرلماني الذي ظل في قبضة حزب العمال منذ عام 1955، أي لأكثر من 69 عامًا.

حظي حسين بدعم مجموعة من مستشاري حزب العمال السابقين الذين استقالوا احتجاجًا على سياسات الحزب بشأن غزة.

قال حسين خلال الحملة الانتخابية، وهو محاط بفريقه داخل مكتبه القانوني:
“نشأت هنا، وأتحدث لغتهم، وأفهم معاناتهم. غزة كانت حافزًا قويًّا، لكنها ليست القضية الوحيدة؛ الفقر والرعاية الصحية من أولوياتي كذلك.”

وفي دائرة ديوسبري وباتلي في مقاطعة ويست يوركشاير، فاز إقبال محمد بفارق كبير، حيث حصل على ما يقرب من ضعف عدد الأصوات التي حصل عليها مرشح حزب العمال.

محمد، المولود في ديوسبري والمهندس والمستشار في تقنية المعلومات، كان قد انشق عن حزب العمال بعد تصريحات كير ستارمر الداعمة لإسرائيل في بداية العدوان على غزة عقب هجمات 7 أكتوبر 2023.

أما في دائرة برمنغهام بيري بار في منطقة ويست ميدلاندز، فقد نجح المحامي والمستشار البلدي أيوب خان في إزاحة النائب المخضرم خالد محمود التابع لحزب العمال.

وكان خان قد استقال من الحزب الليبرالي الديمقراطي في مايو 2024، موضحًا أن الحزب حاول تقييده ومنعه من الحديث عن غزة.

وخلال حملته الانتخابية، ركّز خان على قضايا محلية مثل أزمة غلاء المعيشة، وارتفاع معدلات الجريمة، والبطالة، إضافة إلى العدوان الإسرائيلي على غزة.

تحالف جديد يولد من رحم الاستقلال

دخل هؤلاء النواب الأربعة إلى البرلمان بوصفهم غرباء عن المنظومة السياسية التقليدية. وكان وضعهم مختلفًا تمامًا عن النائب الخامس، جيريمي كوربن، الذي كان زعيمًا لحزب العمال في الانتخابات السابقة.

كوربن، الذي يشغل مقعده البرلماني منذ عام 1983، تولى قيادة الحزب بين عامي 2015 و2020، لكنه مُنع لاحقًا من الترشح باسمه وطُرد رسميًا من الحزب بعد إصراره على الترشح كمستقل في دائرته.

وفي انتخابات 2024، فاز كوربن بنسبة تقارب 50% من الأصوات في دائرة إزلنغتون نورث، التي يمثلها منذ أكثر من أربعة عقود.

قال كوربن لـ ميدل إيست آي بعد فوزه: “فلسطين كانت على ورقة الاقتراع.”

التقى النواب المستقلون الخمسة لأول مرة في 8 يوليو، بعد أيام قليلة من الانتخابات. وسرعان ما تبيّن أن لديهم أرضية مشتركة للعمل المشترك.

قال عدنان حسين لـ ميدل إيست آي: “خلال حملتي، زعم خصومي أنني سأكون صوتًا معزولًا بلا نفوذ في البرلمان. لكن تجربتي أثبتت العكس تمامًا. أعتقد أن تحالفنا كان في طليعة كثير من النقاشات تحت قبة البرلمان.”

وأكد إقبال محمد على قوة الروابط التي تشكّلت سريعًا بين الأعضاء:
“عندما التقيت النواب المستقلين في 8 يوليو، شعرت وكأن خمسة مغناطيسات اقتربت من بعضها فالتصقت فورًا. الآن يعرفنا الجميع في البرلمان ويعلمون ما نمثله، وأننا لا نخدم سوى شعبنا.”

وقال محمد: “عدد من النواب من مختلف الأحزاب أخبرونا بأننا فاجأنا كثيرين داخل مجلس العموم، وأننا نؤدي دورًا يفوق حجمنا العددي، ونجحنا في محاسبة الحكومة والمعارضة على حد سواء.”

أما شوكت آدم، فعبّر عن امتنانه لعدم اضطراره إلى العمل بمفرده، قائلاً:
“السيناريو الوحيد الذي كان ليكون أسوأ من كوني النائب المستقل الوحيد، هو أن أضطر للعمل مع أشخاص لا أشاركهم أي قِيَم أو أرضية مشتركة. خمسة أفراد لا يعرفون بعضهم في البداية، شكلوا ليس فقط تحالفًا سياسيًا متينًا، بل صداقة حقيقية أيضًا. لقد تعاملنا باحترام مع اختلافاتنا، وتعاونّا لمعالجة القضايا الحرجة.”

وقال كوربن لـ ميدل إيست آي: “خلال العام الماضي، عمل النواب المستقلون معًا بشكل ممتاز، وتعلمنا كثيرًا من بعضنا البعض. نحن نتقاسم قناعة راسخة مفادها أن مسؤوليتنا هي تجاه مجتمعاتنا، وأن الطريق إلى التغيير يبدأ ببناء القوة من القاعدة.”

سياسات طائفية؟

ما إن ظهرت نتائج الانتخابات حتى سارع بعض المعلّقين إلى وصف فوز المستقلين بأنه انعكاس لـ”السياسة الطائفية”.

ويُقصد بالطائفية في هذا السياق الانحياز الضيّق لطائفة دينية أو عرقية محددة، وهو ما وُجِّه كمزاعم مستمرة خلال العام الماضي.

زعيمة حزب المحافظين، كيمي بادينوك، ادعت أن النواب المستقلين جاؤوا إلى البرلمان نتيجة لـ”سياسة إسلامية طائفية، وأفكار دخيلة لا مكان لها هنا”، دون أن توضح ما تعنيه بـ”الأفكار الدخيلة”، أو أين يقع موقع كوربن – غير المسلم – ضمن هذه المزاعم.

وفي يناير 2025، وصفت رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس في بودكاست النواب المسلمين المستقلين بأنهم “نواب إسلاميون”، وأضافت:
“هناك أيديولوجية إسلامية باتت أكثر نفوذًا في السياسة البريطانية.”
وتابعت بشكل غريب لتربط الإسلاموية بـ”التطرف في قضايا تغيّر المناخ”.

أما زعيم حزب ريفورم يو كي، نايجل فاراج – الذي يراه بعض المحللين رئيس الوزراء المستقبلي – فقد كرّر تحذيراته من “الطائفية الإسلامية” وتأثير الإسلاميين في السياسة البريطانية، متوقعًا في مارس أن يكون هناك ما بين 20 و30 نائبًا مؤيدًا لغزة في الانتخابات العامة المقبلة.

لكن النواب المستقلين لم يقدموا أي دليل يعزز مثل هذه التصنيفات الطائفية.

فعلى سبيل المثال، حين اندلعت أزمة “عصابات الاستغلال الجنسي” في يناير، لم يتردد عدنان حسين في دعم الدعوات إلى تحقيق عام، رغم رفض الحكومة ذلك في حينه، ودعا إلى إنزال عقوبات قاسية بالمذنبين لتكون عبرةً ورادعًا لغيرهم.

وفي ديسمبر، نشر حسين على حساباته في مواقع التواصل صورة لبطاقة التهنئة بعيد الميلاد التي اختار أن تكون داخل كاتدرائية بلاكبيرن، وعلّق:
“اخترت صورةً من داخل كاتدرائية بلاكبيرن لبطاقتي هذا العام، لأنها تعكس جوهر بلاكبيرن وكل ما يمكن أن تكون عليه.”

أما شوكت آدم، فنشاطاته في دائرة ليستر تُظهر حضوره الواسع في فعاليات مختلف المكونات الدينية. فقد نشر صورًا له في احتفالات للطائفة اليهودية بمناسبة رأس السنة العبرية، مرفقًا بتمنياته بـ”السلام والتجدد والفرح” ليهود ليستر، وتذكيرًا بـ”غنى الثقافة اليهودية في المدينة”.

كما دافع آدم مؤخرًا عن استمرار تلاوة الصلوات المسيحية التقليدية في افتتاح جلسات مجلس العموم، بعد أن طالب بعض نواب حزب العمال بوقفها، قائلاً:
“الصلوات في مجلس العموم جزء من تراثنا المسيحي وتقاليد البرلمان.”
فهل مثل هذه المواقف يمكن أن توصف بـ”الطائفية المسلمة”؟

وفي مارس، وقع محمد ضحية لاتهام خاطئ حين زعمت مقدمة البرامج في قناة سكاي نيوز، صوفي ريدج، أنه أُوقف من حزب العمال بسبب “معاداة السامية”، بينما كانت تقصد شخصًا آخر يُدعى محمد إقبال، لا صلة له بمحمد إقبال محمد. وقد اضطرت سكاي نيوز لاحقًا للاعتذار علنًا عن الخطأ.

وعلق محمد على ذلك بقوله: “سهولة اتهام المنتقدين لجرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين بمعاداة السامية في الإعلام السائد أمر يثير القلق والخجل. لم يكن ينبغي أن يحدث هذا من الأساس.”

الدفاع عن الفقراء والمهمشين

لم تقتصر جهود المستقلين على ملف غزة فحسب، بل خاضوا حملات قوية في قضايا الرفاه الاجتماعي، فعارضوا سقف إعانة الطفل لاثنين فقط، وكذلك مشروع قانون إصلاح الرعاية الاجتماعية الذي تبنّته الحكومة.

يقول عدنان حسين لـMiddle East Eye:
“نحن في قلب الجهود الرامية للدفع نحو سياسات عمالية تقليدية، وتمثيل الطبقة العاملة التي تخلّى عنها حزب العمال.”
وأضاف:
“على المستوى المحلي، التزمت بلقاء أكبر عدد ممكن من منظمات المجتمع المحلي والشركات والأفراد، وقد التقيت بالفعل بأكثر من 100 جهة حتى الآن.”

“لقد ضغطت على الحكومة بشأن التفاوتات الصحية في بلاكبيرن، وبشأن تحسين إمكانية الوصول إلى أطباء الرعاية الأولية لتقليل الضغط على المستشفى المحلي الذي يعمل باستمرار في حالة طوارئ قصوى.”

أما شوكت آدم، فيشغل مناصب في عدد من المجموعات البرلمانية المشتركة، منها مجموعة الصحة البصرية، ومجموعة الاحتياجات التعليمية الخاصة والإعاقات، وأسهم في تأسيس مجموعة برلمانية جديدة معنية بالحوار بين الأديان.

ويقول آدم: “أنا فخور بدعوتي لإزالة ضريبة القيمة المضافة عن ترميم الكنائس التاريخية في بلادنا.”

ثم يضيف عن تنوع عمله البرلماني: “من غرابة هذا الدور أنك قد تكون في صباح يوم تلتقي الملك في قصر باكنغهام، وفي المساء ذاته تساعد شخصًا يواجه خطر التشرد.”

أما كوربين، فقال إن كل ما يفعله في البرلمان يعود إلى الناس الذين قابلهم واستمع إليهم وتعلّم منهم في دائرته في إزلنغتون نورث.

“نعم، نحن نرفع أصواتنا من أجل فلسطين، لكننا نتحدث كذلك عن هجمات هذه الحكومة على الفقراء في مجتمعنا.”

وأضاف: “معًا، خضنا حملات ضد إبقاء سقف إعانة الطفل لاثنين، وضد قطع مخصصات الوقود الشتوي الشامل، وضد تقليص إعانات ذوي الإعاقة.”

“نحن نضغط من أجل تغيير شامل في فلسفة الإنفاق العام لدى الحكومة. لماذا تجد الدولة دائمًا المال لشن الحروب، لكنها لا تجد ما يكفي للفقراء؟”

“ما يجري في غزة إبادة جماعية”

واجه النواب المستقلون عقبات كبيرة لإيصال صوتهم بشأن غزة، إذ لم يُمنح أيٌّ منهم عضوية في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان – وهي الجهة الرقابية الأساسية للسياسة الخارجية – وهو أمر متوقع لكونهم لا ينتمون لأي حزب.

ومع ذلك، لعب تحالفهم دورًا محوريًّا في تشكيل الخطاب السياسي المتعلق بالحرب الإسرائيلية على غزة.

ففي منتصف أبريل 2025، زار النائب شوكت آدم عدة مناطق في الأراضي الفلسطينية المحتلة، شملت الخليل وبيت لحم وطولكرم والقدس الشرقية، برفقة النائب الليبرالي الديمقراطي أندرو جورج. وفي وقت لاحق، قدّم آدم مشروع قانون في البرلمان للاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، وقد لاقى دعمًا من عدد كبير من النواب، لكنه لم يُقر.

يقول حسين متذكّرًا: “عندما وصلنا إلى البرلمان، كان الحديث عن غزة خافتًا ومترددًا. نحن من رفع الصوت دون تردّد وسمّينا الأشياء بأسمائها. نحن نؤمن أن ما يحدث هو إبادة جماعية، وقلنا ذلك ولا نزال نكرّره.”

ويضيف: “لم نعد أصواتًا منفردة، بل انضم إلينا عدد متزايد من النواب من مختلف الأحزاب. أؤمن بقوة أن تحالفنا لعب دورًا حاسمًا في تغيير هذا الخطاب.”

أما كوربين، فيؤكد: “الناس من مختلف الأديان – ومن غير المتدينين – في جميع أنحاء البلاد، يشعرون بالاشمئزاز من لا إنسانية حكومتهم، وهم يطالبون بوقف بيع السلاح لإسرائيل. ومن المهم جدًّا أن يروا ويشعروا أن لهم تمثيلًا حقيقيًّا في البرلمان.”

وفي جلسة نادرة عقدت في قاعة وستمنستر يوم 18 مارس، ناقش البرلمان – بناءً على مبادرة من آدم – التعاون العسكري مع إسرائيل، في واحدة من المرات القليلة التي يُطرح فيها هذا الملف على طاولة النقاش العام.

خلال الجلسة، جلس كوربين وعدنان حسين إلى جانب آدم بينما طرح الأخير سلسلة من الأسئلة الدقيقة على وزير شؤون القوات المسلحة.

قال آدم: “إذا كانت مئات الرحلات الجوية البريطانية قد نُفّذت فوق غزة، فما الذي رأيناه من خلال هذه الرحلات؟ وما هي الجرائم – إن وُجدت – التي شهدناها؟”

هذه الجلسة أتاحت لأول مرة كشف معلومات حساسة حول دور بريطانيا في العمليات الإسرائيلية، رغم أن الحكومة التزمت الغموض في ردودها.

وفي لحظة لافتة خلال النقاش، وقف حسين ليسأل آدم إن كان يوافق على أن “التحالف مع إسرائيل في ظل ارتكابها إبادة جماعية، سيؤدي إلى انهيار النظام العالمي القائم على القانون الدولي”. فأجابه آدم: “أتفق تمامًا مع هذا التدخل المهم من الزميل المحترم.”

بهذا، أدخل المستقلون لغة ومصطلحات جديدة إلى قلب الخطاب السياسي البريطاني بشأن غزة، متجاوزين الحذر التقليدي، ومُحرجين الحكومة بشكل غير مسبوق.

ملفات تتجاهلها وسائل الإعلام

في أبريل الماضي، كشفت “ميدل إيست آي” عن زيارة سرية أجراها وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، إلى بريطانيا، حيث التقى نظيره البريطاني ديفيد لامي. لم تُعلن الخارجية البريطانية عن اللقاء، ولم تنقل وسائل الإعلام المحلية أي خبر عنه حتى مغادرة ساعر البلاد.

ورغم الغياب شبه التام للتغطية الإعلامية، أثار اللقاء – الذي جمع مسؤولًا إسرائيليًا بارزًا متورطًا في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان – استهجانًا شديدًا من النواب المستقلين.

فقد وصف خان اللقاء بأنه “مخزٍ للغاية ومُحبط بشدة”، خصوصًا في ظل حملة عسكرية “من بين الأكثر دموية ودمارًا في التاريخ الحديث”. وأضاف:
“ما كان يجب السماح لساعر بزيارة بريطانيا. خطابه وسياساته تتناقض تمامًا مع القانون الإنساني الدولي وأبسط القيم الأخلاقية.”

أما محمد فقال: “لا ينبغي الترحيب بوزير خارجية دولة تواصل قصف الشعب الفلسطيني، وقتل العاملين في القطاع الصحي، وتدمير المستشفيات والمنازل ودور العبادة.”

وفي يونيو، كشفت “ميدل إيست آي” أيضًا أن وزير الخارجية البريطاني الأسبق، ديفيد كاميرون، هدّد في أبريل 2024 – خلال مكالمة هاتفية غاضبة مع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان – بأن بريطانيا ستنسحب من المحكمة وتوقف تمويلها، في حال إصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين.

رفضت كل من الخارجية البريطانية والمدعي العام التعليق، كما تجاهلت وسائل الإعلام الكبرى هذا الخبر رغم أهميته.

لكن النواب المستقلين لم يلزموا الصمت، بل دعوا إلى تحقيق برلماني في تقرير “ميدل إيست آي”. ووصف كوربين هذه المعلومات بـ”الصادمة”، فيما أكد محمد أن “هذه المزاعم تستدعي تدقيقًا عاجلًا وشفافًا في البرلمان”.

وأما آدم، فقال: “من المشين أن يتدخل الوزراء في عمل العدالة الدولية، لا سيّما أن بريطانيا كانت من أوائل الدول التي أسست هذا النظام القضائي العالمي.”

وبالفعل، تقدم كوربين بمشروع قانون يدعو إلى فتح تحقيق علني مستقل في تورط بريطانيا بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ويُتوقع أن يُعرض المشروع مرة أخرى يوم الجمعة 4 يوليو.

ورغم أن الحكومة سترفض على الأرجح مناقشة المشروع، إلا أن الدعم الذي يحظى به من نواب من أحزاب مختلفة – بما فيهم خان، حسين وآدم، إضافة إلى نواب من العمال، والخضر، والديمقراطيين الليبراليين، والحزب القومي الأسكتلندي – يعكس النفوذ المتزايد الذي بناه المستقلون داخل البرلمان.

حزب سياسي جديد؟

قال محمد: “لقد شعرت أن هذه السنة كانت الأطول والأقصر في حياتي. الأطول لأنني أنجزت فيها أكثر مما أنجزت خلال السنوات العشر الماضية، والأقصر لأن الحملة والانتخابات ما زالتا حاضرتين في ذهني وكأنهما وقعتا منذ أسابيع فقط.”

وأضاف: “هذا المقعد ملكٌ لناخبي دائرتي، ولن أنسى ذلك أبدًا. أسعى كل يوم لبذل قصارى جهدي لمساعدة أكبر عدد ممكن من الناس وإحداث فارق إيجابي في البرلمان والسياسة.”

وأكد محمد عزمه مواصلة التركيز على التحديات المحلية التي تواجه دائرته الانتخابية، مثل أزمة الإسكان، ومكافحة الفقر والجريمة، وغياب الخدمات المخصصة للشباب، إلى جانب جهوده لإعادة فتح مركز ديزبري الرياضي وحمامات باتلي.

وقال: “أطمح لبناء جسور – بين المجتمعات المختلفة، وبين البرلمان والشعب. هذه هي الطريقة الوحيدة لإحداث تغيير إيجابي ومستدام.”

لكن يبدو أن ما تحقق لا يزال بداية فقط.

فمن المتوقع إطلاق الحزب الجديد بقيادة كوربين وزارا سلطانة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، في خطوة ستضيف تحولًا كبيرًا إلى المشهد السياسي البريطاني.

وقد صرّح كوربين لـ MEE قائلًا: “عند حلول الانتخابات القادمة، آمل أن يكون هناك صوت موحد للعدالة والمساواة والاستدامة والسلام.”

وتشير التكهنات إلى أن الحزب الوليد قد يضم ما يصل إلى 12 نائبًا – بعضهم من المنشقين عن حزب العمال – وهو ما سيجعله كتلة برلمانية بارزة، وربما مصدر صداع مستمر لحكومة ستارمر.

إنها زلزلة سياسية بكل المقاييس.

لقد شكّل الغضب من دعم حزب العمال للعدوان الإسرائيلي على غزة أحد أبرز أسباب هذا التغيير، ومعه ظهر تيار سياسي جديد غير متوقع، لكنه مؤثر بعمق.

وقبل عام واحد فقط، كانت معظم التوقعات تعتبر أن النواب المستقلين مجرد حالة عابرة في السياسة البريطانية.

لكنهم، وبدلًا من ذلك، نجحوا في ضخ حيوية غير مسبوقة في الحياة السياسية، وباتوا جزءًا محوريًا من انهيار النظام الحزبي التقليدي القائم على ثنائية العمال والمحافظين.

ومع استمرار هذا التحول، فإن المستقلين ماضون في ترسيخ موقعهم كقوة سياسية يُحسب لها حساب في الأعوام المقبلة.

 


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
9:37 am, Jul 6, 2025
temperature icon 19°C
overcast clouds
77 %
1005 mb
9 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 100%
Visibility 10 km
Sunrise 4:51 am
Sunset 9:18 pm