كيف أثّر البريكست على الهجرة إلى بريطانيا؟ تحليل أرقام ما بعد الانفصال

رغم مرور أكثر من أربع سنوات على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، لا تزال آثار “البريكست” تلقي بظلالها على سياسات الهجرة واللجوء، وعلى حجم التدفقات البشرية الوافدة والمغادرة. فبين وعود السيطرة على الحدود، وتصاعد الضغوط الاقتصادية، تظهر الأرقام الرسمية أن التغيرات التي أحدثها الانفصال الأوروبي تجاوزت الحسابات السياسية إلى تحولات بنيوية في طبيعة الهجرة إلى بريطانيا.
قبل البريكست، كان المواطنون البريطانيون والأوروبيون يتمتعون بحرية التنقل والعيش والعمل في أي من دول الاتحاد الأوروبي دون الحاجة إلى تأشيرة. لكن مع بدء تطبيق اتفاقية الخروج رسميًا في 1 يناير 2021، فقدت بريطانيا هذا الامتياز، وجرى إخضاع مواطني الاتحاد الأوروبي لنفس القواعد التي تُطبّق على باقي المهاجرين من خارج أوروبا.
هذا التغيير الجوّهري لم يُترجم فقط في طبيعة من يدخل البلاد، بل في حجم الفجوة المتزايدة بين صافي الهجرة الأوروبية وغير الأوروبية.
الهجرة إلى بريطانيا بعد البريكست بالأرقام

وفقًا للبيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS)، بلغ صافي الهجرة إلى بريطانيا في السنة المنتهية في يونيو 2024 نحو 728 ألف شخص – وهو عدد يعكس الفرق بين الوافدين والمغادرين.
في التفاصيل:
- 845 ألفًا من غير الأوروبيين دخلوا المملكة المتحدة خلال الفترة المذكورة.
- في المقابل، سجّلت البلاد صافي هجرة سلبي للأوروبيين بمقدار -95 ألفًا، أي أن عدد المغادرين من الاتحاد الأوروبي فاق عدد الوافدين.
- كما أظهرت الأرقام أن 21 ألف بريطاني غادروا البلاد أكثر ممّن عادوا إليها.
هذه الأرقام تُمثّل تراجعًا عن الذروة التي سُجّلت في عام 2023، عندما تجاوز صافي الهجرة 900 ألف شخص، لكنها لا تزال أعلى بكثير من المستويات المعتادة قبل عقد من الزمن.
من أوروبا إلى آسيا وأفريقيا: تغيّر الجغرافيا البشرية
أحد أبرز تأثيرات البريكست تمثّل في تغيّر جنسيات المهاجرين إلى بريطانيا. فقد شكّلت دول جنوب آسيا وأفريقيا النسبة الأكبر من طالبي الإقامة لأغراض العمل أو الدراسة أو اللجوء. وبحسب الأرقام:
- شكّل الهنود النسبة الأكبر من الوافدين من خارج أوروبا، سواء للعمل (116,000) أو الدراسة (127,000).
- بلغت نسبة المهاجرين غير الأوروبيين الذين هم في سن العمل (بين 16 و64 عامًا) نحو 82%.
- في المقابل، شكل الأطفال دون 16 عامًا نسبة 17% من إجمالي غير الأوروبيين.
- سُجّلت 84,000 حالة لجوء قدمها مهاجرون وصلوا بطرق نظامية أو غير نظامية، بينها القوارب عبر القنال الإنجليزي.
تشديد القوانين وتقليص الاستثناءات

في ظل تصاعد الجدل السياسي حول “أرقام الهجرة”، بادرت الحكومة إلى تبني سلسلة من السياسات الجديدة التي زادت من شروط الحصول على تأشيرة:
- فرض اختبارات اللغة الإنجليزية على جميع المتقدمين للحصول على التأشيرة.
- اشتراط مؤهل جامعي للعمال المهرة، بدلًا من المؤهلات الثانوية.
- رفع الحد الأدنى للأجور المطلوبة للحصول على تأشيرة عمل إلى 38,700 باوند، باستثناء قطاعات الصحة والتعليم.
- تمديد فترة الإقامة المطلوبة للحصول على “إقامة دائمة” من 5 إلى 10 سنوات.
- إغلاق مسار التأشيرة الخاص بالعاملين في مجال الرعاية الاجتماعية بحلول يونيو 2025.
كما فُرضت قيود إضافية على تأشيرات المرافقين، خصوصًا للطلبة، ما أدى إلى تراجع كبير في عدد تأشيرات أفراد العائلة، وتحديدًا من الدول النامية.
مَن يغادر بريطانيا؟ ومَن يبقى؟

إلى جانب انخفاض أعداد المهاجرين الأوروبيين القادمين، تشير الأرقام إلى أن المزيد من الأوروبيين والبريطانيين يغادرون المملكة المتحدة:
- مغادرة 95 ألف مواطن أوروبي خلال عام.
- مغادرة 21 ألف بريطاني أكثر من عدد العائدين.
يرتبط هذا التوجّه بعدة عوامل، من بينها غلاء المعيشة، والتغيرات في سوق العمل، وصعوبة الاندماج في ظل ارتفاع كلفة الإقامة والتأمين الصحي، إضافة إلى الشعور المتزايد بعدم الاستقرار القانوني والسياسي في مرحلة ما بعد البريكست.
قراءة في التحولات
تكشف هذه الأرقام أن ما بعد البريكست لم يشهد فقط “انخفاضًا” في الهجرة الأوروبية، بل “إعادة تشكيل كاملة” لخريطة الهجرة. فقد تحوّلت بريطانيا إلى نقطة جذب لشرائح جديدة من المهاجرين من خارج القارة الأوروبية، تزامنًا مع تراجع استقطابها للكوادر الأوروبية التي كانت تشكّل العمود الفقري لقطاعات كالرعاية الصحية والخدمات والتعليم.
في الوقت ذاته، تكشف التشريعات الجديدة عن رغبة سياسية واضحة في تقليص أعداد المهاجرين، لا سيما من الفئات الأقل تأهيلاً أو من طالبي اللجوء، مع الحفاظ على استقطاب المهارات العالية المطلوبة في السوق.
المصدر بي بي سي نيوز
إقرأ أيّضا
الرابط المختصر هنا ⬇