قطر تفوز بكأس العالم
الماضي يصنع المستقبل، يوم وطني لن ينسى، السلام هو الحياة، تلك هي رسالة حفل ختام بطولة كأس العالم 2022 في قطر الفريدة من نوعها، التي جرت خلال الفترة من 20 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 18 ديسمبر/ كانون الأول، بمشاركة 32 منتخبًا في النسخة الثانية والعشرين من البطولة التي اعتبرها معظم المعلقين والصحفيين الرياضيين وحتى الجماهير التي تمكنت من مشاهدة عدة بطولات للعالم في كرة القدم، الأجمل عبر التاريخ.
ومثلما أبهرت قطر العالم في حفل الافتتاح، سارت على المنوال نفسه في حفل الختام الذي أقيم على استاد “لوسيل” الدولي، الذي حرصت قطر من خلاله على إرسال رسائل متعددة، تصدَّرَها ماضي قطر، صنعُ النجاح في الحاضر، والإلهام الذي يرنو إلى المستقبل بعيون صقور الجزيرة العربية.
قطر تستضيف بطولة كأس العالم
في الثاني من ديسمبر، عام 2010، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” منح قطر شرف استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022؛ وبذلك نُظمت المسابقة التي أعتُبرت حقًا الأكثر جماهيرية على مستوى العالم في منطقة الشرق الأوسط لأول مرة في تاريخ البطولة على مدى اثنين وتسعين عامًا.
روجت قطر لاستضافتها للبطولة على أنها تمثل الوطن العربي، وحظيت بدعم من جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، كما صوّروا محاولتها فرصة نادرة لجَسر الهُوّة بين العالم العربي والغرب وذلك في 17 نوفمبر 2010.
وأفادت التقديرات بأن استضافة كأس العالم كلفت قطر حوالي 138 مليار جنيه إسترليني أي نحو 220 مليار دولار أمريكي. ولكن كما أخبر نيكولا ريتر، المحلل القانوني والمالي الألماني، قمة المستثمرين التي عقدت في ميونيخ أن هذا المبلغ سينفق على كافة الطرق والمرافق والمنشآت ووسائل المواصلات المطلوبة لجعل البطولة فريدة من نوعها، بالإضافة طبعًا إلى بناء الملاعب والمرافق التابعة لها. ومن ضمن ذلك ستُنفق 28 مليار جنيه إسترليني على إنشاء مدينة جديدة تسمى لوسيل تحيط بالاستاد الذي استضاف المباراتين الافتتاحية والنهائية للبطولة.
بالمقابل، أكد الرئيس التنفيذي لبطولة كأس العالم لكرة القدم “قطر 2022″، ناصر الخاطر، أن العائدات الاقتصادية للمونديال قد تصل بمجملها إلى 17 مليار دولار.
وقد أشار الاتحاد الدولي لكرة القدم أيضًا بأنه قد تحققت عائدات قياسية، والتي وصلت إلى نحو 7.5 مليار دولار وذلك على مدار أربع سنوات، عبر استكمال الصفقات التجارية التي ارتبطت ببطولة كأس العالم 2022 في قطر.
حملة إعلامية غربية ضد قطر
وكانت بعض وسائل الإعلام قد أعربت عن قلقها بشأن مدى ملائمة قطر لاستضافة الحدث، فيما يتعلق بتفسيراتها لحقوق الإنسان، لا سيما ظروف العمال وحقوق المشجعين الذين ينتمون لمجتمع الشواذ جنسيًا، المثليين بالمصطلح الحديث، بسبب عدم شرعية المثلية الجنسية في قطر. ولكن حسن عبد الله الذوادي، الرئيس التنفيذي لاستضافة قطر لكأس العالم 2022، قال أيضًا إن قطر ستسمح باستهلاك المشروبات الكحولية في أماكن محددة خلال البطولة، بالرغم من أن استهلاكها في الأماكن العامة غير مسموح به، لأن قوانين البلاد لا تسمح بذلك.
وكان اختيار قطر كدولة مضيفة لكأس العالم مثيرًا للجدل. فقد اتُهم مسؤولو الاتحاد الدولي لكرة القدم بالفساد والسماح لقطر بشراء حق استضافة كأس العالم، وركزت جماعات حقوق الإنسان على ما اعتبرته معاملة غير مقبولة لعمال البناء في قطر. وقالت منظمة العفو الدولية إن الأنباء التي تحدثت عن وفاة 15021 عاملًا قد أصبحت معروفة حيث أكدها تقرير صدر عام 2021 عن المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان.
كما ورد أن الرقم لم يتجاوز 6500 حالة وفاة حيث نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية الخبر في أوائل عام 2021. ولا شك أن التفاوت الهائل بين الرقمين يمكن أن ينبيء ببساطة بأن كلا الرقمين لا يزال بحاجة الى مزيد من التمحيص الدقيق كي يصبح أساسًا للإستدلال السليم مستقبلًا.جدير بالذكر أن السلطات القطرية والإعلام القطري وحتى أمير قطر شخصيًا ردوا بحزم على تلك الإدعاءات.
قطر تُظهر صورة الإسلام الحقيقية
هذا ما رأيناه في الدولة العربية المسلمة، قطر، التي أظهر مواطنوها ومقيموها سماحة الإسلام بدفاعهم عن هويته ورفضهم أي دخيل على أخلاقيات الدولة، وخاطبتهم قطر بروح الإسلام وتعاليمه، وقدمت للزوار من مختلف الجنسيات والديانات أذان المساجد في الأوقات الخمسة بالنغم والصوت الجميل، إلى جانب منعها العديد من الأمور والعادات الغربية التي تتعارض مع قيم وتعاليم الإسلام الحنيف والعادات والتقاليد العربية الأصيلة.
ولا ننسى أيضًا أن قطر حرصت على أستضافة كبار الدعاة من كافة الأقطار وعلى رأسهم الداعية الهندي ذاكر نايك (Zakir Naik) الذي نقلت وسائل إعلام محلية أن المئات أسلموا على يديه بعد سماع محاضراته ومناظراته خلال مونديال قطر. ولا تخطىء العين أيضًا الآيات القرانية والأحاديث الشريفة والزخرفات الإسلامية التي زينت شوارع العاصمة القطرية الدوحة وكثيرًا من معالمها التجارية الكبرى.
أما عن المشاركة العربية في هذا العرس الكروي فلم تخلُ من مفاجئات أيضًا، لعل أبرزَها حدثان: الأول، الفوز المدوي للمنتخب السعودي على الأرجنتين الذي لم يكن يخطر على بال أحد. فالفارق هائل بين المنتخبين من كافة النواحي. والثاني، وصول أسود الأطلس الى المربع الذهبي. الأمر الذي دعا المدرب المغربي عبد الرزاق الركراركي الى التصريح بفخر: نحن من أفضل أربعة فرق كرة قدم في العالم! ولقد صدق الرجل دون محاباة أو إدعاء زائف. لقد قاتل المنتخب المغربي في الملاعب بالمعني الحرفي للكلمة حتى حقق هذا الإنجاز التاريخي غير المسبوق، وأصبح أول بلد عربي وإفريقي يحقق تلك الأعجوبة عبر تاريخ البطولة الطويل.
ولكن رأى البعض في أداء أغلب الفرق العربية، باستثناء المغرب طبعًا، تجسيدًا لـتواضع مستوى اللعبة من المحيط إلى الخليج، وعارضهم آخرون مستشهدين بحقيقة أن مونديال قطر شهد أكبر عدد من الانتصارات العربية في دورة واحدة منذ المشاركة الأولى لمنتخب مصر في كأس العالم 1934، مشددين على الأداء المتميز للمغرب الذي فاز مدربه بلقب أفضل مدرب في البطولة عن جدارة واستحقاق.
وقد شهدت هذه البطولة اختراعات غير مسبوقة. فقد أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” عن طرحه لتطبيق على الهواتف الذكية يمكّن لاعبي كرة القدم المشاركين في بطولة مونديال قطر 2022 من معرفة أدائهم الفردي على أرضية الملعب، وتحليل كل البيانات الخاصة بهم لاحقًا.
وقال “فيفا” في بيان رسمي عبر موقعه على الإنترنت، إن تطبيق (FIFA Player) سيتيح لكافة اللاعبين فرصة الحصول على بيانات فردية عن أدائهم بعد فترة وجيزة من كل مباراة يخوضها.
والأن، وقد طارت الطيور بأرزاقها، تفيد الحقائق الناصعة على أرض الواقع أن قطر خسرت مبارياتها في كرة القدم، وتلك لعمري خسارة يمكن استدراكها بسهولة في مجالات أخرى؛ غير أنها فازت فوزًا مبينًا وباهرًا في كل ما عدا ذلك: تخطيطًا وتنظيمًا وضيافة ونظافة ولباقة ولياقة وحسن خلق مع الزوار على اختلاف مشاربهم. بل حتى أولائك الذين حاولوا جاهدين إفساد البطولة بتحدي العادات القطرية والأعراف والقوانين السائدة، ردعتهم قطر عن غيهم بالحسنى؛ فمن عاد إلى صوابه فأهلًا به في البلد المضياف، ومن أصر على ضلاله فليعُد إلى بلده يمارس ضلاله هناك كيفما يشاء! هذا إن سُمح له بذلك!
الأرجنتين تُتوّج باللقب للمرة الثالثة
لم يخل حفل تتويج الأرجنتين بطلة للعالم من بعض اللمسات فائقة الجمال، بالغة الدلالة، لعل أبرزها حين تعمّد أمير قطر أن يضفي على المناسبة لمسه شخصية لطيفة، ويُلبس بنفسه قائد المنتخب الأرجنتيني وأفضل لاعب في البطولة والعالم، ويقول بعضهم في التاريخ: ليونيل ميسي، عباءة سوداء؛ عباءةٌ تمثل التراث العربي، البدوي، الشرقي يلبسها نجم كأس العالم في الدوحة، ولسان حاله يقول وهو يرفع الكأس الذهبية عاليًا: الأرجنتين فازت ببطولة العالم في كرة القدم، بينما فازت قطر ببطولة العالم في كل ما عدا ذلك بشهادة المنصفين في كافة أنحاء العالم. بل إن الفيفا على اختلاف مشارب كبار أعضاء لجنتها المنظمة، ورد أنهم أشادوا بالإجماع بالدولة المنظمة للبطولة واعتبروها الأفضل في تاريخ بطولات كأس العالم لكرة القدم.
مبروك للأرجنتين الكأس…مبروك لقطر الإبداع في التخطيط والتنظيم والتنفيذ. وإلى بطولات قادمة في الوطن العربي الذي حُرم طويلًا من إظهار قدراته ومواهبه الكامنة في المجالات كافة، ولا سيما في المجالات الرياضية. شكراً قطر.
سعيد الشيخ
اقرأ أيضًا:
كيف غطى الإعلام البريطاني أحداث نهائي كأس العالم 2022 في قطر
سكاي: هؤلاء هم الأفضل في كأس العالم قطر 2022
الغارديان: تفوق المغرب في كأس العالم يغير الصور النمطية للعرب والمسلمين
الرابط المختصر هنا ⬇