العرب في بريطانيا | غزة: المرآة التي كشفت الوجه الحقيقي لإسرائيل أم...

1447 ربيع الثاني 18 | 11 أكتوبر 2025

غزة: المرآة التي كشفت الوجه الحقيقي لإسرائيل أمام العالم

غزة المرآة التي كشفت الوجه الحقيقي لإسرائيل أمام العالم
ديفيد هيرست October 10, 2025

كان هذا أطول وأشدّ وأعنف عدوانٍ إسرائيلي على فلسطين في تاريخها. وسينتهي بمشهدية سياسية، إلى حدٍّ كبير من إخراج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي سيذهب إلى إسرائيل لاستقبال الرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة. وقد يُعلَن – بإصرار من حركة حماس وقطر – عن نهاية رسمية للعدوان.

ستنسحب القوات الإسرائيلية من غزة، وستعود شاحنات الأمم المتحدة لتتحرك مجددًا داخل القطاع – مؤقتًا.

لكن لا تخطئ: لا يوجد بعدُ أي اتفاق حول المرحلتين الثانية والثالثة من الصفقة، اللتين تتعلقان بنزع سلاح حماس وفرض ولايةٍ دوليةٍ لإدارة غزة. ومن غير المرجّح أن يكون هناك اتفاق قريب.

رؤية ترامب للخسائر التي تكبّدتها حماس خلال عامين من العدوان تختلف، بعبارةٍ لطيفة، عن الواقع. فقد قال مؤخرًا إن حماس على وشك الدمار، وإن قيادتها أُبيدت واستشهد 25 ألفًا من مقاوميها.

لكن تقديرات حماس نفسها تشير إلى أنّ بنيتها المؤسسية، ونظام القيادة والسيطرة، ووسائل الاتصال، صمدت أمام أقسى الاختبارات، بما في ذلك اغتيالات كبار القادة، فضلًا عن أطنان من المتفجرات تعادل عدة «هيروشيمات» أُلقيت على غزة.

تقول الحركة إنها ما زالت تملك عدد المقاومين ذاته الذي كان لديها في بداية العدوان، وإنها قادرة على الحصول على كميات غير محدودة تقريبًا من الأسلحة الخفيفة والمتفجرات لتصنيع الصواريخ المضادة للدبابات والعبوات الناسفة.

ورغم أن حماس مصنّفة كمنظمةٍ «إرهابية» في المملكة المتحدة ودول أخرى، فإنها لا ترى نفسها قوة مهزومة – فضلًا عن أن تنحني للإرادة العسكرية الإسرائيلية. وينطبق الأمر ذاته على باقي الفصائل المقاومة في غزة.

بعيدًا عن «السلام في عصرنا»

غزة المرآة التي كشفت الوجه الحقيقي لإسرائيل أمام العالم
العدوان الإسرائيلي على غزة

صمدت شعبية حماس في غزة رغم العدوان، وازدادت في الضفة الغربية المحتلة. وعلى الشوارع العربية، ولا سيّما في الأردن، بلغت شعبية كتائب القسام حدًّا أسطوريًا.

ولا يمكن للحركة أن تعتبر هذه اللحظة في التاريخ، بأي حالٍ من الأحوال، نهايةً للمقاومة المسلحة، كما يدّعي ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

فمن وجهة نظر حماس، لا يمكن أن يتحقق هدنةٌ طويلة الأمد إلا إذا وافقت إسرائيل على الانسحاب إلى حدود عام 1967، وأنهت احتلالها لغزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

كما أن الحركة أقل استعدادًا بعدُ للقبول بهيئةٍ دوليةٍ تتولى إدارة غزة، بما يُعيد إلى الأذهان أيام الانتداب البريطاني قبل أكثر من قرنٍ مضى.

من الواضح إذن أن هذا بعيدٌ جدًا عن «السلام في عصرنا» الذي سيعلن ترامب تحقيقه – حتى لو أنهى فصلًا واحدًا طويلًا ودمويًا من العدوان الإسرائيلي على فلسطين.

يمكن لحماس، وسائر الفصائل المسلحة، وقبل كل شيء شعب غزة، أن يزعموا أنهم حققوا نجاحاتٍ استراتيجية: فقد أحبطوا أخطر محاولة إسرائيلية للتهجير الجماعي منذ عام 1967، وصمد السكان في وجه إبادةٍ جماعية.

وقد فعلوا ذلك وحدهم. فقد كان دعم الدول العربية المجاورة باهتًا للغاية، والسبب الوحيد الذي دفع مصر والأردن إلى منع تهجير السكان كان الحفاظ على مصالحهم الوطنية، لا تعاطفًا مع الفلسطينيين.

لكن البقاء في الأرض جاء بثمنٍ فادح: أكثر من 67 ألف شهيد، عدا آلاف الجثث تحت الأنقاض، وتدمير شبه كامل للبنية السكنية والمستشفيات والمدارس والمساجد والمؤسسات. سيبقى سكان غزة يعانون آثار التجويع والصدمة مدى حياتهم.

نتنياهو وإسرائيل: نصرٌ دموي وخسارة السمعة

غزة المرآة التي كشفت الوجه الحقيقي لإسرائيل أمام العالم
العدوان الإسرائيلي على غزة (الأناضول/ Mustafa Hassona)

سيتفاخر نتنياهو بأنه دمّر حماس كتنظيمٍ مقاتل، كما يزعم أنه فعل مع حزب الله والحرس الثوري الإيراني.

فقد استعاد جميع رهائنه، وأرسى – كما يعتقد – أسس الهدوء على الجبهة الغربية لجيلٍ كامل. وغزة لن تُطلق المزيد من الهجمات على إسرائيل في وقتٍ قريب.

لكن في المقابل، دمّر نتنياهو غزة وجعلها شبه غير صالحةٍ للعيش. وفي هذا المسار، دمّر أيضًا أحد أهم أصول إسرائيل الاستراتيجية بعد قوتها العسكرية: سمعتها الدولية.

فطوال القرن الماضي وبدايات هذا القرن، روّجت إسرائيل روايةً مؤداها أن «الدولة اليهودية» مشروعٌ أخلاقي – ملاذٌ آمن لليهود المضطهدين حول العالم.

وتحوّلت هذه الرواية إلى قاعدةٍ أخلاقيةٍ في الغرب، الذي يحمل في تاريخه الطويل جذورًا عميقةً من معاداة السامية. وأصبحت عبارة «حق إسرائيل في الوجود» تُتلى كتعويذة من قِبل كل حزبٍ سياسيٍ كبير.

وصار تعريف النفس كـ«صديقٍ لإسرائيل» طقس مرورٍ ضروري لأي سياسي طامح، وعلامة على الجدية والأهلية للحكم – بغض النظر عن معرفته أو اهتمامه بالشرق الأوسط.

وفي كل مرة كانت إسرائيل تشنّ عدوانًا جديدًا تحت شعار «الضربة الاستباقية»، كانت الدول الغربية تردّد بصوتٍ واحد: «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها».

وفي 7 أكتوبر 2023، رُفع هذا «الحق» إلى مرتبة الحرب المقدسة، بوصفها «هجمات 11 سبتمبر الإسرائيلية». واعتُبر احتجاز الرهائن تهديدًا لوجود إسرائيل ذاته.

لكن هذا البنيان من الدعم الأمريكي-الأوروبي، الذي قامت عليه الدولة العبرية لعقود، بدأ يتصدّع – بل ينهار.

تآكل الدعم الدولي لإسرائيل

يمكن قياس هذا الانهيار بأربع طرق:

  1. استطلاعات الرأي

  2. السردية المهيمنة على وسائل التواصل الاجتماعي

  3. تطورات المحاكم الدولية

  4. مواقف النخب السياسية – رغم أنها تبقى الأبطأ في التغيير.

تحوّل الرأي العام

تُظهر استطلاعات الرأي بوضوح سرعة التراجع في صورة إسرائيل واتجاهه السلبي. فصحفٌ داعمة تقليديًا لها مثل نيويورك تايمز وذا غارديان تحدثت عن تحوّلٍ زلزالي.

فبعد دفاع حماس قبل عامين، أظهر الأمريكيون تعاطفًا واسعًا مع إسرائيل (47٪ لإسرائيل مقابل 20٪ للفلسطينيين). لكن استطلاعًا جديدًا لـنيويورك تايمز وجامعة سيينا كشف أن للمرة الأولى في هذا العدوان، يميل الأمريكيون أكثر نحو الفلسطينيين (35٪ للفلسطينيين مقابل 34٪ لإسرائيل).

كما أظهر الاستطلاع أن أغلبية الأمريكيين تعارض تقديم مزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية لإسرائيل. ستة من كل عشرة قالوا إن إسرائيل يجب أن تُنهي العدوان حتى لو لم يُفرَج عن كل الرهائن، و40٪ قالوا إنهم يعتقدون أن إسرائيل تقتل المدنيين عمدًا.

وتتعمّق هذه الفجوة وفق الأجيال والانتماء السياسي: فـ70٪ من الأمريكيين دون الثلاثين يعارضون المساعدات لإسرائيل، و54٪ من الديمقراطيين يتعاطفون مع الفلسطينيين مقابل 13٪ فقط مع إسرائيل.

ووجدت غالوب نتائج مشابهة: 60٪ من الأمريكيين يرفضون العدوان الإسرائيلي على غزة، مقابل 30٪ فقط يؤيدونه.

الهزيمة على جبهة الإعلام الرقمي

غزة المرآة التي كشفت الوجه الحقيقي لإسرائيل أمام العالم

زادت وسائل التواصل الاجتماعي من تراجع مكانة إسرائيل. قبل عامين، اتهم الجمهوريون شركة بايت دانس (المالكة لـTikTok) بالتلاعب في الرأي العام الأمريكي لصالح الفلسطينيين، لكن هذا الاتهام لم يصمد؛ فبينما يتساوى المحتوى المؤيد للطرفين في عدد المشاهدات، تنتشر المواد المؤيدة للفلسطينيين انتشارًا أوسع بكثير.

فقد أظهر مركز Cybersecurity for Democracy أنه مقابل كل منشور مؤيد لإسرائيل، هناك 17 منشورًا مؤيدًا للفلسطينيين.

وفقدان إسرائيل لهذه الساحة الرقمية – رغم استثماراتها الضخمة وشرائها لمؤثرين – له عواقب مباشرة على صورتها الدولية.

العدالة الدولية تلاحق تل أبيب

لم تكن سمعة إسرائيل بأفضل حال أمام المحاكم الدولية. فبرغم محاولات مكثفة – كانت ميدل إيست آي أول من وثّقها – للتأثير على المدعي العام البريطاني كريم خان في المحكمة الجنائية الدولية، وعلى قضاة محكمة العدل الدولية التي ما زالت تنظر في قضية الإبادة الجماعية ضدها، فإن هذه الجهود فضحت تناقض الغرب الذي يزعم الدفاع عن «سيادة القانون».

لقد ارتكب نتنياهو من جرائم العدوان على غزة ما لا يقل عن نظيره فلاديمير بوتين في أوكرانيا. ومحاولة حماية الأول وملاحقة الثاني أصبحت نفاقًا مكشوفًا لا يمكن تبريره على أي منبر عالمي.

احتجاجات أوروبية غير مسبوقة

تتجلى هذه التحولات في مظاهراتٍ حاشدةٍ غير مسبوقة في أوروبا، حتى في دولٍ كانت الأكثر دعمًا لإسرائيل: ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا، فرنسا، وبريطانيا.

يقول المحلل معين رباني على منصة X: «نشأت في هولندا، وكانت أكثر الدول الأوروبية تأييدًا لإسرائيل. لدرجة أن الفلسطينيين كانوا يرون التفاهم مع الإسرائيليين أسهل من إقناع الهولنديين».

ثم أضاف: «لكن هذا الأسبوع، خرج ربع مليون هولندي من كل الخلفيات يرفعون خطًا أحمر ضد إبادة غزة. لم أتوقع أن أشهد مثل هذا في حياتي، وأنا فخور بذلك».

وفي إسبانيا، خرج مئات الآلاف في برشلونة ومدريد، وتعرّض الفريق الإسرائيلي للدراجات لمقاطعةٍ متكررة خلال طواف إسبانيا. كما احتجزت إسرائيل أكثر من 40 إسبانيًا من «أسطول الصمود العالمي» أثناء محاولتهم كسر الحصار عن غزة.

وفي إيطاليا، نظّمت النقابات العامة إضرابًا لـ24 ساعة، وذكرت وزارة الداخلية أن عدد المتظاهرين بلغ نحو 400 ألف في 29 مدينة – وربما أكثر.

هل ستنتهي موجة التضامن؟

هل ستتلاشى هذه الموجة غير المسبوقة من الدعم الشعبي للفلسطينيين مع انتهاء العدوان على غزة؟ الجواب القاطع: لا.

إطلاق جميع الرهائن، أحياءً وأمواتًا، سيُزيل عن حماس عبئًا سياسيًا كبيرًا، كان يستخدمه أنصار إسرائيل لتبرير استمرار العدوان. وسيتضح حينها أن نتنياهو هو من عرقل المفاوضات مرارًا، وأن كثيرًا من الرهائن قُتلوا بنيران إسرائيل نفسها.

وإذا لم تمتد الهدنة إلى مراحل لاحقة – وهو الأرجح – فسيفضّل نتنياهو إدارة الوضع كما يفعل في لبنان وسوريا وإيران: هدوء نسبي يتخلله قصفٌ متقطع لأهدافٍ منتقاة.

لكن «الهدوء» في غزة لن يعني هدوءًا في المسجد الأقصى، حيث أعلن المتطرف إيتمار بن غفير «النصر» بعد اقتحامين متتاليين للمستوطنين، ولا في الضفة الغربية حيث تتواصل سياسة الضمّ الزاحف.

وفي ظل هذه الأوضاع، لن تتراجع الاحتجاجات الأوروبية، بل ستتضاعف.

لقد تجاوز العالم الغربي عتبةً جديدة في موقفه من القضية الفلسطينية، ويبدو أن هذا التحول أصبح غير قابلٍ للرجوع.

تغيّر بطيء في دوائر السلطة

 

لكن يبقى العنصر الأخير والأبطأ في التغيّر هو المؤسسات السياسية والمالية والعسكرية الغربية.
فكما أظهر الباحثان أندرو فاينشتاين وجاك سينامون، سحب الصندوق السيادي النرويجي بعض استثماراته من شركاتٍ إسرائيلية، لكنه ما يزال يملك استثماراتٍ ضخمة في شركات السلاح التي تزوّد الجيش الإسرائيلي.

إسرائيل متغلغلة في بنية النظام الغربي المالي والعسكري والسياسي، وفكّ هذا الارتباط سيستغرق عقودًا لا سنوات.

ومع ذلك، فإن عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين بات في أعلى مستوياته تاريخيًا. وحتى لو كان ذلك استجابةً للرأي العام فقط، فهو مع ذلك تطوّر مهم، سيفرض أسئلة على حكوماتٍ مثل بريطانيا: كيف يمكنها الحديث عن «حل الدولتين» بينما تدعم طرفًا يواصل العدوان على الطرف الآخر؟

وحتى في السياسة اليومية، لم يعد دعم إسرائيل المسار المضمون للترقي السياسي كما كان من قبل.
ففي السابق، كان معظم النواب الديمقراطيين الجدد في الكونغرس يزورون إسرائيل بدعوة من منظمة AIPAC؛ أما اليوم فانخفض العدد إلى الثلث فقط.

القضية الفلسطينية تنهض مجددًا

قبل عامين، كانت القضية الفلسطينية تُعتبر ميتة. اليوم، وصلت إلى أوج قوتها، خصوصًا في أوساط الشتات الفلسطيني.

فالثروة النسبية والتعليم العالي والنجاحات المهنية لأبناء الشتات لم تولّد اللامبالاة، بل الإحساس بالذنب – والسؤال: لماذا لا نفعل المزيد؟
لقد أحيا العدوان الإسرائيلي على غزة جيلاً كاملًا من الفلسطينيين في الخارج، عاقدين العزم على استكمال النضال.

وإن كان ترامب يظن أن ما يسميه «عملية السلام» في خطته لغزة سيوقف هذه الموجة من الطاقة التحرّرية كما أوقف اتفاق أوسلو التعاطف بعد الانتفاضة الأولى، فهو واهم.

لقد غيّر العدوان الإسرائيلي على فلسطين موازين الرأي الغربي تغيّرًا جذريًا، ولن تعيدها شاحنات الإغاثة ولا إعادة الإعمار إلى ما كانت عليه.

وستترتب على ذلك عواقب كثيرة في السنوات المقبلة. غير أن الإسرائيليين لم يدركوا بعد مدى عمق هذا التحول عليهم.

لكن هذا – كما يقول التاريخ – مصير كل مستوطنٍ استعماري: لا أحد منهم يرى نهايته قادمة.

المصدر: ميدل إيست آي


إقرأ أيضًا:

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
6:19 am, Oct 11, 2025
temperature icon 11°C
overcast clouds
87 %
1034 mb
0 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 100%
Visibility 10 km
Sunrise 7:17 am
Sunset 6:16 pm

آخر فيديوهات القناة