العرب في بريطانيا | على بريطانيا أن تتحرّك الآن لإنقاذ أطفال غزة

1447 ربيع الأول 18 | 11 سبتمبر 2025

على بريطانيا أن تتحرّك الآن لإنقاذ أطفال غزة

مقالArtboard 2 copy (13)
كيم جونسونJuly 14, 2025

منذ واحدٍ وعشرين شهرًا، وغزة ترزح تحت نير إبادة جماعية ممنهجة ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي. وخلال هذه الفترة، تابعتُ – بقلبٍ يعتصره الألم، وروحٍ ينهشها الغضب، وعزمٍ لا يلين – كيف انحدرت الأزمة الإنسانية إلى هوّة الكارثة.

لقد شُلّ النظام الصحي في غزة بالكامل، وتحوّلت مستشفياته إلى هياكل عاجزة. آلاف الأطفال نُكّل بهم جراء القصف، أو الحروق، أو الشظايا، أو الجوع، أو تأخر العلاج. ومن بينهم من يُعاني أمراضًا مزمنة كان علاجها متاحًا في معظم دول العالم، لكنهم اليوم محرومون حتى من الحدّ الأدنى من الرعاية.

أملهم الوحيد بات معلّقًا بما هو خارج حدود غزة، غير أن القلائل فقط هم من أُتيح لهم الخروج.

من هنا، ومنذ ما يقارب العامين، انخرطتُ في عملٍ مشترك مع مؤسسات خيرية، وأطباء، ومحامين، وزملاء من مختلف الأطياف السياسية، من أجل الضغط على بريطانيا لتتجاوز التصريحات وتتحرّك بالأفعال. وفي أبريل الماضي، تحقّق بصيص من الأمل.

وصل طفلان شجاعان من غزة إلى لندن، في أول عملية إخلاء طبي للأطفال إلى المملكة المتحدة منذ اندلاع التصعيد في أكتوبر 2023. جاءت إحداهما لتلقي جراحة تنقذ بصرها، بينما كان الآخر يُعاني من مرض معوي مزمن يعجز الأطباء المحليون عن علاجه.

وقد تمكّن هذان الطفلان من العبور بفضل الجهود الجبّارة التي بذلتها منظمات غير حكومية، وشبكة من المتطوعين والداعمين، من ضمنهم أفراد من هيئة الصحة الوطنية (NHS)، ومحامون، وناشطون.

كانت هذه لحظة مفصلية، لكنها لا يجب أن تكون نقطة النهاية، بل بداية حقيقية لبرنامج وطني شامل. فما حدث يجب أن يُرى كشرارة انطلاق، لا كخاتمة إنجاز.

استجابة منسّقة ما تزال غائبة

لطالما سجّلت بريطانيا مواقف مشرّفة في استقبال الأطفال وتقديم الرعاية الطبية لهم خلال الحروب، وقد أثبتت أنها قادرة على التحرك، وتملك الإرادة السياسية، والبنية التحتية، والدعم المجتمعي والمهني اللازم.

لكن ما نفتقده اليوم هو استجابة منسّقة وشاملة بمستوى التحدي.

في أكتوبر الماضي، أفادت منظمة اليونيسف بأن ما يقارب 2500 طفل في غزة بحاجة إلى رعاية طبية معقدة لا يمكن توفيرها داخل القطاع المحاصر. غير أن عدد من تم إجلاؤهم لا يتجاوز 22 طفلًا شهريًا، بسبب استمرار إغلاق معبر رفح. وبهذا المعدل، سيستغرق علاج الأطفال الذين هم بالفعل على قوائم الانتظار أكثر من سبع سنوات.

ومع مرور قرابة عام، يمكننا أن نفترض أن الوضع ازداد سوءًا. هؤلاء الأطفال لا يملكون ترف الوقت. كثير منهم يتألّمون في ظروف لا تليق بالبشر، بجروح مفتوحة، وأطراف مبتورة، وحروق، والتهابات غير معالجة. بعضهم يخضع لعمليات جراحية من دون مخدّر. وغيرهم يعاني من أمراض يمكن علاجها في أي مكان آخر، لكنها في غزة تُصبح قاتلة.

فللنظر مثلًا إلى قصة الطفل “Y” والتوأم “S وS”، وهما حالتان تتولاهما منظمة “أطفال لا أرقام”.

الطفل “Y”، في عامه الثاني، يُعاني منذ يناير 2024 من نزيف بدأ من فمه، وتبيّن عبر التصوير المقطعي لاحقًا أنه ورم وعائي عدواني ينتشر في وجهه وفكه وجمجمته. الورم لا يستجيب للعلاج، والطفل يتألّم بشدة، والنزيف لا يتوقف. بات يحتاج إلى نقل دم باستمرار، ويُعاني من فقر دم حاد. تعيش أسرته في قلق دائم من نزيف قاتل قد يودي بحياته في أي لحظة.

وقد أشارت الفحوصات الأخيرة إلى احتمال أن يكون الورم خبيثًا، لكن العجز عن إجراء خزعة أو تلقي علاج مناسب داخل غزة يجعل الأطباء في حالة شلل تام. هناك نافذة زمنية ضيقة لإنقاذه، لكنها تُغلق بسرعة. ولا مفر من إجلائه إلى مستشفى متخصص خارج غزة، وإلا فموته شبه مؤكد.

أما التوأمان “S وS”، فيبلغان الرابعة من العمر، ويُعانيان من مرض وراثي نادر يُدعى “السيستينوسيس”، يتسبب في تراكم الأحماض الأمينية داخل الخلايا، مؤديًا إلى تلف تدريجي للأعضاء الحيوية. العلاج بسيط نسبيًا: دواء يُدعى “سيستيامين” يُؤخذ بانتظام، ومتابعة طبية دقيقة. لكن بفعل القصف والحصار، أصبح الدواء نادرًا بل منعدمًا في غزة.

تدهورت حالتهما الصحية سريعًا، ودخلا المستشفى بسبب اختلالات خطيرة في الأملاح. الكليتان تضررتا وتحتاجان إلى علاج إضافي. وسوء التغذية الناجم عن الحصار فاقم معاناتهما. وما يجعل هذه المأساة أكثر إيلامًا هو أن حالتهما كانت قابلة للإدارة، لو توفرت لهما رعاية مناسبة.

تدخل ينقذ حياة

هؤلاء الأطفال لا يبحثون عن صدقات، بل عن حق في الحياة، عن وصول إلى العلاج. وماذا يعني تدخل بريطاني؟ يعني كل شيء: تشخيص، عملية جراحية، دواء منقذ، أو حتى فرصة للعيش.

المملكة المتحدة تملك ما يلزم: المستشفيات، الأطباء، والأهم – المسؤولية الأخلاقية. القرار هنا قد يعني الفارق بين الحياة والموت. والسؤال ليس هل يمكننا أن نساعد، بل هل سنختار أن نفعل؟

نحن بحاجة إلى توسيع عاجل لعمليات الإجلاء الطبي، وعلى بريطانيا أن تكون في طليعة هذا الجهد. لقد رأينا دولًا أوروبية مثل فرنسا وإيطاليا تُطلق مسارات مخصصة للعلاج. بينما في غزة، بعد الانهيار الكامل للنظام الصحي، لم يعد هناك بديل محلي.

أرحب بالمبادرات الأولى من الحكومة، وبالدعم الذي قدّمه بعض الوزراء، لكن الحقيقة أن الاستجابة لا تزال دون الحد الأدنى، بل تمثل تقصيرًا صارخًا.

نحتاج إلى أفعال، لا وعود. هؤلاء الأطفال لا يستطيعون الانتظار. إنهم بحاجة إلينا الآن.

عملية الإجلاء الأولى تمّت بتمويل خاص وخيري بالكامل. لم تُسهم NHS بجنيه واحد. التأشيرات مُنحت بصلاحيات استثنائية، لا ضمن برنامج حكومي مستقر.

وحتى اليوم، لا يوجد مسار واضح يسمح للعائلات أو المنظمات بتقديم طلبات إخلاء طبي منتظم إلى بريطانيا.

لدينا القدرة، ولدينا الواجب الأخلاقي. لقد فعلناها من قبل: مع أطفال أوكرانيا، ولاجئي سوريا، وأطفال بلا مرافقين فرّوا من الحروب. فلماذا لا نفعلها مع أطفال غزة؟

الأمر لا يتعلق بالسياسة. بل بالحياة والموت. وإذا كان في قدرتنا إنقاذ طفل، فعلينا أن نفعل.

في كل أرجاء البلاد، تتعالى الأصوات. الأطباء يتطوعون، الجمعيات تتحرك، المجتمعات تجمع التبرعات، والبرلمانيون من مختلف الأطياف يتعاونون لضمان ألا تتوقف الجهود عند طفلين فقط.

أدعو الحكومة لأن تُجسد ما تميّزت به بريطانيا في أوقات الشدائد: أن تُظهر إنسانيتها، وتقود العالم بالقدوة، وتتخذ القرار الصحيح في لحظة حرجة. نحن بحاجة إلى تحرّك، لا إلى مزيد من الكلام. هؤلاء الأطفال لا يستطيعون الانتظار أكثر.

قصة الإجلاء الأولى منحتنا بصيص أمل. لكن الأمل يجب أن يتحوّل إلى فعل مستدام. وعلى الحكومة أن تحوّل هذا الجهد المحدود إلى برنامج دائم، إنساني، وممول بشكل كامل.

نعلم أنه ممكن. والآن، آن أوان أن نراه واقعًا. فكل طفل في غزة يحتاج إلى رعاية عاجلة يستحق فرصة واحدة فقط: أن يعيش.

 


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
1:24 pm, Sep 11, 2025
temperature icon19°C
few clouds
58 %
1002 mb
16 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds20%
Visibility10 km
Sunrise6:29 am
Sunset7:25 pm
uk ads space mobile
uk ads space mobile
uk ads space mobile

آخر فيديوهات القناة