العرب في بريطانيا | علمتني آية - العرب في بريطانيا - AUK

1445 شوال 10 | 19 أبريل 2024

علمتني آية

علمتني آية
عادل يوسف April 7, 2023

شخصيًّا لم أتعجب من إسلام البروفيسور الأمريكي جيڤري لانج، وهو من هو في دفاعه المستميت عن فكره الإلحادي، لكن ما أثار عجبي ودهشتي أكثر الآية التي أحدثت نقلة نوعية في حياته بأسرها، الآية التي كانت سببًا في نقل جيڤري من ظلمات الإلحاد والجهل إلى نور العلم والهداية، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

نشأ البروفيسور وعالم الرياضيات الأمريكي جيڤري لانج في أسرة مسيحية، ولمَّا بلغ ستة عشر عامًا تحول إلى الإلحاد بعد أن اتسعت الفجوة بين الأسئلة الوجودية التي تؤرِّقه وبين العقيدة الدينية التي نشأ عليها، أسئلة على غرار: لماذا خلق الله هذا الكون الذي يملؤه العنف والمعاناة؟! لماذا لم يجعلنا ملائكة، ويضعنا في الجنة ما دام الأمر بمقدوره؟! …إلخ.

وفي إحدى الليالي وبينما كان جيڤري وحيدًا في شقته ولم يجد شيئًا يتسلى به، أمسك بيده نسخة من القرآن مترجمة للإنجليزية كان قد حصل عليها من أحد أصدقائه المسلمين. دفعه الفضول إلى مواصلة القراءة، لكن المفاجأة كانت حينما بلغ مشهد خلق آدم في الآية الـ30 من سورة البقرة، حيث قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}. أعي تمامًا أن يكون سبب إسلام أحدهم آيات فيها ذكر الجنة أو النار مثلًا، أو آيات تتكلم عن وصف الذات الإلهية، أما أن تكون هذه الآية فإنه لشيء عجيب حقًّا!

“علمتني آية”..

علمتني آية

سؤال الملائكة لله سبحانه: {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها …الآية}، مثَّل صدمة لأفكاره، والآية برمتها أثارت دهشته؛ لأنها تخالف النظرة الدينية التي نشأ عليها، والتي ترى وجود الإنسان في الارض عقوبة على خطيئته بعد طرده من الجنة، إذ إن الآية تذكر أن الانسان مكرم وأنه خليفة الله في الأرض ليؤدي دورًا إيجابيًّا فيها، ما دفعه إلى القراءة والبحث والتعمق أكثر فأكثر، حتى وصل إلى قناعة تامة بأن هذا الدين هو الحل، ليعتنق بعدها الإسلام ويؤلف كتابه الذائع الصيت “حتى الملائكة تسأل!”.

قلت: حَرِيٌّ بنا -معاشر المسلمين الناطقين بالضاد- أن نقف مع القرآن الكريم وقفات تدبرية، وبخاصة في هذا الشهر الفضيل؛ لنفهم مراد الله سبحانه، ولا نهتم فقط بسرده كسرد الروايات والقصص بُغية الانتهاء من السورة وبحثًا عن عدد الختمات، ولا أقول إن الختم ليس من الأمور المستحسنة، ولكن لتدبر القرآن منزلة عظيمة قلَّما يفطن لها بعضنا، وحسبُك من القلادة ما أحاط بالعنق.

وفي قوله سبحانه وتعالى في بدايات قصة يوسف، يُبيِّن -سبحانه وتعالى- مقدار الغل والحسد الذي أضمره إخوته له وكيف أنهم قد همّوا حتى بقتله، لتتجلى لنا حكمة الله سبحانه التي يخفى علينا أمرها في البداية لجهلنا. يقول عليه الصلاة والسلام: (وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ …الحديث)، تأمل قوله: (الأمة)، أي منذ أن خلق الله آدم الى أن يرث الله الأرض ومن عليها لو كانوا كلهم ضدك على أمر لم يكتبه الله عليك لَمَا وسعهم أن يضروك قِيد أنملة، فكيف بعشرة نفر أرادوا الفتك بيوسف عليه السلام ولم يرد الله ذلك؟!

قد يبتلي الله عباده بحسَب قربهم منه؛ ليُمحِّصهم ويرفع درجتهم كما في الحديث لمَّا سُئِل عليه الصلاة والسلام: أي الناس أشد بلاءً؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل …الحديث. وكما قال أحد العارفين: قل لي ما مشكلتك، أقل لك من أنت!

بالعودة إلى القصة يسرد علينا القرآن المفاوضات المستمرة بين إخوة يوسف مع أبيهم يعقوب في قوله تعالى: (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ …الآية)، وتمسّك يعقوب بمخاوفه حيث قال: (وَأَخَاف أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْب وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ) (قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة)، أي: ونحن بهذا العدد ولا نحميه من باب الطمأنة لأبيهم.

علمتني آية

ثم بعد نجاح المفاوضات وموافقة يعقوب على إرسال يوسف معهم يقول تعالى: (وأجمعوا …الآية)، أي عزموا جميعًا أو اتفقوا، ويدل ذلك أنهم كانوا لا يزالون مختلفين في أمره حتى تلك اللحظة. لكن المفاجأة (أن يجعلوه في غيابت الجب …الآية)، وهنا يتجلى لك تدبير الله عز وجل لأمرك الذي ظاهره الشر والخسارة وباطنه الخير الكثير؛ فالذي كان شائعًا أن تلك الأرض ملأى بالذئاب، وهذا ما كان يُخيف الناس، بمعنى أنهم لو تركوه دون وضعه داخل البئر لافترسته السباع.

والسؤال هنا: من الذي جعلهم يحفظون يوسف في الوقت الذي ظنوا أنفسهم فيه أنهم ضيعوه؟!

سبحان من ساقهم إلى حفظه وعنايته بأيديهم، وهم الذين يريدون قتله! حقًّا إذا كان الله معك فمن تخاف، وإذا كان عليك فمن ترجو؟!

فعلى سبيل الاستغناء يذكر الحديث: لم ينفعوك إلاّ بشيء قد كتبه الله لك.

وعلى سبيل الطمأنينة: لم يضروك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك.

ختامًا أعِد قراءة الحديث لكن هذه المرة بقلبك!

عـن عـبد الله بن عـباس رضي الله عـنهما، قــال: كـنت خـلـف النبي صلي الله عـليه وسلم يـومًا، فـقـال: (يـا غـلام! إني أعـلمك كــلمات: احـفـظ الله يـحـفـظـك، احـفـظ الله تجده تجاهـك، إذا سـألت فـاسأل الله، وإذا اسـتعـنت فـاسـتـعـن بالله، واعـلم أن الأمـة لـو اجـتمـعـت عـلى أن يـنـفـعـوك بشيء لم يـنـفـعـوك إلا بشيء قـد كـتـبـه الله لك، وإن اجتمعـوا عـلى أن يـضـروك بشيء لـم يـضـروك إلا بشيء قـد كـتـبـه الله عـلـيـك، رُفـعـت الأقــلام، وجـفَّـت الـصـحـف). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

 


اقرأ أيضًا:
ميدان ترافلغار في لندن يستضيف إفطارًا جماعيًا قبيل نهاية رمضان 2023
أبرز الأنشطة العائلية في بريطانيا للسياح والسكان في عيد الفطر 2023
نصائح دكتور جلدية للاعتناء بالبشرة في رمضان 2023

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.