طبيب من غزة: الموت جوعًا يومي.. وإسرائيل تشن حربًا على الأطفال

قال الطبيب الفلسطيني الكندي طارق لبّاني، الذي يعمل متطوعًا في قسم الطوارئ بمستشفى ناصر جنوب غزة، إن ما يجري في القطاع لا يمكن وصفه إلا بأنه “حرب على الأطفال”، مشيرًا إلى أن المجازر الجماعية، والتجويع الممنهج، واستهداف الطواقم الطبية، تشير إلى نية مبيتة لفرض واقع شبيه بـ”معسكرات الاعتقال”، على حد تعبيره.
ويأتي ذلك في وقت تجاوز فيه عدد القتلى الرسمي في غزة حاجز 58 ألفًا، وسط استمرار الضربات الإسرائيلية وغياب التوافق على اتفاق لوقف إطلاق النار في مفاوضات الدوحة.
المجازر تلاحق الجائعين… والمساعدات تتحول إلى فخ موت
في مقابلة خاصة مع شبكة “Democracy Now!”، أوضح لبّاني أن الإصابات التي يستقبلها المستشفى يوميًا تحمل طابعًا وحشيًا، وتُظهر استهدافًا متعمدًا للأطفال والرجال والنساء، وخاصة عبر إصابات قنص في الرأس أو الفخذ، أو إطلاق نار عشوائي من أسلحة ثقيلة على حشود تنتظر المساعدات.زة
وأضاف: “ما نراه منذ أسابيع هو نمط ممنهج من القتل الجماعي في محيط نقاط توزيع المساعدات التي تُديرها مؤسسة GHF المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، وهي مؤسسة تفتقر إلى الشفافية وتخضع لانتقادات دولية واسعة. هناك عشرات القتلى يوميًا، بينهم من قُتلوا على بُعد كيلومتر من موقع الاستهداف.”
ويُذكر أن مكتب مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أعلن أن نحو 800 فلسطيني قُتلوا منذ مايو الماضي أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات الإنسانية.
لبّاني، الذي أُصيب سابقًا برصاص الجيش الإسرائيلي عام 2018 أثناء تقديمه للإسعاف في غزة، قال إن الطواقم الطبية باتت هدفًا مباشرًا للجيش الإسرائيلي، مؤكدًا أن أكثر من 1500 عامل صحي قُتلوا في العامين الماضيين، بينما لا يزال 350 منهم رهن الاعتقال حتى الآن، مع اختفاء المئات الآخرين.
“وصلتنا رسائل تهديد مباشرة عبر الهاتف، تُبلغنا أننا أهداف عسكرية ما لم نسلّم أنفسنا. هذا استهداف ممنهج للمنظومة الصحية بأكملها”، أضاف لبّاني.
وتابع أن أكثر من 80٪ من الأدوية الأساسية غير متوفرة في مستشفى ناصر، وأن السلطات الإسرائيلية تصادر المعدات الطبية عند المعابر، ما يجعل من تقديم الرعاية في ظل القصف والمجازر مهمة مستحيلة.
مجاعة شاملة… لا استثناء لأحد
أكد لبّاني أن 100٪ من سكان غزة يعانون من الجوع الحاد، موضحًا أن الأعراض التي يراها بين المرضى الآن “تُشبه صور المجاعات التاريخية التي كنا نراها في كتب الطب فقط”.
“أطفال بعظام ظاهرة، مرضى بنقص حاد في البروتين، رضّع يذبلون دون حليب، وشيوخ ينهارون بسبب نقص المناعة”، يصف لبّاني المشهد في مستشفى ناصر.
ويشير إلى أن النظام الغذائي المتاح لا يتعدى القليل من الأرز أو العدس، دون أي عناصر غذائية متكاملة، مؤكدًا أن “المجتمع الدولي لا يمكن أن يبرر حرمان الأطفال من حليب الرضع بأي ذريعة سياسية أو عسكرية”.
علّق لبّاني على المقترح الإسرائيلي بإنشاء “مدينة إنسانية” على أنقاض رفح، وهو المقترح الذي وصفه رئيسا الوزراء الإسرائيليان السابقان إيهود أولمرت ويائير لابيد بـ”معسكر اعتقال”.
وقال لبّاني: “غزة كانت سجنًا مفتوحًا قبل الحرب. ما نراه اليوم هو الخطوة التالية: معسكر اعتقال شامل يتم فيه التحكّم بحياة وموت الناس، ومراقبة كل تفاصيل بقائهم. يتم دفع الناس نحو هذا المصير عبر قطع الماء والغذاء والوقود، وتكثيف القتل اليومي.”
وحذر الطبيب من أن نموذج GHF يُعد مقدمة لفكرة إدارة إنسانية زائفة تشرعن القتل، مؤكدًا أن الفلسطينيين يدركون هذا الفخ جيدًا.
في نهاية حديثه، تحدّث لبّاني عن مصطلح بات شائعًا بين الطواقم الطبية في غزة: WCNSF – “Wounded Child, No Surviving Family” أي “طفل جريح بلا عائلة ناجية”.
وقال: “لم أعد أسأل الأطفال عن ذويهم… غالبًا يرد الفريق الطبي: هذا الطفل بلا عائلة. منذ يومين جاءت طفلة محترقة في أكثر من نصف جسدها، لا أحد ليمسك يدها… فحملتها لبضع دقائق حتى أتى من يُعينها، وعدتُ لعلاج بقية المصابين. هذا هو المشهد يوميًا… عشرات الأطفال، بلا أهل، بلا بيت، بلا أمل.”
ويختم بالقول: “فهم مأساة أطفال غزة هو مفتاح فهم شكل الحروب القادمة… فلسطين ليست مجرد قضية، إنها مرآة لما يُخطط له لبقية شعوب الأرض.”
أزمة إنسانية.. وتحرك عاجل
إن ما يجري في غزة يتجاوز كونه أزمة إنسانية مؤقتة إلى كونه اختبارًا جوهريًا للضمير العالمي، ولمصداقية القوانين الدولية التي تُنتهك أمام أعين المجتمع الدولي دون محاسبة. فحين يتحول توزيع المساعدات إلى مصيدة موت، وتُستهدف الطواقم الطبية، ويُترك الأطفال يموتون جوعًا أو حرقًا دون سند أو علاج، فإن الصمت لم يعد موقفًا محايدًا، بل صار مشاركة ضمنية في الجريمة.
وفي ظل الشهادات المتواترة حول فظاعة الأوضاع، ينبغي وجود تحرك عاجل يتجاوز بيانات التنديد، نحو مساءلة حقيقية للأطراف المتورطة، وضمان وصول المساعدات بعيدًا عن الأجندات السياسية أو الهيمنة العسكرية. إن حماية أرواح المدنيين ليست ترفًا قانونيًا، بل التزام أخلاقي لا يسقط بالتقادم، ولا يجوز الالتفاف عليه تحت أي ذريعة أمنية.
المصدر: Democracy Now
إقرأ أيضا
الرابط المختصر هنا ⬇
آخر فيديوهات القناة
Error 403: The request cannot be completed because you have exceeded your quota..
Domain code: youtube.quota
Reason code: quotaExceeded
Error: No videos found.
Make sure this is a valid channel ID and that the channel has videos available on youtube.com.