“رحلة الموت البطيء”.. لاجئة سورية تروي معاناتها مع نظام اللجوء البريطاني

في ظل الغموض القانوني والمصير المعلّق، تصف اللاجئة السورية تُقى فتّال حياتها في بريطانيا بأنها “موت بطيء”. فعَقِبَ سنوات من الهرب من العنف والاعتقال في سوريا، وجدت تُقى نفسها وأسرتها عالقة في دوامة الانتظار بعدما علّقت الحكومة البريطانية قرارات اللجوء الخاصة بالسوريين، تاركة آلاف الطلبات بلا إجابة، وآلاف الأسر في حالة من القلق وعدم الاستقرار.
وفي الـ9 من ديسمبر 2024، أوقفت وزارة الداخلية البريطانية البتّ في طلبات اللجوء المقدمة من سوريين، وذلك غداة سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بعد هجوم شنّته “هيئة تحرير الشام” (HTS). ومنذ ذلك الحين، أعلنت الحكومة أن “تغيّر المعطيات في سوريا” يستدعي إعادة تقييم شاملة قبل اتخاذ أي قرار جديد.
هذا التجميد لم يشمل بريطانيا وحدها، إذ اتخذت دول أوروبية أخرى، مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا والسويد، خطوات مماثلة، ما زاد القلق والغموض في أوساط اللاجئين السوريين.
لاجئة سورية: من الهندسة الفضائية إلى قائمة الانتظار
تُقى فتّال (47 عامًا)، التي تعيش اليوم في ويلز، فرّت من سوريا عام 2013 بعد اعتقال زوجها وتعرّضه للتعذيب. استقرت العائلة في مدينة غازي عنتاب التركية، حيث حصلت على شهادتَي الماجستير والدكتوراه في هندسة الفضاء، ثم انتقلت إلى بريطانيا عام 2024 بعد قبولها في برنامج دكتوراه بجامعة إكسيتر.
لكن مشكلات تمويلية منعتها من بدء الدراسة في موعدها، ونصحتها منظمات إنسانية بتقديم طلب لجوء. ومنذ ذلك الوقت، تعيش تُقى في حالة من “الانتظار القاتل”، كما تصفه.
تقول: “لا يمكننا العودة إلى تركيا بعد إلغاء الحماية المؤقتة هناك، وسوريا ما تزال غير آمنة. هذا الوضع ينهكنا نفسيًّا. نحن نموت ببطء”.
واستقرّت تُقى مع زوجها واثنين من أطفالها الأربعة، وهما يتابعان حاليًّا دراستهما الثانوية (GCSEs) في المدارس الويلزية. تقول: إنها لا ترغب بنقلهما مجددًا أو حرمانهما من بيئة مستقرة.
ومع أن تُقى وزوجها يملكان تصريح عمل، فإن وضعهما القانوني المؤقت يجعل أصحاب العمل مترددين. ولتملأ وقتها، تطوعت في عدد من المؤسسات وتدرّبت في مجال الترجمة.
تقول تُقى بأسى: “لا أتمنى هذا الوضع لأي إنسان. إنه صعب ومؤلم وغير عادل”.
أزمة تتجاوز الأرقام
وحتى نهاية مارس 2025، كان هناك 7,386 لاجئًا سوريًّا في بريطانيا بانتظار قرار أولي بشأن طلباتهم، وفق الأرقام الحكومية. وتُظهر البيانات أيضًا أن أكثر من 5,500 منهم يعيشون في مساكن حكومية مؤقتة، من بينهم 2,130 يقيمون في فنادق، في حين تسعى الحكومة لوقف استخدام الفنادق بحلول عام 2029.
رغم ذلك، ترى تُقى أن المشكلة ليست في الأرقام، بل في غياب العدالة والوضوح، وتقول: “نحن بشر. لدينا أحلام وطموحات، ولسنا مجرد ملفات على مكتب”.
وتدعو منظمات حقوقية، منها مؤسسة (Asylum Justice القانونية)، إلى اعتماد “الحماية الإنسانية” بديلًا، وهي آلية تمنح اللاجئ حق البقاء إذا كان معرّضًا لخطر شديد في بلده، دون الحاجة لإثبات انتمائه إلى فئة بعينها.
وتقول روث براون، المديرة القانونية للمؤسسة: “هذا الحل أكثر عدالة وإنسانية، كما أنه عملي، إذ يسمح بإخراج الآلاف من المساكن المؤقتة ويمنحهم فرصة لحياة مستقرة”.
من جانبه قال محمد الحاج علي، رئيس مجلس اللاجئين في ويلز: إن المجلس يتابع حاليًّا ملفات 62 لاجئًا سوريًّا في مراحل مختلفة من طلباتهم.
وأضاف: “هؤلاء الناس عالقون في حالة من المجهول. لقد استثمرنا في دعمهم بوصفنا ملاذًا، ويجب أن ننظر إلى كل حالة بعين إنسانية. هم ليسوا أرقامًا، بل قصص وآمال للمستقبل”.
وفي ردّها الرسمي، قالت وزارة الداخلية: “ندرك أن هذا وضع استثنائي، لكن أحداث الأشهر الماضية في سوريا غيّرت الصورة جذريًّا. وكما فعلت دول أخرى، جمّدنا قرارات اللجوء السورية مؤقتًا، ونتطلع إلى حلّ هذا الملف قريبًا عندما تتضح الأسس التي يمكن بناء القرارات عليها مستقبلًا”.
رأي منصة العرب في بريطانيا
ترى منصة العرب في بريطانيا أن تعليق قرارات اللجوء الجماعي دون آلية شفافة أو محددة زمنيًّا يُعَدّ انتهاكًا لحقوق الإنسان، ويُعرّض اللاجئين لمشكلات نفسية واجتماعية واقتصادية جسيمة.
وتؤكد المنصة أن تعامل الحكومة مع الملف السوري يجب ألا يخضع لمعادلات سياسية أو أمنية مجردة، بل يجب أن يُبنى على أساس إنساني عادل يأخذ بعين الاعتبار الظروف الواقعية في سوريا، وعدم إمكانية العودة الآمنة للغالبية الساحقة من اللاجئين.
وتدعو المنصة إلى تسريع النظر في الملفات، والبحث في كل حالة على حدة، ومنح الحماية الإنسانية للمتضررين؛ احترامًا لقيم العدالة وحقوق الإنسان التي تدّعي بريطانيا الالتزام بها.
المصدر: بي بي سي
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇