خبير يحث بريطانيا على إعادة تقييم مستويات الفلورايد في مياه الشرب

أثار خبراء الصحة القلق بشأن احتمال تعرض بعض الأطفال الرضع في بريطانيا لمستويات من الفلورايد قد تتجاوز ما تعتبره الجهات الأوروبية آمنًا، في الوقت نفسه ، طالب أحد أبرز المؤيدين لإضافة الفلوريد في مياه شرب السلطات بمراجعة مستويات الجرعات الحالية.
في يوليو الماضي، حدد خبراء وكالة المعايير الغذائية الأوروبية (EFSA) الحد الأقصى لاستهلاك الفلوريد للأطفال دون سن العام عند 1 ملليغرام يوميًا، بعد أن أظهرت دراسات حديثة أن التعرض المفرط للفلورايد قد يؤثر على نمو الدماغ.
وحذر أحد الخبراء من أن الأطفال الذين يعيشون في مناطق من بريطانيا يتم فيها إضافة الفلوريد إلى المياه قد يكونون بالفعل يتناولون كمية تعتبر غير آمنة وفقًا للمعايير الأوروبية.
يُذكر أن نحو 6 ملايين شخص في بريطانيا يحصلون على مياه مفلورة كإجراء وقائي ضد تسوس الأسنان. وتصل مستويات الفلوريد حاليًا إلى 1 ملليغرام لكل لتر، لكنها قد تصل إلى 1.5 ملليغرام لكل لتر بموجب القانون البريطاني، وهو مستوى تعتبره منظمة الصحة العالمية آمنًا.
الخبراء يحذرون من مخاطر الفلوريد للأطفال بينما تقترح السلطات خفض الجرعة في مياه الشرب
قال البروفيسور فيفيان هوارد، اختصاصي السموم والأعضاء التي تتأثر بالمواد الضارة على الجنين وعضو سابق في لجنة استشارية حكومية حول المبيدات: “لا أعرف أي والد قد يضحّي بجزء من ذكاء طفله مقابل فرصة تفادي جزء من حشو الأسنان”.
وأشار البروفيسور هوارد إلى أن متوسط استهلاك السوائل لطفل يبلغ عامًا في بريطانيا يتراوح بين 1.1 و 1.2 لتر يوميًا، وبعض الأطفال قد يستهلكون أكثر، مشيرًا إلى أنه إذا كانت المياه تحتوي على 1 ملليغرام لكل لتر من الفلوريد، فإن هامش الأمان وفقًا للخبراء الأوروبيين يصبح صفرًا. وأوضح أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و 12 شهرًا والذين يشربون حليبًا صناعيًا هم الأكثر عرضة للخطر.
وفي الوقت ذاته، دعا البروفيسور فاول، أكاديمي ومستشار في منظمة الصحة العالمية ويعد أحد أبرز المؤيدين لإضافة الفلوريد في مياه الشرب، إلى إعادة النظر في جرعة الفلوريد المستخدمة في بريطانيا. وأكد أن بريطانيا قد تفكر في مطابقة تركيز الفلوريد مع الولايات المتحدة وكندا عند 0.7 ملليغرام لكل لتر، أي أقل بنسبة 30% من المستوى الحالي.
لجنة السموم تراجع آثار الفلوريد على معدل الذكاء وسط جدل علمي
رغم ذلك، فإن الأدلة التي تربط بين ارتفاع مستويات الفلوريد وانخفاض معدل الذكاء قوبلت بالشكوك من بعض الخبراء. وسبق أن وصف مستند حكومي عن إضافة الفلوريد إلى مياه الشرب بأنها “أكثر الإجراءات فعالية للصحة العامة في تقليل الفجوات في صحة الفم وتقليل تسوس الأسنان”.
وقالت وكالة معايير الغذاء البريطانية إن السلطات على علم بالأبحاث التي تشير إلى مخاطر التعرض للفلوريد، لا سيما على مستوى الذكاء، وأضافت أن لجنة السموم – وهي لجنة علمية مستقلة تقدم المشورة للحكومة – تراجع حاليًا الأدلة، ومن المتوقع أن تستغرق المراجعة حتى عامين.
وأوضح متحدث باسم الوكالة : “تشير هذه الأبحاث إلى أن التأثيرات على معدل الذكاء ليست واضحة عند مستويات الفلوريد الحالية في مياه الشرب في بريطانيا، لكن تم إحالة الأمر إلى لجنة السموم لتقييم مستقل”.
تباين أوروبي : بريطانيا تواصل إضافة الفلوريد بينما ترفضه دول أخرى
في أوروبا ،إيرلندا فقط و 10% من إسبانيا تضيفان الفلوريد إلى مياه الشرب، بينما أوقفت كل من السويد، هولندا، المجر، وجمهورية التشيك هذه البرامج.
وعلى النقيض، تخطط بريطانيا لتوسيع إضافة الفلوريد في شمال شرق البلاد، لتشمل 1.6 مليون شخص إضافي في مناطق مثل دارلينغتون ، دورهام، نيوكاسل، سندر لاند وميدلزبره. وتأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية وطنية لتحسين صحة الأسنان بعد استشارة عامة.
دراسات أمريكية تربط فلوريد المياه بانخفاض ذكاء الأطفال وسط تحديات قانونية
في أغسطس الماضي، نشر البرنامج الوطني للسموم في الولايات المتحدة دراسة وجدت “تشير الأدلة، بثقة معتدلة، إلى أن التعرض الأعلى للفلوريد يرتبط بانخفاض معدل الذكاء لدى الأطفال.”
وأظهرت الدراسة، التي استعرضت 72 دراسة علمية حول تلف الدماغ على مدار أكثر من 30 عامًا، أن 64 دراسة أظهرت تأثير الفلوريد على الدماغ النامي، بما في ذلك 18 من أصل 19 دراسة عالية الجودة. وأظهرت دراسة عام 2019 لـ Rivka Green et al انخفاض معدل الذكاء بمقدار 3.66 نقطة عند الفتيان مقابل كل 1 ملليغرام لكل لتر زيادة في فلوريد بول الأم، بينما وجدت دراسة عام 2020 لـ Christine Till et al انخفاضًا بمقدار 8.8 نقطة في معدل الذكاء للأطفال الذين يرضعون حليبًا صناعيًا مُعد بالمياه المفلورة.
كما واجهت الولايات المتحدة تحديات قانونية بشأن مستويات الفلوريد، حيث حكمت محكمة في كاليفورنيا أن 0.7 ملليغرام لكل لتر يمثل خطرًا غير معقول على الصحة، وطالبت وكالة حماية البيئة الأمريكية بالرد على الحكم، فيما استأنفت الوكالة الحكم لاحقًا.
بين التحذيرات والوقاية : الفلوريد يثير الانقسام بين العلماء
أكد البروفيسور فاول أن لم يتم تحديد آلية واضحة لتأثير الفلوريد على القدرات العقلية، وأن الدراسات الوبائية الحالية لا تثبت وجود علاقة مؤكدة بين التعرض للفلوريد وانخفاض معدل الذكاء، على الرغم من استمرار الدراسات. وأضاف: “أتوقع أن أشارك في إعادة تقييم منظمة الصحة العالمية للفلوريد في مياه الشرب”.
وتوصي منظمة الصحة العالمية بإضافة الفلوريد للوقاية من تسوس الأسنان، مؤكدة أن الأبحاث الحديثة ستُدرج في الإصدار الخامس من إرشادات جودة مياه الشرب هذا العام.
وفي المقابل، يصف البروفيسور هوارد الدراسة الأمريكية الأخيرة بأنها “موقف محوري”، مشيرًا إلى دراسات Catfish التي أظهرت فوائد محدودة جدًا من إضافة الفلوريد في الوقاية من التسوس، بمتوسط ربح ربع سن فقط.
خبراء يؤكدون سلامة الفلوريد مع التركيز على تعزيز الصحة في شمال شرق البلاد
في أمريكا، حظرت ولايتان {يوتا و فلوريدا} إضافة الفلوريد للمياه، بينما اعتمدت 5 ولايات أخرى مشاريع قوانين للفلوريد.
وقال الدكتور باري كوكروفت، المدير السابق لطب الأسنان ورئيس جمعية الفلوريد البريطانية، إن الدراسات التي تشير إلى ضرر الفلوريد على الأطفال والجنين كانت معيبة، مؤكدًا أن تسوس الأسنان هو السبب الرئيسي لدخول الأطفال بين 5 و 9 أعوام للمستشفى وفق بيانات NHS. وأضاف أن أطفاله وأحفاده يعيشون في وارويكشاير، ولم يكن ليؤيد الفلوريد لو كان هناك أي خطر على ذكائهم.
وأشار إلى أن مراجعات تأثير الفلوريد على الصحة تُجرى كل 3 سنوات في بريطانيا، مؤكدًا أنهم لا يجدون أي دليل قاطع على أضرار صحية. وأضاف أن رأيه تغير قليلًا فيما يتعلق بـالإضافة العامة للفلوريد، إذ يمكن استهداف المناطق ذات الفقر الأعلى مثل شمال شرق البلاد، حيث تتحقق أكبر فائدة لصحة الأسنان، خصوصًا مع انتشار معجون الأسنان المحتوي على الفلوريد.
وقالت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية البريطانية: “المستويات المسموح بها للفلوريد في بريطانيا ثبتت أنها آمنة، وهي أقل بكثير من الحدود الموصى بها في إرشادات منظمة الصحة العالمية (1.5 ملليغرام لكل لتر)”.
يجب على الأهالي مراقبة مستوى الفلوريد في مياه الشرب التي يتناولها أطفالهم، خصوصًا الرضع، والتأكد من أن الكمية لا تتجاوز الحدود الموصى بها علميًا. كما يُنصح بـالاعتماد على مصادر بديلة للسوائل عند الضرورة، ومراجعة حليب الأطفال أو المياه المستخدمة في تحضيره. تعزيز التثقيف الصحي حول الفوائد والمخاطر المحتملة للفلورايد، ومتابعة التحديثات العلمية والسياسات المحلية، يمكن أن يساعد في حماية صحة الأطفال مع الحفاظ على الوقاية من تسوس الأسنان.
المصدر : The Independent
إقرأ أيضًا :
الرابط المختصر هنا ⬇