د.خالد حنفي: هذا حكم تناول اللحوم التي لم تراقب من مؤسسات الحلال
سألت منصة العرب في بريطانيا الأمين العام المساعد للمجلس الأوروبي للإفتاء ورئيس لجنة الفتوى في ألمانيا د. خالد حنفي بشأن حكم تناول اللحوم في أوروبا التي لم تخضع لرقابة مؤسسات الحلال في تلك البلاد وكان جوابه الآتي:
كل المعطيات في مسألة تناول اللحوم المذبوحة على غير الطريقة الإسلامية في الغرب تتجه بنا إلى القول بترجيح عدم الجواز أو التوسع في أكل اللحوم المطروحة في الأسواق الأوروبية، التي لم تُراقَب ولم تحصل على شهادة الحلال لأدلة ومستندات كثيرة. منها على سبيل المثال:
عدم الوثوق من كتابية الذابح
التعامل مع شرط أن تكون من ذبائح أهل الكتاب، فإن من يتساهل في جواز تناولها يحتجّ بأن اللحوم المطروحة هي لحوم أهل الكتاب، وذبائحهم مباحة بالنص القرآني. والرد على ذلك بأن نقول إن الإشكال ليس في تقرير الحكم المقرر، وإنما في تنزيل هذا الكلام على أهل الكتاب الذين هم معنا في أوروبا وتحديدًا من يتولى أمر الذبح منهم هل هو كتابي حقًّا؟
بمعنى إذا كانت الدراسات المعاصرة تشير إلى أن نسبة الذين يخرجون من الدين في الغرب أو نسبة الإلحاد في الدول الغربية في ارتفاع كبير، فهذا إشكال مبدئي في وجه الخلل في هذا الشرط؛ لأن كون الذابح غير كتابي واردة وبنسبة غير قليلة. هذه النقطة الأولى.
إشكالية التخدير قبل الذبح
أما النقطة الثانية فهي أن الذبائح الحلال تُخدَّر والذبائح الأخرى تُخدَّر كذلك قبل ذبحها، لكن تخدير الذبائح الحلال تتولّى تنفيذه الهيئات الشرعية الرقابية، وهي مسؤولة عن ضبط الدرجة المسموح بها من التيار الكهربائي بطرق معينة تمنع موت الحيوان بسب التخدير.
الدراسات تؤكد أن هذا الصعق المؤدي إلى التخدير يُفضي بنسب متفاوتة إلى موت بعض الحيوانات وهي غير معلومة على التعيين ولا سيما الدجاج. فالجهة الإسلامية التي تعطي خاتم الحلال مسؤولة عن مراقبة مستوى التخدير ودرجته وهل يموت الحيوان منه أم لا؟ كما تراقب كون الذابح مسلمًا ويسمي قبل الذبح أم لا؟ وتراقب أيضًا خط الإنتاج وهل خالط اللحم الحلال شيء محرم أم لا؟ كما تراقب إضافة مواد أخرى عند التصنيع قد تكون فيها مواد كحولية محرمة.
هل الذبح الأوروبي يحقق مقاصد الشرع في التذكية؟
وأما النقطة الثالثة فهي تحقيق مقاصد الإسلام في الذبح؛ فالإسلام يسعى إلى تحقيق مقصدين رئيسين في أمر الذبائح. المقصد الأول: هو إراحة الذبيحة، والمقصد الآخر هو أن يكون اللحم صحيًّا للآكل، والمقصدان لا يتحققان بطريقة الذبح الأوروبية التي يسبقها التخدير؛ لأن التخدير يؤدي إلى مشكلتين أساسيتين: الأولى تعذيب الحيوان مرتين: مرة عند التخدير ومرة عند الذبح بما أنه لا يموت من التخدير بحسَب قولهم. والمشكلة الأخرى: هي أن عملية التخدير تقلل حركة الحيوان بعد ذبحه، ومن ثَمّ لا يخرج كامل الدم منه فتبقى كميات من الدم داخل الحيوان، مما ينتج عنه مشاكل صحية ومشاكل في التصنيع.
ولقد بحثت على المستوى الشخصي في هذه المسألة، وناقشت أوروبيين غير مسلمين كثيرًا، فوجدتهم يقولون لي: الأمر بالنسبة إلينا هو اقتصادي تجاري في الدرجة الأولى ثم يأتي بعد ذلك الجانب الأخلاقي والإنساني! فنحن عندما نذبح بالطريقة الأوروبية يكثر إنتاجنا وتزداد أرباحنا وتكون الأسعار أرخص، وأما إذا ذبحنا بالطريقة الإسلامية فستزداد التكلفة، ومن ثَمّ يقل البيع والإنتاج والربح.
علينا أن نعلم أن تخدير مناطق الإحساس في الحيوان عند الذبح من دون تخدير يؤدي إلى عدم شعوره بالألم، والحركة القوية التي تصدر عن الحيوان الذي يُذبَح بغير تخدير تُخرِج كامل الدم منه، وهذا يؤدي إلى أن يكون اللحم صحيًّا ويريح الحيوان.
إذن فالتخدير يؤدي إلى خلل في المقصدين، والإشكال الذي حدث في موضوع التخدير، وأنا أعتبر العلماء والمشايخ والمجامع الفقهية مسؤولين في الدرجة الأولى عن هذا الموضوع؛ لتساهلهم فيه ابتداءً وقولهم بحل اللحم إذا سُبِق بالتخدير بشرط ألّا تكون شدة التيار الكهربائي عالية فتؤدي إلى موت الحيوان. وقد قال بذلك مجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة، وسارت خلفه المجامع الفقهية الأخرى، وهذا الكلام من البداية مرفوض من وجهة نظري، وكان عليهم ألا يقولوا به، ويتمسكوا بمبدأ أن الذبح الشرعي لا يتم إلا بتجنب التخدير بالكامل.
وأول من وقع في هذا الإشكال هو الشيخ محمد عبده ثم تلميذه محمد رشيد رضا رحمهما الله تعالى، حيث قالا: إن طريقة الذبح الأوروبية أقرب إلى الشرع من طريقة الذبح الإسلامية؛ لأنها تؤدي إلى إراحة الحيوان… إلخ.
ثم تبعهما في ذلك الشيخ القرضاوي رحمه الله، وقال ذلك في برنامج الشريعة والحياة، ولكنه تراجع عنه في المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، بعد سنين طويلة مما قاله في حلقة تلفزيونية لأحمد منصور، وهي موجودة على اليوتيوب. وقد انتشرت الحلقة بلا شك، ولكن لم ينتشر تراجع الشيخ عن هذا القول والرأي!
ضرورة الالتزام بالقانون وعدم الخروج عليه
هذا لا يعني عدم الالتزام بالقانون في أمر التخدير في البلدان التي تلزم به، فالواجب على المسلمين الالتزام بالقوانين وعدم الذبح بمخالفتها قطعًا لمنع الفوضى وعدم التشويش على صورة الإسلام الحضارية العالمية، ولكن أقول ليست هذه الصورة المثلى التي ينشدها الإسلام في إراحة الحيوان والحفاظ الأمثل على صحة الناس، وليتنا نتحاكم في هذا إلى البحوث العلمية البيطرية الموثقة، واستقراء طرق الذبح والتخدير الحديث وتقييمها وهل تُحقق فعلًا الراحة للحيوان والحفاظ على صحة الإنسان أم لا؟
اللحوم وتعلقها بأمر الهُويَّة
وثمة بُعد آخر في هذه المسألة، هو بُعد الهُوِية. فنحن عندما نقول للناس كل اللحوم مثل بعضها ونقول لهم كلوا اللحوم المذبوحة في الأسواق الأوروبية وإن لم تراقب وتأخذ خاتم الحلال، فإن هذا من أكثر الأشياء التي تضر بموضوع الهُوِية؛ لأن اللحوم من معالم الهُوِية الأساسية التي يتميز بها المسلم. وهو ما أكده النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حيث قال: “من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله” فعطف أكل الذبيحة المذبوحة شرعًا باسم الله على الصلاة واستقبال القبلة وهي من المعالم الواضحة التي تميز عن غيره.
على سبيل المثال: تمسُّك اليهود الشديد بموضوع اللحوم هو الذي حافظ على هُوِيتهم بالنحو الذي هم عليه الآن. رغم أن شروطهم في الذبح أشد من شروط المسلمين؛ لهذا قال أحد الحاخامات لليهود عندما قالوا له: إن اليهود حافظوا على يوم السبت، فقال لهم: لا. بل إن يوم السبت هو الذي حافظ على اليهود. ولو أن المسلمين في الغرب أخذوا بقول من قال من العلماء إن اللحوم متساوية ونأكل كل ما هو مطروح في الأسواق حتى لو لم يكتب عليه حلال لما وجدوا اليوم شيئًا اسمه اللحم الحلال، ولما عرفت الأجيال الجديدة هذا المعنى، والحمد لله هذا اللحم متوفر في أغلب المدن والبلدان الأوروبية. وللموضوع تفاصيل أخرى وأبعاد اقتصادية وأبعاد أخرى، ولكن ما ذكرته هو أهم النقاط التي يمكن أن نرجِّح بها أن المسلمين في الغرب عليهم أن يتمسكوا في هذا الموضوع بمؤسسات الحلال، وحتى لو ظهر منها بعض الأخطاء فإننا نسعى لتلافيها وتقويمها، ولكن لا نهدمها، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇