العرب في بريطانيا | حين يُحاكم الدين لا الجريمة: لماذا يُدان المسلم...

1447 ربيع الثاني 7 | 30 سبتمبر 2025

حين يُحاكم الدين لا الجريمة: لماذا يُدان المسلم ويُعذَر غيره؟

حين يُحاكم الدين لا الجريمة: لماذا يُدان المسلم ويُعذَر غيره؟
خلود العيط August 5, 2025

أذكر جيدًا تلك الليلة التي قضيتها أمام التلفاز أتابع خبر هجوم دموي في دولة غربية. لم يكن للجاني اسمٌ عربي ولا ملامح شرقية، لكن رغم فداحة الجريمة، لم يُذكر دينه، ولم يُطلق عليه لقب “إرهابي”. على العكس، انهالت عبارات التخفيف: “يعاني من اضطرابات نفسية”، وهذا “حادث فردي”، و”لا يمثل أحدًا”.

وفي اليوم التالي، قرأت خبرًا آخر: رجل مسلم يرتكب جريمة فردية، أقل فظاعة. ولكن فجأة أصبح “الإسلام” جزءًا من العنوان، و”الإرهاب” هو التوصيف الأول، دون انتظار محاكمة أو تحقيق.

في تلك اللحظة، شعرت أنني لا أُعامَل بوصفي واحدًا من الناس في هذا العالم، بل بوصفي صورة نمطية جاهزة تُفعّل مع كل خبر.

الإعلام الغربي و”العدسة المشروطة”

وفقًا لدراسة منشورة في مجلة (Justice Quarterly) عام 2019، فإن أي جريمة يرتكبها شخص مسلم تحظى بتغطية إعلامية تزيد بنسبة 357 في المئة مقارنة بجريمة مشابهة يرتكبها شخص غير مسلم. ومع أن 88 في المئة من الجرائم العنيفة في الغرب يُنفذها غير المسلمِين، فإن الإعلام لا يراهم “خطرًا جماعيًّا”، بل أفرادًا مضطربين نفسيًّا.

وليس هذا تحليلًا انطباعيًّا، بل نتائج بحثية موثقة. مؤسسة (Media Tenor)، في تقريرها الممتد بين 2009 و2013، وثّقت التكرار غير المتوازن لربط الإسلام بالإرهاب، في حين نُزعت الصفة الدينية بالكامل عن أي جريمة ذات طابع غير إسلامي.

من لندن إلى مانشستر: أمثلة لا تنسى

في هجوم مسجد فينسبري بارك عام 2017، قاد رجل من اليمين المتطرف شاحنته نحو مصلّين خارج المسجد. الجريمة موثّقة، والخلفية السياسية واضحة، ومع ذلك تجنبت معظم وسائل الإعلام وصفه بـ”الإرهابي”، بل غاص بعض الناس في ماضي المسجد نفسه، وكأنهم يبحثون عن مسوّغ للهجوم.

في المقابل، جريمة ارتكبها مراهق مسلم في مانشستر، رغم صغر سنّه ودوافعه الغامضة، صُنّفت فورًا ضمن “الإرهاب الإسلامي”، واحتل الخبر العناوين الأولى عالميًّا.

في كل مرة، أشعر وكأن اسمنا، وهُويتنا، وديننا، يُصبح جزءًا من الحدث لا لشيء إلا لأننا مسلمون. وكأن تهمة “الإرهاب” تُلصق بالدين لا بالفعل.

فلسطين تُجرَّم… والعنصرية تُستَثنى!

وفي خضم العدوان الإسرائيلي على غزة، خرج آلاف المسلمين والعرب والبريطانيين في شوارع لندن ومانشستر وبيرمنغهام وغيرها يهتفون لفلسطين ويطالبون بوقف الإبادة. كانت تلك المسيرات سلمية ومُنظمة، ورفعت شعارات إنسانية ضد الاحتلال والعنصرية. ولكن سرعان ما وُضعت تحت مجهر التجريم والمراقبة، وبدأت الصحف باستخدام تعبيرات مثل “التهديد المتصاعد”، بل وصل الأمر إلى نقاشات برلمانية بشأن حظر بعض الرموز والهتافات، وتهديدات بسحب تأشيرات أو إغلاق منظمات داعمة لفلسطين.

في المقابل، لم نرَ تغطية مشابهة لمظاهرات اليمين المتطرف التي خرجت ضد اللاجئين في مدن بريطانية مثل ليفربول وروثرهام، حيث أُحرقت فنادق يسكنها طالبو لجوء، واعتُدي على عائلات مهاجرة. هذه الاعتداءات التي تحمل طابعًا سياسيًّا وعنصريًّا منظمًا، يندُر أن تُصنَّف “إرهابًا داخليًّا” أو “تطرفًا يمينيًّا” في وسائل الإعلام، رغم أن دوافعها واضحة وتحمل خطابَ كراهية علنيًّا.

المفارقة المؤلمة أن صرخة من أجل العدالة تُعَدّ خطرًا، أما أعمال العنف العنصري فيُنظر إليها نظرة “احتجاجات غاضبة”، لا أكثر.

هذا الانحياز الإعلامي لا يبقى في حدود الشاشات، بل يصنع رأيًا عامًّا متشددًا، ويؤسس لمجتمعات أكثر خوفًا وتوجسًا من المسلمين. دراسة أجرتها (Centre for Media Monitoring) أظهرت أن ما بين 2018 و2019، أغلب التقارير التي تتناول المسلمين في الإعلام البريطاني كانت سلبية، وفي الغالب ربطت الإسلام بكلمات كـ”تهديد”، و”تطرف” و”تشدد”.

هذا التشويه يصب في مصلحة قوانين تُقيد الحريات تحت مظلة “مكافحة الإرهاب”، ويؤسس لبيئة اجتماعية طاردة للمسلمين.

أصوات شجاعة… لكنها مهمَّشة

ورغم قتامة الصورة، فإنها ليست خالية تمامًا من النور. فهناك في بريطانيا أصوات شجاعة، من صحفيين وأكاديميين وسياسيين، تجرأت على كسر الخط العام وانتقاد التحيز الإعلامي الواضح ضد المسلمين. هؤلاء لا ينكرون مسؤولية بعض الأفراد، لكنهم يرفضون ربط دين كامل بأي جريمة.

الصحفي البريطاني بيتر أوبورن -على سبيل المثال- كتب مرارًا في موقع ميدل أيست آي منتقدًا “التحامل الإعلامي الممنهج على المسلمين”، ووصف بعض الصحف الكبرى بأنها تسهم في تأجيج الإسلاموفوبيا بدل مواجهتها. وذهب أبعد من ذلك حين قال إن “بعض التغطيات ليست مجرد انحياز، بل حملة سياسية متعمدة لإعادة تشكيل وعي الجمهور البريطاني”.

البارونة سعيدة وارسي، الوزيرة السابقة في حكومة المحافظين، أعلنت بوضوح أن “الإسلاموفوبيا أصبحت مقبولة اجتماعيًّا في الإعلام البريطاني”، وطالبت بمحاسبة الشخصيات الإعلامية التي تروّج للعنصرية ولصورة مشوهة عن المسلمين.

المعركة لا تقتصر على الكلمات فقط، بل تأخذ شكل حضور فعلي في الشوارع. فقد شارك نواب وصحفيون وناشطون بريطانيون في مسيرات داعمة لغزة، ووقفوا على منصات المظاهرات يطالبون بوقف دعم إسرائيل ويدافعون عن حق التظاهر وحرية التعبير.

كما شارك آلاف البريطانيين -مسلمين وغير مسلمين- في مسيرات منددة بالعنصرية ضد اللاجئين، ورفعوا شعارات مناهضة للتمييز والتهميش، ورفضًا لجرائم الكراهية التي تستهدف الضعفاء.

لكن رغم كل هذه الجهود، تبقى هذه الأصوات محاصرة على هامش السرد الإعلامي المهيمن. تُمنح أحيانًا أعمدة رأي أو مشاركات في برامج نقاش، لكنها لا تُشكل اتجاهًا عامًّا، بل تبدو كاستثناء “ضروري” لإضفاء توازن شكلي، لا أكثر.

الإنسان قبل العنوان

في لحظات الفرح أو الحزن، لا يظهر المسلم في الإعلام إلا من خلال مرآة مشوهة. لا نُعَد ضحايا في فلسطين، ولا في بورما، ولا في الصين، لكننا نتصدر الشاشات بوصفنا متهمين عند كل جريمة في الغرب.

هل ذنبنا أننا مسلمون؟ أم ذنبنا أننا لا نملك منابر إعلامية كبرى توازن هذه الكفة المائلة؟ هل يُفترض أن نعتذر عن هُويتنا كلما ظهر خبر على الشاشة؟

العدالة الحقيقية لا تعني أن يُحاكم المذنب فقط، بل أن يُحاكم الجميع بمعيار واحد. عندما يتغير التوصيف بناءً على الهُوية الدينية، فذلك ليس عدلًا، بل تحامل.

ليس الهدف من هذا المقال تبرئة أي مجرم أو تجريم إعلام بأسره، بل هو دعوة صادقة لإعادة التفكير: أن نُحاسِب الفعل لا الاسم، ونزن الحدث بميزانٍ واحد، وأن نرى الإنسان قبل ديانته.

أريد أن أعيش في عالم لا يُقاس فيه ذنبي بجواز سفري، ولا تُلصق بي تهمة لأنني أنتمي لدين معين.

أريد أن أُعامل كإنسان… إنسان فقط!


اقرأ أيضًا:

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
12:54 pm, Sep 30, 2025
temperature icon 19°C
broken clouds
55 %
1026 mb
3 mph
Wind Gust 8 mph
Clouds 52%
Visibility 10 km
Sunrise 6:59 am
Sunset 6:41 pm

آخر فيديوهات القناة