التضخم في بريطانيا يبلغ أعلى مستوياته منذ 18 شهرًا وسط أزمة معيشية خانقة

في وقت ينتظر فيه الشارع البريطاني بشغف أي انفراجة اقتصادية تلوح في الأفق، جاءت بيانات التضخم الأخيرة لتوجّه ضربة جديدة لآمال المستهلكين ولخطط الحكومة على حدّ سواء، مؤكدة أن أزمة غلاء المعيشة لم تبارح مكانها بعد.
فقد سجّل مؤشر أسعار المستهلكين ارتفاعًا غير متوقّع بنسبة 3.6 في المئة خلال شهر يونيو، بحسَب ما أعلنه مكتب الإحصاء الوطني يوم الأربعاء، متجاوزًا التوقعات ومؤججًا المخاوف من استمرار التضخم في تعطيل جهود خفض أسعار الفائدة.
الضغوط لا تقتصر على فواتير الطاقة والتنقل
مع أن هذا الارتفاع يظل ضمن نطاق ما كان بنك إنجلترا يتوقعه ضمن “موجة صيفية” للتضخم، فإن معطيات الواقع تكشف عن انتشار أوسع للضغوط المالية. فالزيادة لم تقتصر على القطاعات الخاضعة للتنظيم مثل المواصلات والطاقة، بل شملت أيضًا سلعًا استهلاكية أساسية، وهو ما يعقّد مهمة البنك في تهدئة الأسعار.
وساهمت أسعار الوقود بشكل لافت في هذه القفزة، حيث أوضح مكتب الإحصاء أن سعر البنزين انخفض بشكل طفيف بـ0.5 بنس بين مايو ويونيو، مقارنةً بانخفاض حاد خلال الفترة نفسها من العام الماضي، ما جعل معدل التضخم يرتفع نسبيًّا نتيجة ما يُعرف بـ”تأثير سنة الأساس”.
كما ارتفعت أسعار تذاكر الطيران بنسبة 7.9 في المئة، وهي أعلى زيادة منذ عام 2018، تزامنًا مع بداية موسم السفر الصيفي. أما أسعار المواد الغذائية فواصلت صعودها بنسبة 4.5 في المئة على أساس سنوي، متأثرة بارتفاع أسعار سلع يومية مثل الجبن والكعك.
وتشير البيانات إلى أن أسعار الأثاث والسلع المنزلية سجّلت أكبر مساهمة لها في التضخم منذ ديسمبر 2023.
التضخم الأساسي… وزيادة الحذر المالي لدى المواطنين
اللافت في البيانات أن معدل التضخم الأساسي -الذي يستثني البنزين والغذاء والكحول والتبغ- ارتفع إلى 3.7 في المئة بعد أن كان 3.5 في المئة في مايو، ما يعزز القلق لدى صنّاع السياسة النقدية.
ورغم ذلك، لا تزال الأسواق ترجّح بنسبة 83 في المئة أن يُقدِم بنك إنجلترا على خفض الفائدة في اجتماعه المقبل في أغسطس، إلا أن الأصوات الداعية لتسريع وتيرة الخفض قد تجد نفسها في موقف صعب إن لم تظهر مؤشرات واضحة على تراجع الاقتصاد أو تباطؤ الإنفاق.
وفي هذا السياق، صرّح إيان ستيوارت، كبير الاقتصاديين في شركة (Deloitte)، قائلًا: “مع أن التضخم يُتوقع أن يتراجع مع نهاية العام، فإن الضغط مستمر على بنك إنجلترا للإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة في المدى القريب”.
من جهة أخرى، حذّرت كاثرين مان، العضو المستقل في لجنة السياسة النقدية، من أن تقلّب الأسعار يدفع المواطنين إلى الحذر في قراراتهم الاستهلاكية، قائلة:
“نرى أن المواطنين يحتفظون بمدخرات احتياطية متواضعة، ويترددون في الإنفاق على السفر أو العطلات إلى أن تتضح ملامح وضعهم المالي”.
واقع مُرّ رغم تحسّن الأجور ورغم ما أشارت إليه وزيرة المالية رايتشل ريفز بشأن نمو الأجور الحقيقية، فإن القلق لا يزال حاضرًا لدى كثير من الأسر البريطانية، لا سيما أن كل ارتفاع مفاجئ في الأسعار قد يعصف مجددًا بما تبقّى من ميزانية الشهر.
في ظل هذه المعطيات، ترى منصة العرب في بريطانيا أن غلاء المعيشة لم يعد أزمة مؤقتة، بل أصبح واقعًا طويل الأمد يُلقي بظلاله على مختلف فئات المجتمع، ولا سيما أصحاب الدخل المحدود. وإذ نقدّر جهود احتواء التضخم، فإننا نُطالب بمزيد من السياسات الحمائية التي تضمن الأمن المالي للأسر، وتوفّر حدًّا أدنى من العدالة الاقتصادية في مواجهة أزمة يبدو أنها لم تُطوَ بعد.
المصدر الغارديان
إقرأ أيضا:
الرابط المختصر هنا ⬇