من الزنزانة إلى الطائرة… بريطانيا تستعد لترحيل كل المدانين الأجانب

في خطوة وُصفت بأنها الأجرأ منذ سنوات في ملف إدارة السجون والهجرة، أعلنت الحكومة البريطانية عن خطط جديدة لترحيل معظم المجرمين الأجانب المدانين فور صدور الحكم بحقهم ودخولهم السجن، بدلاً من الانتظار حتى يقضوا 30% من مدة عقوبتهم، كما هو معمول به حاليًا.
وكشفت وزيرة العدل البريطانية، شابانا محمود، عن تعديل تشريعي يمنح السلطات صلاحيات أوسع لترحيل أغلب السجناء الأجانب مباشرة بعد الإدانة والحبس، مع استثناء الإرهابيين، والقتلة، ومرتكبي الجرائم الخطيرة الذين صدرت بحقهم أحكام غير محددة المدة، إذ سيواصلون قضاء عقوباتهم داخل بريطانيا قبل النظر في ترحيلهم.
ترحيل فوري وخفض النفقات
وبحسب الخطة، سيحتفظ حكام السجون بحق رفض ترحيل أي سجين أجنبي حُكم عليه بعقوبة محددة المدة إذا اعتبروا أن وجوده خلف القضبان يشكل ضرورة لحماية مصالح البلاد أو أمنها القومي.
وتشمل الإجراءات الجديدة المجرمين الأجانب المحكومين بالفعل والموجودين في السجون، إلى جانب من تصدر بحقهم أحكام جديدة، بهدف خفض الإنفاق الحكومي على هذه الفئة.
وتشير بيانات وزارة العدل إلى أن كلفة السجين الواحد في بريطانيا تصل إلى نحو 54 ألف باوند سنويًا، بينما يمثل الأجانب نحو 12% من إجمالي عدد السجناء.
وكانت الحكومة قد مررت في وقت سابق قانونًا سيدخل حيز التنفيذ في أيلول/ سبتمبر المقبل، يسمح بترحيل السجناء الأجانب بعد قضاء 30% من مدة العقوبة بدلًا من 50%، إلا أن التعديلات الجديدة ستخفض هذه النسبة إلى صفر بالمئة.
وأكدت وزيرة العدل أن الحكومة تتخذ “إجراءً جذريًا” لضمان تنفيذ الترحيلات “في وقت أبكر من أي وقت مضى”، مضيفة: “رسالتنا واضحة: إذا أسأت ضيافتنا وخرقت قوانيننا، فسوف نرسلك إلى بلدك”.
أزمة اكتظاظ في السجون وضغط سياسي
ويأتي الإعلان في ظل أزمة اكتظاظ غير مسبوقة في السجون البريطانية، حيث تعمل المنشآت بنسبة إشغال تصل إلى 97.5%، وكادت تنهار ثلاث مرات في الأشهر الأخيرة من حكومة ريشي سوناك، وفق تقرير مستقل أصدره رئيس سابق لجهاز مراقبة السجون.
وبعد توليه السلطة في تموز/ يوليو 2024، أقر رئيس الوزراء الحالي، كير ستارمر، خطة للإفراج المبكر عن بعض السجناء بعد قضاء 40% من مدة العقوبة، لتجنب انهيار النظام وتقليل الضغط على السجون.
ومنذ ذلك الحين، رحّلت السلطات أكثر من 5 آلاف سجين أجنبي، بزيادة سنوية قدرها 14%، كما خصصت الحكومة 5 ملايين باوند لتشكيل فريق عمل خاص لتسريع عمليات الترحيل من نحو 80 سجنًا في البلاد.
لكن المعارضة انتقدت الإجراءات، إذ صرّح وزير العدل في حكومة الظل، روبرت جينريك، بأن “أعدادًا قياسية من المجرمين العنيفين والمتحرشين جنسيًا من الخارج” ما زالوا يقضون عقوباتهم في بريطانيا، محمّلًا ستارمر مسؤولية عدم تعديل “قوانين حقوق الإنسان المعطلة” التي – بحسب قوله – تعرقل عمليات الترحيل.
وأضاف: “إنها مهزلة… عليه أن يتحلى بالشجاعة حتى نتمكن من ترحيل هؤلاء الأفراد بالفعل”، مشيرًا إلى أنه إذا رفضت دولهم استقبالهم “فعلى الحكومة تعليق التأشيرات والمساعدات الخارجية”.
الترحيل الفوري… حل للأزمة أم تهديد للحقوق؟
ترى منصة العرب في بريطانيا (AUK) أن الخطط الحكومية الجديدة لترحيل المجرمين الأجانب فور إدانتهم تمثل تحولًا جذريًا في سياسات إدارة السجون والهجرة ببريطانيا، لكنها في الوقت نفسه تثير تساؤلات قانونية وإنسانية كبيرة. فبينما تهدف الحكومة إلى خفض النفقات وحل أزمة الاكتظاظ، فإن تنفيذ هذه الإجراءات قد يخلق تحديات تتعلق بحقوق الإنسان وضمانات المحاكمة العادلة، خاصة في الحالات التي قد يواجه فيها المرحّلون مخاطر أو اضطهادًا في بلدانهم الأصلية.
وتؤكد المنصة أن الأزمة الحقيقية تكمن في سوء إدارة نظام السجون على مدار سنوات، ما أدى إلى وصوله إلى حافة الانهيار، وأن الحلول العاجلة مثل الترحيل الفوري قد تكون فعالة على المدى القصير، لكنها لا تعالج جذور المشكلة مثل نقص الاستثمار في برامج الإصلاح وإعادة التأهيل.
المصدر: الغارديان
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇