بريطانيا تدرس إزالة هيئة تحرير الشام من قائمة “الإرهاب”
بدأت الحكومة البريطانية دراسة خطوة مثيرة للجدل، تتمثل في إمكانية إزالة هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية المصنفة لديها، وذلك في أعقاب انتصار الجماعة في سوريا وسقوط نظام الأسد. وتثير هذه الخطوة المحتملة تساؤلات جوهرية عن الآليات القانونية التي ستتبعها بريطانيا لإلغاء تصنيف الهيئة منظمة إرهابية.
الموقف البريطاني من هيئة تحرير الشام
يعود تاريخ الموقف البريطاني من هيئة تحرير الشام إلى عام 2017، عندما أدرجتها وزارة الداخلية البريطانية بوصفها “اسمًا بديلًا” لتنظيم القاعدة، المسؤول عن هجمات مركز التجارة العالمي في 2001. وتباينت المواقف الرسمية بشأن هذا التوجه الجديد، إذ صرّح رئيس الوزراء كير ستارمر بأنه “من المبكر جدًّا” اتخاذ قرار بشأن وضع الهيئة، في حين أشار وزير مجلس الوزراء بات ماكفادن إلى إمكانية اتخاذ “قرار سريع نسبيًّا”.
وفي الإطار القانوني البريطاني للتعامل مع المنظمات المحظورة، هناك حالات سابقة أزيلت فيها أسماء جماعات من قائمة الإرهاب. ومن أبرز الأمثلة الحديثة على ذلك هي الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية، وهي جماعة تشكلت عام 1990 من مقاتلين ليبيين شاركوا في الحرب ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. وعلى الرغم من إدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية في 2005 بدعوى سعيها لإنشاء “دولة إسلامية متشددة” وادعاءات بارتباطها بالقاعدة -وهو ما نفته الجماعة- فقد رُفع اسمها من القائمة في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، حتى بعد ظهور روابط تربطها بمنفذ هجوم مانشستر أرينا سلمان عبيدي، الذي أسفر عن مقتل 22 شخصًا في أيار/مايو 2017.
وتخضع عملية رفع الحظر لإجراءات قانونية محددة، إذ لا يمكن للحكومة اتخاذ القرار منفردة. فوفقًا للقانون، يتعين على وزيرة الداخلية إيفيت كوبر انتظار تقديم طلب رسمي من المنظمة المعنية أو من شخص متأثر بالحظر. وحال تقديم مثل هذا الطلب، يكون أمام وزيرة الداخلية مهلة 90 يومًا لاتخاذ القرار. وفي حال الموافقة على رفع الحظر، يجب أن يحظى القرار بموافقة مجلسي البرلمان: العموم واللوردات.
الإجراءات القانونية وآلية رفع الحظر
يحظى التوجه نحو رفع الحظر عن هيئة تحرير الشام بدعم متزايد من شخصيات بريطانية بارزة. فقد أعرب اللورد ريكيتس، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي البريطاني سابقًا، عن دعمه للتنسيق مع دول مجموعة السبع لإجراء “مراجعة سريعة ورفع الحظر بصفة جماعية”. وأوضح موقفه قائلًا: إن الفرصة المتاحة للتأثير على المجموعات المتمردة المختلفة وحثها على العمل المشترك من أجل تأسيس حكم شامل قد تكون محدودة زمنيًّا.
وانضم إلى هذا الموقف السير جون سورز، رئيس جهاز (MI6) السابق، الذي دعا لإعادة النظر في تصنيف الهيئة. ويستند المؤيدون لرفع الحظر إلى تغيرات جوهرية في مواقف المنظمة خلال السنوات الأخيرة. فمنذ عام 2016، اتخذ زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) خطوات لافتة، منها قطع علاقاته علنًا مع تنظيم القاعدة، وتقديم تعهدات بحماية الأقليات واحترام التنوع في سوريا.
وفي تصريحات لقناة سكاي نيوز، أكد سورز أن الجولاني “بذل جهودًا كبيرة على مدى السنوات العشر الماضية للنأي بنفسه عن تلك الجماعات الإرهابية”، مشيرًا إلى أن “تصرفات هيئة تحرير الشام خلال الأسبوعين الماضيين كانت تصرفات حركة تحرير، وليست منظمة إرهابية”.
ويبدو أن وزير مجلس الوزراء ماكفادن يتبنى موقفًا مماثلًا، إذ صرّح لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بأن الجولاني “ابتعد عن بعض الأمور التي قيلت في الماضي، وهو يقول الأشياء الصحيحة عن حماية الأقليات واحترام حقوق الناس”.
غير أن إميلي ثورنبيري، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في حزب العمال، حذرت الحكومة من التسرع في اتخاذ القرار، قائلة: “آخر ما يريده الشعب السوري هو استبدال طاغية بآخر يرفع راية إسلامية”.
الموقف الأمريكي والخطوات المقبلة
وعلى الصعيد العملي، يبدو أن القرار البريطاني مرتبط بصفة وثيقة بالموقف الأمريكي. فمن غير المرجح أن تقدم بريطانيا على رفع الحظر ما لم تتخذ الولايات المتحدة خطوة مماثلة أولًا. وتدرس إدارة بايدن حاليًّا هذا الخيار، حيث كشف موقع “ميدل إيست آي” أن المسؤولين يناقشون إمكانية إلغاء المكافأة البالغة 10 ملايين دولار المخصصة للقبض على زعيم هيئة تحرير الشام الجولاني، الذي صنّفته الولايات المتحدة “إرهابيًّا” في عام 2013.
وفي حين صرح الرئيس جو بايدن بعد دخول المعارضة دمشق بأن الولايات المتحدة ستقيّم “أفعال المتمردين، لا كلماتهم فقط”، اتخذ الرئيس المنتخب ترامب، الذي سيتولى منصبه بعد خمسة أسابيع، موقفًا مختلفًا تمامًا، مصرحًا بأن واشنطن “يجب ألا يكون لها أي علاقة بسوريا”، متجاهلًا ذكر المعارضة السورية أو حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
المصدر: ميدل ايست آي
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇