بتمويل مجتمعي شبه كامل.. المسلمون في بريطانيا يبنون شبكة مساجد بقيمة 1.5 مليار باوند
في أول دراسة من نوعها، كشف معهد أعيان (Ayaan Institute) أن المسلمين في بريطانيا نجحوا في إنشاء بنية مؤسسية ضخمة متمثلة في المساجد، تجاوزت قيمة أصولها 1.5 مليار باوند، وتدرّ دخلًا سنويًّا يقارب 500 مليون باوند. وما يميّز هذا الإنجاز اللافت أنه تم بتمويل شبه كامل من المجتمع المسلم نفسه، عبر التبرعات والجهود التطوعية، دون اعتماد يُذكر على الدعم الحكومي.
ورغم هذا النجاح، يحذر التقرير من خطر الاعتماد المطلق على العمل التطوعي، مؤكدًا أن المساجد، كي تواكب التحديات المعاصرة، باتت بحاجة ملحة إلى تطوير الموارد البشرية، وتعزيز الحوكمة، والتحوّل نحو إدارة احترافية.
المساجد في بريطانيا: منابر دينية ومؤسسات مجتمعية
وبحسَب مدير المعهد، جهانغير محمد، فإن المساجد في بريطانيا لطالما كانت أكثر من مجرد أماكن للصلاة: “لقد كانت دائمًا مؤسسات مجتمعية شاملة، تقدّم التعليم، والدعم الاجتماعي، والعمل الخيري، وتُسهم في بناء المجتمع المسلم”.
وأضاف محمد: إن التقرير يُمثل “نقطة تحوّل” في فهم دور المساجد وهيكلها، مؤكدًا أن البيانات التي جُمعت تُشكّل مرجعًا للسياسيين وصنّاع القرار، كما تفتح الباب أمام نقاش داخلي بشأن مستقبل القطاع في ظل بيئة سياسية عدائية متزايدة.
ومن أبرز ما يقدّمه التقرير، تفنيده العلمي لخرافات اليمين المتطرف، التي طالما ضخّمت عدد المساجد في بريطانيا، وروّجت لفكرة “الاستحواذ الإسلامي” على الفضاء العام.
فالواقع -كما تُظهره بيانات التقرير- يقول: إن المساجد تمثل 4 في المئة فقط من مجموع دور العبادة في المملكة المتحدة، أما الكنائس فتشكّل 89.5 في المئة، مع أن المسلمين يشكّلون 5.5 في المئة من السكان، أي أن عدد المساجد، نسبيًّا، لا يعكس حجم المسلمين.
التمويل الذاتي: مجتمع يموّل نفسه بنفسه
وأوضح التقرير أن 98 في المئة من تمويل المساجد مصدره المسلمين في بريطانيا، عبر التبرعات والجهود المجتمعية، فيما لم يتجاوز الدعم الحكومي 2 في المئة، أي نحو 5 ملايين باوند من أصل 27 مليونًا تمثل الدخل السنوي في 2023.
هذا التوضيح يُسقط ادعاءات شائعة تزعم أن المساجد تتلقى تمويلًا كبيرًا من الدولة أو من جهات أجنبية، ويُظهر أن المساجد في بريطانيا تمثّل نموذجًا للاستقلال الذاتي والمؤسسية الشعبية.
ورصد التقرير 1,799 مسجدًا مسجلًا كجمعيات خيرية من أصل 1,844 مسجدًا تقريبًا في عموم بريطانيا، وهي أرقام توثيقية لم يسبق لأي دراسة أخرى أن توصلت إليها.
ويقدّر التقرير أن القوة العاملة في القطاع تقارب 32,288 شخصًا، يتوزعون على النحو الآتي:
• 11,269 متطوعًا (55 في المئة)
• 6,337 وصيًّا على الجمعيات (53 في المئة)
• 2,814 موظفًا مدفوع الأجر فقط (6.6 في المئة).
وتُقدَّر القيمة السنوية لوقت المتطوعين بنحو 54.87 مليون باوند، ما يعكس حجم الاعتماد على العمل غير المدفوع، ويُسلّط الضوء على نقص المهارات والإدارة المهنية في كثير من المساجد الصغيرة.
تفاوت الموارد بين المساجد
ومع أن البيانات المالية للسنوات الأخيرة لا تزال غير مكتملة، فإن التقرير يُسلّط الضوء على بعض المؤسسات الكبرى التي تقود القطاع:
• مؤسسة (Faizan-e-Madina) في برادفورد: الأعلى دخلًا بـ16.96 مليون باوند
• الاتحاد الإسلامي البريطاني (UKIM): دخل بلغ 13.56 مليون باوند وأصول بـ49.3 مليون باوند
• مسجد السليمانية في لندن: أصول تقدر بـ45.7 مليون باوند.
في المقابل، تعاني معظم المساجد من قلة الموارد البشرية والمالية، وتعتمد على متطوعين ووكلاء غير متفرغين، ما يضعف قدرتها على تجاوز العقبات التنظيمية والتقنية والرقابية.
ويشير التقرير إلى مجموعة من العقبات الكبرى، أبرزها:
• الاعتماد المفرط على المتطوعين وعدم وجود فريق محترف
• الافتقار إلى التدريب والتطوير الإداري
• صعوبات في الامتثال للأنظمة القانونية والخيرية
• تصاعد خطاب الكراهية والتهديدات الجسدية من جماعات اليمين المتطرف.
ويُبرز التقرير أن هذه العقبات تمنع المساجد عن أداء دورها المجتمعي والروحي بفعالية، وتدفع نحو الحاجة لإصلاحات بنيوية شاملة.
التوصيات: استثمار في الإنسان… لا في الحجر فقط
ويحتفي التقرير بما أنجزه المجتمع المسلم من بنية مؤسسية متينة، لكنه يُحذر من فجوة خطيرة: “الاستثمار في المباني تجاوز بكثير الاستثمار في الكفاءات البشرية”.
ويقترح التقرير في السنوات العشر القادمة ما يأتي:
• تطوير برامج تدريبية للأئمة والمديرين والمعلمين
• تعزيز التعاون بين المساجد بدل العمل الفردي
• تحسين الحوكمة والشفافية لبناء الثقة المجتمعية
• مواجهة الروايات المعادية عبر التواصل الفعّال والاحتراف الإداري.
ترى منصة العرب في بريطانيا أن هذا التقرير يشكّل شهادة حيّة على عزم المسلمين في المملكة المتحدة على ترسيخ وجودهم المجتمعي والديني بأدواتهم الذاتية، رغم الإقصاء السياسي ووسائل الإعلام المنحازة.
لكننا في المنصة نؤمن بأن المرحلة القادمة تتطلب التحول من العمل الخيري التطوعي إلى الاحتراف المؤسسي، دون التفريط بالروح المجتمعية الأصيلة التي ميّزت المساجد في بريطانيا.
إن مواجهة البيئة السياسية العدائية لا تكون بالانكفاء، بل بالانفتاح، ولا تكون بالتقوقع، بل بالحوكمة الفعّالة، والتواصل الإيجابي، وتكريس المساجد بوصفها مراكز إشعاع معرفي وإنساني، لا مجرد أماكن للعبادة.
المصدر: 5Pillars UK
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
20°C 
