الهجرة: معالجة الأعراض أم جذور الأزمة؟

في خضم النقاشات الحامية حول الهجرة في بريطانيا وسائر دول الغرب، تتصدر عناوين الصحف خطط الحد من تدفق المهاجرين، وتشديد قوانين اللجوء، وترحيل طالبي الحماية. غير أن هذا التركيز المكثف على “الفرع” يغفل جذور المشكلة، المتمثلة في الأثر المستمر للسياسات الغربية، سواء الاستعمارية منها أو الراهنة، في زعزعة الاستقرار في كثير من بلدان الجنوب العالمي.
فلو خُصّص جزء، ولو يسير، من الموارد الهائلة التي تُستثمر اليوم في الحواجز الحدودية، والرقابة، وحملات العلاقات العامة الموجهة ضد المهاجرين، لمعالجة الأسباب البنيوية للهجرة القسرية—من تدخلات عسكرية، إلى دعم لانقلابات، إلى عقوبات اقتصادية خانقة—لرأينا نتائج أكثر استدامة وإنسانية.
دعونا نبدأ بالنظر في التاريخ القريب. خلال العقود الماضية، لعبت بريطانيا والولايات المتحدة، إلى جانب حلفائهما، أدوارًا رئيسية في الإطاحة بحكومات منتخبة، كما حدث في مصر عام 2013، أو دعم أنظمة عسكرية قمعية، كما في أمريكا اللاتينية خلال الحرب الباردة، أو التدخل العسكري المباشر كما في العراق عام 2003، والذي خلّف أكثر من مليون لاجئ، بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
أما العقوبات الاقتصادية، التي تُفرض بذريعة معاقبة “الأنظمة”، فإن ضحاياها الفعليين هم الشعوب. تشير دراسات إلى أن العقوبات على سوريا وإيران وأفغانستان، مثلاً، أدت إلى انهيار قطاعات الصحة والتعليم وتضخم غير مسبوق، مما يدفع الأسر إلى البحث عن النجاة في الخارج، بأي وسيلة.
لا يمكن تجاهل الإرث الاستعماري كذلك. كثير من المهاجرين اليوم ينتمون إلى دول كانت مستعمرات سابقة. في حالة بريطانيا، جُلب عشرات الآلاف من العمال من الهند، وباكستان، وجزر الكاريبي، للعمل في الموانئ والمصانع، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية. هؤلاء لم يهاجروا بإرادتهم الحرة دائمًا، بل كانوا جزءًا من نظام اقتصادي عالمي صمم ليخدم المركز الإمبراطوري على حساب الأطراف.
والآن، تُصبّ على أحفاد هؤلاء المهاجرين نار العنصرية، وتتنافس الأحزاب السياسية على تقديم خطط “أكثر صرامة” لوقف الهجرة، حتى من مناطق تعاني من نزاعات وحروب مزّقها التدخل الغربي. كما يُغلق الباب القانوني أمام طالبي اللجوء، مما يدفع الكثيرين إلى ركوب البحر بطرق خطرة، ويعزز شبكات التهريب والاستغلال.
وفقًا لمركز “Refugee Council”، فإن عدد من حصلوا على حق اللجوء في المملكة المتحدة لا يتجاوز 1% من نسبة طالبي اللجوء عالميًا. ومع ذلك، يُصوّر الأمر وكأن البلاد “تغرق” بالمهاجرين.
الحل الحقيقي يبدأ من الاعتراف بأن الهجرة ليست جريمة، بل نتيجة لسياقات معقدة، كثير منها من صنع سياساتنا الغربية. على السياسيين وصنّاع القرار في بريطانيا والغرب أن يتبنوا مقاربة أكثر عدلًا وواقعية: دعم التنمية المستدامة، وقف التدخلات المزعزعة للاستقرار، رفع العقوبات التي تخنق الشعوب، وفتح قنوات قانونية وآمنة للهجرة.
وإلا، فإن محاربة المهاجرين بدل معالجة الأسباب، لن تنتج إلا مزيدًا من الأزمات الإنسانية، ونموًا للشعبوية والعنصرية التي تهدد قيم الديمقراطية نفسها.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇