المسلمون في بريطانيا الأكثر تضررا من أزمة غلاء المعيشة
يزداد قلق الناس في مختلف أنحاء البلاد، حيث تلوح في الأفق أزمة اقتصادية في المملكة المتحدة، إضافة إلى مشكلة الطقس وأزمة تكلفة المعيشة التي تزيد الضغوط والأعباء الملقاة على كاهل معظم الناس. وفي خضم هذه الأزمات تتفاوت معاناة الناس فهم ليسوا سواء، والمسلمون في بريطانيا هم الأكثر تضررًا من أزمة غلاء المعيشة.
المسلمون في بريطانيا هم الأكثر تضررا
ووفقًا لمكتب الإحصاء الوطني فإن معدل التوظيف بين المسلمين يُعَد الأدنى بين جميع الطوائف الدينية في جميع أنحاء إنجلترا وويلز (1). وبين عامي 2009 و2011 أُبلِغ عن أن 50 في المئة من الأُسَر المسلمة تعيش في خط الفقر أو تحته. وفضلًا عن ذلك وجد تقرير جديد بخصوص تعداد المسلمين أن واحدًا من كل خمسة مسلمين بريطانيين قد استخدم بنك طعام منذ أغسطس 2021.
وفي هذا السياق قال سهيل حنيف الرئيس التنفيذي لمؤسسة الزكاة الوطنية مؤخرًا: “شهدنا عددًا قياسيًّا من الطلبات على صندوق الإغاثة على مدار الأشهر الـ12 الماضية. لقد أدت أزمة تكلفة المعيشة الحالية إلى جعل المسلمين -الذين كانوا أساسًا يعانون في السابق- يواجهون صراعًا حقيقيًّا لا مثيل له من أجل تأمين الأساسيات فحسب!”.
وقد وُصِفت هذه الظاهرة المتمثلة في الحرمان الطويل الأمد الذي تواجهها الجالية المسلمة البريطانية بـ”عقوبة المسلمين”! وفي دراسة حديثة بحثت الدكتورة سويداء متولي من جامعة بريستول في التحديات التي يواجهها المسلمون في سوق العمل البريطاني. وكشف البحث أن المسلمين “يواجهون أكبر عقوبة إيمانية مقارنة بأي طائفة دينية أخرى! (Xanax) ” بصرف النظر عن عِرقها.
كيف يُستبعَد المسلمون في بريطانيا حاليًّا من الحديث عن أزمة المناخ؟!
على الرغم من التأثير غير المتناسب لهذه الأزمات المتداخلة على المجتمعات المهمَّشة، فالمسلمون في الغالب يُستبعَدون من مناقشة المسائل المهمة مثل مسألة المناخ. ولا شك أن المجتمعات غير البيضاء والمجتمعات المحرومة اجتماعيًّا واقتصاديًّا هي قلقة أكثر من غيرها بشأن أزمة تغير المناخ، ومن المرجح أن تتخذ إجراءات للحد من هذه الأزمة. أضف إلى ذلك أن هذه المجتمعات لا تنتج إلا نسبة ضئيلة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وفي وقت سابق من هذا العام وجد تقرير (The Race) أن “4.8 في المئة فقط من المتخصصين في قضايا البيئة هم من السود أو الآسيويين أو الأقليات العِرقية، مقارنة بمتوسط 12.6 في المئة من باقي الأعراق” (8). ومن ثَمّ فإن المشتغلين بقضايا البيئة وأصحاب القرار فيها هم من الطبقة البيضاء والمتوسطة، ويتضح هذا بشكل لا لبس فيه من احتجاجات ناشطي مؤتمر الأطراف ضد ظاهرة الانقراض، الذين يحظون بمعظم التغطية الإعلامية وتُسلَّط الأضواء عليهم!
بعد سَوْق هذه المعلومات والإحصائيات ماذا بوسع المسلمون في بريطانيا أن يفعلوا؟!
تحظى الطبيعة باحترام وتقدير كبيرَين في الشريعة الإسلامية، ونحن -المسلمين- مُلزَمون بأن نكون عُمَّارًا للأرض. ويشير الشيخ عبد الحكيم مراد إلى أن “الحضارة الإسلامية تقوم على رفض الإسراف والتبذير وإهدار الخيرات والمقدَّرات وتعتبرها استخفافًا بنعم الله”.
وفي واقع الأمر يحتاج المسلمون البريطانيون بشدة إلى التعبير عن آرائهم وإبراز مواقفهم في أماكن صُنع القرار؛ إذ إن هذه القرارات تؤثر في مجريات حياتهم. إن أي حل حقيقي أو جاد أو عادل للأزمات التي تواجهنا يحتاج إلى أخذ التحديات الكبرى والمظالم التي نشأت في سياقات معينة بالحسبان.
على سبيل المثال: عقدت شبكة أبحاث المسلمين في بريطانيا (MBRN) مؤتمرها الأول بشأن الاستدامة البيئية والمسلمين البريطانيين، وضم هذا المؤتمر مجموعة من المتحدثين المسلمين وغير المسلمين والأكاديميين والناشطين، واهتم بكشف آثار تغير المناخ على المسلمين.
وتُعَد “جرين دين” مبادرة تنص على أن الأزمة البيئية هي أزمة روحية في الوقت نفسه، وأن ردود أفعالنا وحلولنا يجب أن تراعي أيضًا الروابط الروحية لمجتمعنا وتسعى إلى تعزيز ذلك (9). وكذلك يُعَد مسجد كامبريدج المركزي مركزًا اجتماعيًّا شهيرًا، ومثالًا عمليًّا حيًّا على ما يمكن فعله وإنجازه عندما نرغب بذلك ونشحذ هممنا ونسعى سعينا، حيث عمل المسجد على استخدام الطاقة الطبيعية في الإضاءة والتبريد والتدفئة عبر الطاقة المولدة محليًّا (10).
وتعاونت منظمة العون الإسلامي ومؤسسة الزكاة الوطنية أيضًا على تأسيس صندوق الإغاثة الذي كان له فوائد جمة، حيث ساعد كثيرًا من الناس وأظهر الحاجة الماسة التي يعاني منها كثير من الناس، وزادت المنظمة منحها بنسبة 15 في المئة؛ لتقديم مساعدات إضافية مع ارتفاع تكاليف المعيشة. ويبين لنا هذا كيف يمكننا إيجاد الحلول بالتعاون الفعال بين المنظمات الإسلامية، ويسلط الضوء على أهمية الاستفادة من مناصبنا وخبراتنا وعلاقاتنا مع مجتمعنا.
من الصعب الحديث باستمرار عن المواقف الصعبة والأزمات التي تعصف بنا، ولكن دون أدنى شك ليس باستطاعتنا مقاومة الظلم أو الاضطهاد أو مواجهة أي أزمة قبل أن أن نعرف بوجود هذه الأمور ونطلع على أسبابها ونناقشها حتى نتوصل إلى الحلول المناسبة لها. القاسم المشترك هنا هو أن هذه الأزمات من صنع الإنسان، فبالسرعة التي تحدث بها، يمكن معالجتها والتغلب عليها من أجل رفاهية الناس أجمعين. وبمواصلة النضال ضد ظروف العيش السيئة والأزمات المتزايدة، يمكننا رفع الأصوات المهمَّشة التي في الغالب لا يُؤبه لها، ومواصلة تمكين بعضنا.
اقرأ أيضا
الغارديان: هل أصبح المسلمون في بريطانيا مواطنين من الدرجة الثانية؟!
هل يستطيع الطلبة المسلمون في بريطانيا مغادرة الفصول للصلاة في رمضان؟
الرابط المختصر هنا ⬇