العرب في بريطانيا | الجمع بين الصلوات عند الحاجة

1447 ربيع الأول 18 | 11 سبتمبر 2025

الجمع بين الصلوات عند الحاجة

الجمع بين الصلوات عند الحاجة
عصام تليمةJuly 12, 2023

من القضايا الفقهية التي يكثر سؤال الناس عنها: الجمع بين الصلوات، بسبب أعذار غير التي ذكرها الفقهاء، فقد ذكروا أسبابًا معينة، قد يتحقق بعضها، وقد لا يتحقق، وما يتحقق منها لا يتحقق بوصفهم في زمانهم، بل يتغير الوصف؛ لتغير البيئة والمناخ.

وكثيرًا ما تصلني أسئلة عن الجمع بين الصلوات لظروف معينة، ليس منها المطر والسفر، وهي ظروف مهمة، ليست دائمة عند أصحاب هذه الأسئلة، لكنها متكررة، ومن يتعرضون للإجابة عنها -للأسف- يضعون الشروط التي وضعها الفقهاء لأعذار زمانهم، وكأنها أعذار دائمة، ولا يمكن أن يفتي المفتي إلا بناء عليها فقط، مع أن الأعذار والمشقة في التشريع الإسلامي لا تدوم على شكل واحد، بل تختلف من زمان ومكان لآخر، وكذلك الأشخاص.

متشدد كاد أن يتسبب في كارثة في المطار!

الجمع بين الصلوات عند الحاجة

ومن الحوادث التي لا أنساها؛ لأنها نموذج فج للتشدد الذي ربما يؤدي إلى مصائب، أني كنت في مدة دراستي الجامعية أطوف على المساجد خطيبًا وملقيًا للدروس الدينية، وكنت في بلدة من قرى محافظة الجيزة، فوجدت شخصًا متدينًا ينتمي إلى إحدى الجماعات الإسلامية الدعوية، كان متشددًا بشكل لافت للنظر، وكان كثيرًا ما يعترض على ما أقوله من آراء فقهية، وإن كان بأسلوب رقيق أحيانًا، لكن يدل على سطحيته وجهله الفقهي.

سألت عنه، فقالوا لي: لقد كان ذا رتبة في الجيش، يعمل في أبراج مراقبة المطار، ولو ظل في الخدمة حتى الآن لأصبح قائدًا كبيرًا، ولكنه كاد أن يُفصَل لولا رحمة ورأفة رئيسه في العمل به؛ فقد كان في عمله في برج المراقبة الذي يحدد للطائرات المدرج المناسب الذي يجب أن تهبط عليه، بعد تلقيه الإشارة منها، وفوجئت إدارة المطار بأن قائد طائرة يرسل لهم رسائل متتابعة، وقد تخطى البرج إلى القيادة الكبرى، فسألوه عن الأمر، فقال: إنني أحلِّق في أجواء المطار منذ دقائق، وأرسلت الإشارة لتحديد مكان هبوطي، ولم يأتني رد، فأدركوه بالجواب.

وفتحوا تحقيقًا في الأمر، ليكتشفوا أن الضابط المسؤول لم يكن في مكان عمله، ولمّا سألوه عن تأخره عن الرد، قال: كنت أصلي، فأنا أحب أن أؤدي الصلاة على وقتها، ولمّا عاتبه مسؤوله في العمل: ألم يكن هناك فرصة لتؤخر الصلاة لوقت آخر، بدل أن تضع أرواح الناس في مهب الريح؟! قال لهم: أأنتم أهم أم صلاتي؟! كان المسؤول رحيمًا، وأدرك أن هذا التصرف تشدد ودروشة، ولكنه لا يصلح في مكان كهذا، فأعطاه ورقة ليقدم على معاش مبكر؛ رحمة به وبأولاده، وتم ذلك.

وأستطيع أن أذكر مواقف من هذا القبيل لا حصر لها، مواقف أناس ظنوا أن باب التوسعة والرحمة في الشرع جامد لا يلين، وهو كلام يُنبئ عن جهل بالدين، وجهل برحمته وسعته، وهو يضيق على الناس واسعًا، وينفر خفيفي التدين من الصلاة، ويدفعهم أحيانًا للتقصير فيها، أو الإهمال؛ لأنه يصعب عليه بحكم عمله الوظيفي أن يصلي كل فرض في وقته أحيانًا.

الرسول صلى الله عليه وسلم يرخص في الجمع:

والنبي صلى الله عليه وسلم تعامل مع مثل هذه القضايا بروح التخفيف والتيسير، ويُعَد حديثه الذي ورد في الموضوع حديثًا قاطعًا في الأمر، بل عمدة في الفتوى فيه، فقد روى ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء؛ بالمدينة من غير خوف، ولا مطر فقيل له: ما أراد بذلك؟ قال: أراد ‌ألا ‌يحرج ‌أمته”. فالنبي صلى الله عليه وسلم تعمد هنا الجمع دون الأعذار المعروفة للناس، وفتح لهم باب الرخصة والتيسير في مساحات أخرى مهمة في الحياة، قد تشق عليهم، وربما ترك التحديد في ذلك لضمير المسلم.

وقد حاول بعض الناس صرف الحديث عن معناه الواضح، لكن كثيرًا من الأئمة ردوا عليهم، ومنهم الإمام العَيْني الحنفي، حيث قال: (كل تأويل أَوَّلوه في هذا الحديث يرده قول ابن عباس: “أراد أن لا يحرج أمته”)، أي: أن الهدف منه واضح، والغرض من الفعل: نفي الحرج عن الأمة.

نماذج لحالات الجمع بين الصلوات:

الجمع بين الصلوات عند الحاجة

وما سنذكره الآن من حالات للجمع بين الصلوات، هو من باب ضرب المثال، ويمكن للإنسان المسلم أن يقيس عليها ما ينطبق عليه أيضًا هذا المعيار، حتى لا نحصر الناس فيما ذكرناه من نماذج. فمن كان لديه عمل لا يستطيع الانصراف منه لصلاة الفرضين في وقتيهما، مثل: الطبيب الذي في غرفة العمليات وتطول لساعات، وهنا حياة الناس تعرض للخطر، أو طبيب التوليد، أو العناية المركزة في الحالات الخطرة، وكل عمل من شأنه أن يحتاج الإنسان أن يبقى فيه مدة يتعذر عليه فيها أن يصلي كل فرض من الفرضين في وقته، يمكنه الجمع، تقديمًا كان أو تأخيرًا.

وكذلك الأمر في من كان عمله في مجال الطبخ، أو الخبر، أو أشغال صعبة، ولا يمكنه مغادرة المكان، وهذا ما جعل الإمام أحمد بن حنبل يرخص في ذلك لحالات ربما في زماننا لا نراها مجالًا للرخصة، لكنه كان أوسع أفقًا في فقهه، حيث قال: الجمع في الحضر إذا كان من ضرورة، مثل: مرض أو شغل.

ونقل الحنابلة قول أحمد: “هذا عندي رخصة للمريض والمرضع”. فقد أجاز الجمعَ للمرضع، ولا ضرورة بها. قيل: بل عليها مشقة في التفريق؛ لأن الغالب من حال المرضع أن ثوبها لا يَسلم من النجاسة، ففي غسله أو خلعه لكل صلاة مشقة.

فإن قيل: نقل محمد بن موسى بن مشيش أنه قال: الجمع في الحضر إذا كان من ضرورة؛ مثل: مرض، أو شغل، فقد أجاز الجمع لأجل الشغل، وذلك ليس بعذر. قيل: أراد بالشغل: العذر الذي يجوز معه تركُ الجمعة والجماعات؛ من الخوف على نفسه، أو ماله.

فقد رخص ابن حنبل للمرضع في الجمع، لتعذر تغيير الثياب، وهي -كما نرى- ليست كمشقة أصحاب الأعمال الشاقة، أو التي تتطلب من صاحبها البقاء وقتًا طويلًا في مكانه. وهو ما يمكن أن يسري على ظروف ومناسبات أخرى، كالطالب الذي في امتحان، أو يحضر دروسًا أو محاضرات ليلة الامتحان مدة طويلة، وهكذا …إلخ

صلاة المغرب والعشاء في الصيف الأوروبي:

الجمع بين الصلوات عند الحاجة

وهناك حالة يعيشها المسلمون في أوروبا في عدد من الدول، حيث تختفي عندهم علامات صلاة العشاء في بعض الدول، هذا من جانب، وثمة جانب آخر، وهو: قرب صلاة العشاء من صلاة الفجر، وبعد الفجر يكون عندهم عمل، والعمل في أوروبا لا يراعي مواقيت الصلاة لا عند المسلم، ولا عند غيره، ولا يمكن للمسلم أن يقوم لصلاة العشاء.

وقد أفتى المجلس الأوربي للإفتاء -بعد مناقشة الأمر- بما يلي: (جواز الجمع بين الصلاتين في أوروبا في الصيف حين يتأخر وقت العشاء إلى منتصف الليل، أو تنعدم علامته بالكامل؛ دفعًا للحرج المرفوع عن الأمة بنص القرآن. كما يجوز الجمع في تلك البلاد في فصل الشتاء أيضًا بين الظهر والعصر؛ لقصر النهار وصعوبة أداء كل صلاة في وقتها للعاملين في مؤسساتهم إلا بمشقة وحرج، وينبه المجلس على ألا يلجأ المسلم إلى الجمع من غير حاجة، وعلى ألا يتخذه له عادة).

حجة بعض من يرفضون الجمع بين الصلوات عند الانشغال، أو الأعذار المتكررة لدى الناس، أن الجمع الدائم هو من فقه الشيعة وعادتهم، ولم يُفتِ أحد من الفقهاء ممن يرون الجمع لأصحاب الأعذار والمشاغل، بأن يكون ذلك ديدنًا، بل كلما وجد السبب أخذ بها، ومع ذلك فهنا نقطة مهمة، وهي ألا نرفض أي رأي فقهي، لعلة أن الشيعة قد قالوا به، فهذا كلام يصلح في سياق الاحتجاج والمناظرات، وليس في سياق إفتاء الناس في أمر يعسر عليهم، ويضيق عليهم في حياتهم، ولدينا نص نبوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختلف أحد في صحته.

وكم من آراء فقهية كانت سائغة ومقبولة، بل قوية، استفدنا منها من الفقه الشيعي، فمعظم قانون الوصية في مصر مستقى من المذهب الشيعي، ولا سيما الوصية الواجبة، وقضايا أخرى كثيرة، لا يتسع المقام للتفصيل فيها، والمهم في المسألة النصوص والأدلة، بصرف النظر عن المذهب الذي أفتى به، فنحن نتعبد بالدليل الصحيح، بصرف النظر عمن يتبناه.

 

المصدر: الجزيرة مباشر


اقرأ أيضًا:

د.خالد حنفي: جمع صلاتي المغرب والعشاء في ألمانيا وبريطانيا اعتبارا من 18 مايو

اسمي كاتيا والله يشفي مرضى المسلمين!

أجواء الاحتفال بعيد الأضحى 2023 بمختلف المدن البريطانية

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
1:29 pm, Sep 11, 2025
temperature icon19°C
few clouds
58 %
1002 mb
16 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds20%
Visibility10 km
Sunrise6:29 am
Sunset7:25 pm
uk ads space mobile
uk ads space mobile
uk ads space mobile

آخر فيديوهات القناة