التيلغراف: صور أقمار صناعية تكشف مجزرة مروعة في السودان تُرى من الفضاء
كشفت صحيفة التيلغراف عن مشاهد صادمة لمجزرة ارتُكبت في مدينة الفاشر السودانية، حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية بقعًا حمراء ضخمة غطّت الرمال الساخنة حول المدينة، يُعتقد أنها دماء أكثر من ألفَي مدني قُتلوا في واحدة من أبشع المذابح التي تشهدها البلاد منذ اندلاع الحرب الأهلية قبل عامَين ونصف.
وأوضحت الصحيفة أن صور الأقمار الصناعية، التي حلّلها مختبر البحوث الإنسانية بجامعة ييل، أظهرت تجمعات كبيرة من الأجسام “تتوافق مع حجم الجثث البشرية”، إضافةً إلى “تغيرات في لون الأرض إلى الأحمر الداكن” يُرجَّح أنها دماء أو آثار حفر جماعية. كما رُصدت هذه الأجسام قرب المركبات العسكرية وعلى طول السواتر الرملية التي أقامتها قوات الدعم السريع (RSF) حول المدينة.
ويُعتقد أن المدينة، التي كانت آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور، سقطت بعد حصار استمر 18 شهرًا، لتبدأ بعدها موجة من القتل الممنهج استهدفت المدنيين من النساء والأطفال وكبار السن، فيما وصفه محللون بأنه “تطهير عرقي متعمّد ضد المجتمعات غير العربية الأصلية”.
التيلغراف: مقاطع مصوّرة توثّق الفظائع

وتداول ناشطون مقاطع فيديو مروّعة تُظهر مقاتلين من قوات الدعم السريع يُعدمُون مدنيين بدم بارد بعد أن تظاهروا بإطلاق سراحهم. كما وثّقت مقاطع أخرى تجنيد أطفال يحملون السلاح وينفّذون عمليات قتل علنية.
وقالت ميليشيات محلية كانت تقاتل إلى جانب الجيش: إن معظم الضحايا من النساء والأطفال والمسنين، واتهمت قوات الدعم السريع بارتكاب “جرائم وحشية ضد الأبرياء”.
ومنذ سقوط المدينة، فرّ عشرات الآلاف من السكان نحو الغرب باتجاه “طويلة”، حاملين ما استطاعوا من متاع. وتُظهر لقطات مصوّرة الفارين وهم يتعرضون للضرب والإهانات العنصرية من مقاتلين في الدعم السريع يرتدون زيهم البني المميز. ويُسمع في أحد المقاطع صوت أحد المسلحين وهو يصرخ: “اقتلوا النوبة” في إشارة إلى المكوّنات الإفريقية السوداء في السودان.
ووفق تقارير منظمات إنسانية، يجبر المقاتلون المدنيين على التوجه شرقًا نحو مناطق خاضعة لسيطرتهم، بعيدًا عن الممرات الإنسانية ومناطق عمليات الإغاثة الدولية. وقال جيريمي كونيندايك، رئيس منظمة “اللاجئون الدوليون”: إن الدعم السريع يمنع السكان من الفرار جنوبًا أو غربًا، ويدفعهم عمدًا نحو مناطق بلا غذاء أو حماية.
تحذيرات أممية ودولية
وبهذا الصدد وصفت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر ما يجري في الفاشر بأنه “نمط مروّع من الانتهاكات، يشمل القتل المنهجي والتعذيب والعنف الجنسي”. كما أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنها تلقت “تقارير مروّعة متعددة عن إعدامات ميدانية وجرائم ضد المدنيين”، فيما حذّر المفوض السامي فولكر تورك من أن خطر المجازر الواسعة “يتصاعد يومًا بعد يوم”.
الحرب الأهلية السودانية، التي اندلعت في إبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تسببت في نزوح أكثر من 14 مليون شخص ومقتل ما يصل إلى 150 ألفًا، بحسَب تقديرات أممية. كما انهار النظام الصحي بالكامل، ودخلت أجزاء واسعة من البلاد في مجاعة حادة.
وتُتهم قوات الدعم السريع بأنها امتداد لمليشيات “الجنجويد” التي ارتكبت جرائم إبادة في دارفور قبل 20 عامًا. وتشير تقارير غربية إلى أن الإمارات قدمت دعمًا لوجستيًّا وماليًّا للدعم السريع عبر تشاد وليبيا، وهو ما تنفيه أبوظبي بشدة، مؤكدة أنها تدعم جهود وقف إطلاق النار فقط. في المقابل، يُعتقد أن الجيش السوداني يتلقى دعمًا من مصر وروسيا وإيران.
ورغم جهود “اللجنة الرباعية” المكوّنة من الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات للتوصل إلى تسوية سياسية، لا تزال المعارك مستمرة وسط غياب أي أفق للحل.
حين تُرى المأساة من الفضاء، لا تبقى مجرد خبرٍ عابر. فما كشفته صور الأقمار الصناعية والتقارير الصحفية والأممية يؤكد أن الإبادة في السودان باتت اختبارًا أخلاقيًّا للمجتمع الدولي، واختبارًا سياسيًّا للديمقراطيات الغربية التي طالما رفعت شعار “عدم التسامح مع الجرائم ضد الإنسانية”.
تتبدّل الجغرافيا وتتغيّر الأسماء -من غزة إلى دارفور، ومن حلب إلى الخرطوم- لكن المشهد الإنساني يبقى هو ذاته: مدنيون يُقتلون، ودماء تُراق، وصمتٌ دوليٌّ يخيّم على المأساة كما لو كانت تتكرّر في حلقةٍ لا تنتهي.
المصدر: التيلغراف
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
