العرب في بريطانيا | كيف غطى الإعلام البريطاني تجدد العدوان الإسرائي...

1447 جمادى الأولى 25 | 16 نوفمبر 2025

كيف غطى الإعلام البريطاني تجدد العدوان الإسرائيلي على غزة؟

كيف غطى الإعلام البريطاني تجدد العدوان الإسرائيلي على غزة؟
عبلة قوفي October 19, 2025

شهدت الأوضاع في قطاع غزة تصعيدًا خطيرًا، بعدما شنّت قوات الاحتلال سلسلة من الغارات الجوية الدامية، وأعلنت وقف دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع “حتى إشعار آخر”، في خطوة تهدد بانهيار اتفاق وقف إطلاق النار الهشّ الذي تم التوصل إليه مؤخرًا بوساطة دولية. وجاء التصعيد عقب إعلان جيش الاحتلال مقتل جنديين في هجوم شنّته المقاومة، لتبدأ بعدها موجة من القصف الواسع الذي أسفر عن استشهاد العشرات من الفلسطينيين وأعاد إلى الأذهان مشاهد الدمار والمعاناة الإنسانية التي يعيشها القطاع منذ أكتوبر 2023.

كيف غطت الصحف البريطانية العدوان الجديد على غزة؟

نازحون فلسطينيون يملأون حاويات بمياه عذبة من صنبور عام في مخيم النصيرات للاجئين، حيث قُتل شخصان يوم الأحد.
(Photograph: Eyad Baba/AFP/Getty Images)

الغارديان

أبرزت الغارديان أن الغارات الإسرائيلية جاءت ردًّا على هجومٍ شنته حركة حماس وأسفر عن مقتل جنديين إسرائيليين، أحدهما ضابط. وفي المقابل، نقلت الصحيفة عن مسؤولين فلسطينيين أن العشرات من المدنيين لقوا حتفهم في الغارات الانتقامية التي استهدفت مناطق مختلفة من القطاع، ويشمل ذلك بيت لاهيا والزوايدة.

وركزت الصحيفة على أن القرار الإسرائيلي بوقف دخول المساعدات إلى غزة وغلق معبر رفح “حتى إشعار آخر” أثار انتقادات دولية واسعة النطاق، ولا سيما أن هذا الإجراء يأتي بعد أيام قليلة فقط من توقيع اتفاق هدنة في شرم الشيخ بوساطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. كما أشارت الصحيفة إلى أن الخلاف بشأن إعادة رفات 28 رهينة ما زال يشكل أحد أكثر الملفات حساسية بين حماس وإسرائيل، وأن التوتر المتصاعد بين الجانبين يهدد بتقويض الجهود الدولية الرامية إلى تثبيت الهدنة وتحسين الوضع الإنساني في القطاع.

وعلى ضوء ذلك، اتسمت تغطية الغارديان -كعادتها- بنبرةٍ حذرة تجمع بين نقل المواقف الرسمية الإسرائيلية وتوثيق ردود الفعل الفلسطينية والإنسانية. ومع ذلك، يظهر ميلٌ واضح نحو إبراز الجانب الإنساني للأزمة، إذ ركزت الصحيفة على حجم الخسائر في صفوف المدنيين والمخاطر التي تواجه سكان غزة نتيجة وقف المساعدات.

التايمز

جاءت تغطية صحيفة التايمز البريطانية لأحداث غزة الأخيرة في إطار يركز على السرد الأمني والعسكري، مع اعتماد واضح على الرواية الإسرائيلية الرسمية بوصفها مصدرًا رئيسًا للمعلومات، في مقابل تقديم محدود للموقف الفلسطيني.

وتُبرز الصحيفة في افتتاح تغطيتها أن إسرائيل شنت غارات على جنوب غزة بعد أن “استُهدفت قواتها بصواريخ من حماس”، وتستخدم لغة تؤكد “حق إسرائيل في الرد”، ما يعكس اتجاهًا مألوفًا في الصحافة البريطانية المحافظة نحو تبرير التحركات العسكرية الإسرائيلية تحت مظلة “الدفاع عن النفس”.

وتُظهر تغطية التايمز استمرارًا لنمط إعلامي بريطاني يميل إلى تبنّي الخطاب الإسرائيلي الرسمي وتهميش المعاناة الإنسانية للفلسطينيين. وبينما تُركّز الصحيفة على “التهديدات الأمنية” و”الردود العسكرية”، تغيب الإشارة إلى تأثير الغارات على المدنيين أو إلى الحصار المفروض على غزة الذي يُفاقم المأساة يومًا بعد يوم.

بي بي سي

تبدأ بي بي سي تغطيتها من رواية إسرائيلية صريحة باستخدام مصطلح “إرهابيين” دون علامات اقتباس أو توضيح مصدر الوصف، وهو ما يعكس تلقّي الرواية الإسرائيلية كما هي دون مساءلة لغوية أو تحليلية. كما أن الإشارة إلى “تفكيك البنية التحتية الإرهابية” تأتي بتعبيرات جيش الاحتلال نفسه، ما يُضفي شرعية ضمنية على القصف ويُقدّم الحرب بوصفها “عملية أمنية”.

ومع أن التغطية ذكرت عدد الضحايا (68 ألفًا)، فإنها تدرجه كمعلومة ثانوية دون إبراز الجانب الأخلاقي أو القانوني، حيث لا نجد أي وصف لمعاناة المدنيين أو لتدمير البنية التحتية في غزة، ولا أي إشارة للحصار الطويل أو الأوضاع الإنسانية المتدهورة، ما يُظهر انحيازًا ضمنيًّا إلى منطق “الرد” الإسرائيلي على “هجوم” مزعوم.

التلغراف

تتبنى التلغراف في تغطيتها للغارات الإسرائيلية على غزة نهجًا واضحًا يميل إلى الرواية العسكرية الإسرائيلية، مع اعتمادها شبه الكامل على مصادر من جيش الاحتلال ومسؤولين عسكريين دون إيراد موازٍ لمصادر فلسطينية مستقلة. فالمقال يبدأ بتأكيد أن “إسرائيل شنت غارات جوية جديدة عقب إطلاق نار من حماس”، ما يضع الحدث في إطار ردٍّ دفاعي إسرائيلي وليس تصعيدًا منفردًا، وهو ما يعكس الانحياز البنيوي في الخطاب الإعلامي الغربي عند تغطية الصراع.

وتكرر التلغراف اتهامات الجيش الإسرائيلي لحماس بأنها خرقت وقف إطلاق النار، مستخدمة عبارات مثل “انتهاك صارخ” و”هجمات متعددة ضد القوات الإسرائيلية”. هذا الخطاب يعزز فكرة أن إسرائيل هي الطرف الملتزم بالاتفاق وأن حماس هي من يقوض الهدنة، دون أن تشير الصحيفة إلى الضربات الإسرائيلية السابقة أو استمرار الحصار الذي يجعل الهدنة هشّة بطبيعتها.

وتُبرز الصحيفة بطريقة لافتة تصريحات وزير الأمن المتطرف إيتامار بن غفير، الذي دعا إلى “استئناف القتال الكامل وتدمير حماس”. إدراج هذه التصريحات دون تعليق أو تفنيد يساهم في تطبيع خطاب اليمين الإسرائيلي المتشدد داخل السردية الخبرية، وكأنه وجهة نظر مشروعة ضمن نقاش سياسي مشروع، لا دعوة للعنف الجماعي.

هذا ونرى أن تغطية الإعلام البريطاني للعدوان الجديد على غزة يعكس استمرار الانحياز الإعلامي الغربي ضد الفلسطينيين، حيث يُقدَّم الهجوم الإسرائيلي باعتباره دفاعًا مشروعًا، في حين تُختزل معاناة المدنيين في غزة في جمل عابرة. هذا النمط من التغطية يساهم في تزييف وعي الشارع البريطاني لحقيقة ما يجري في القطاع، ويغطي على جذور الأزمة المتمثلة في الاحتلال والحصار.

ونرى أن الإعلام الغربي مدعو إلى مراجعة معاييره الأخلاقية والمهنية في تغطية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، عبر منح مساحة كافية للأصوات الفلسطينية والاعتراف بسياق الاحتلال بدلًا من الاكتفاء بسردية “الدفاع عن النفس” التي تبرر القصف والتدمير.


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة