ما مشروع قانون التعليم الجديد في بريطانيا.. ولماذا يثير الجدل؟

تواجه حكومة كير ستارمر عاصفة من الانتقادات؛ بسبب مشروع قانون التعليم الجديد، الذي طرحته وزيرة التعليم بريدجيت فيليبسن، في ظل تحذيرات من أنه قد يكون “كارثيًّا” للأطفال المحرومين، ويهدد بتراجع أكثر من عقد من التقدم في النظام التعليمي البريطاني.
ورغم أن الحكومة تحاول طمأنة قادة قطاع التعليم بأنها تستمع إلى مخاوفهم، فإن الجدل لا يزال مشتعلًا، وبخاصة مع الهجوم الحاد الذي يشنه حزب المحافظين، واتهامهم الحكومة بتنفيذ “عمل تخريبي” ضد الأكاديميات والمدارس المستقلة. فهل الخلاف مجرد معركة سياسية، أم أن هناك قضايا حقيقية تستدعي إعادة النظر؟
مشروع قانون التعليم الجديد.. إصلاحات مثيرة للجدل
عندما قُدم مشروع قانون “رفاهية الأطفال والمدارس” في البرلمان في ديسمبر، ركزت الأنظار في البداية على الإجراءات المتعلقة بحماية الأطفال والرعاية الاجتماعية، لا سيما بعد قضية الطفلة سارة شريف، التي قُتلت بعد أربعة أشهر من سحبها من المدرسة لتلقي تعليم منزلي. وجاء القانون ليضع استجابة فورية عبر إنشاء سجلات محلية لمتابعة الأطفال غير الملتحقين بالمدارس، مع فرض رقابة مشددة على التعليم المنزلي.
لكن سرعان ما انتقل الجدل إلى الإصلاحات المتعلقة بالنظام المدرسي، والتي أثارت مخاوف واسعة النطاق، وبخاصة بين الأكاديميات التي كانت تستفيد من درجة عالية من الاستقلالية منذ عهد الحكومات السابقة.
أبرز التغييرات المقترحة تشمل:
• إلزام المعلمين الجدد بالحصول على “شهادة المعلم المؤهل” أو السعي للحصول عليها.
• فرض الالتزام بالمنهج الوطني على الأكاديميات، رغم أنه يخضع حاليًّا لمراجعة شاملة.
• منح المجالس المحلية سلطات أوسع في سياسات القبول المدرسي، ما قد يحدّ من استقلالية الأكاديميات في تحديد معاييرها الخاصة.
• إلغاء القاعدة التي تجبر المدارس المتعثرة تحت إدارة المجالس المحلية على التحول تلقائيًّا إلى أكاديميات.
ويخشى المعارضون من أن تؤدي هذه التعديلات إلى تقييد قدرة الأكاديميات على الابتكار وتحسين أداء المدارس، وهو ما كان يُعَد أحد أبرز إنجازات النظام التعليمي خلال العقد الماضي.
معركة سياسية في البرلمان
وقد استغل حزب المحافظين مشروع القانون لشنّ هجوم قوي ضد حكومة العمال، حيث خصصت زعيمة الحزب كيمي بادينوك وقتها في جلسة “مساءلة رئيس الوزراء” الأسبوع الماضي لمهاجمة كير ستارمر، ووصفت خطط الحكومة بأنها “عمل تخريبي” ضد الأكاديميات.
وفي جلسة البرلمان يوم الإثنين، هاجمت لورا تروت، وزيرة التعليم في حكومة الظل، ما وصفته بـ”السياسات الكارثية” في القانون، في حين أعرب النائب المحافظ نِك تيموثي عن مخاوفه بشأن تأثير الإصلاحات على المدارس المستقلة. حتى داخل حزب العمال، ظهرت أصوات معارضة، مثل النائبة المخضرمة دام سيوبهان مكدوناغ، التي اعتبرت أن مشروع القانون قد يحدّ من استقلالية الأكاديميات ويؤثر على معايير التعليم.
قطاع التعليم ينقسم بين الرفض والترحيب المشروط
وأبرز المعارضين من داخل قطاع التعليم كانت دام راشيل دي سوزا، مفوضة الأطفال في إنجلترا، التي انتقدت بشدة مقترحات الحكومة، محذرة من أنها “تقوّض السياسات الناجحة في المدارس”، وقد تتسبب في بقاء الطلاب لفترات أطول في مدارس متعثرة بسبب تباطؤ عمليات الإصلاح.
كذلك هاجمت كاثرين بيربل-سينغ، مؤسسة مدرسة ميكايلا المجتمعية، القانون، مؤكدة أنه “سيقوّض التقدم الهائل الذي تحقق خلال السنوات الخمس عشرة الماضية في تحسين فرص الأطفال المحرومين في جميع أنحاء إنجلترا”.
لكن في المقابل، يرى بعض قادة التعليم أن مشروع القانون يحمل بعض الإيجابيات، حتى وإن كان يفتقر إلى رؤية واضحة. وقال ستيف تشالك، مؤسس “أواسيس تشاريتابل ترست”، التي تدير 54 أكاديمية: “قطاع الأكاديميات ينظر إلى الأمور بسلبية مفرطة، بينما أرى أن هناك نقاطًا إيجابية يجب الاستفادة منها”.
أما أحد الرؤساء التنفيذيين لمؤسسة أكاديمية كبرى، فأعرب عن دعمه العام لأهداف القانون، لكنه وصفه بأنه “خليط غير متجانس من الإصلاحات”، مشيرًا إلى أن الحكومة كان يجب أن تحدد رؤية واضحة لمستقبل التعليم قبل تقديم مشروع القانون.
وأكد مسؤولون آخرون في القطاع أن هناك حاجة لمزيد من التشاور، مشيرين إلى أن الغضب الحالي نابع من شعور الأكاديميات بعدم إشراكها في صياغة الإصلاحات الجديدة.
ما الخطوة التالية للحكومة؟
تدرك الحكومة أن بعض بنود القانون لا تزال غير واضحة، وتسعى إلى طمأنة قادة الأكاديميات بأنها لن تتخلى عن دورهم في تحسين التعليم. لكنها في الوقت نفسه تؤكد أن النظام الحالي يعاني من مشكلات تتطلب التغيير، مستشهدة بإحصاءات مقلقة:
• ثلث الأطفال يغادرون المرحلة الابتدائية دون إتقان مهارات القراءة والكتابة والرياضيات الأساسية.
• الفجوة بين الأطفال المحرومين وأقرانهم الأوفر حظًّا تتسع باستمرار.
• أكثر من خُمس الطلاب يتغيبون عن المدرسة يومًا واحدًا على الأقل كل أسبوعين.
• هناك أكثر من 800 أكاديمية صُنّفت على أنها “غير ملائمة” وفق تقييم أوفستد، و39 مدرسة عالقة في عملية التحول إلى أكاديميات منذ أكثر من عام.
ومع استمرار الجدل، تبدو الحكومة مضطرة لإجراء تعديلات على مشروع القانون لاستيعاب المخاوف المطروحة، في ظل تزايد الضغط من قطاع التعليم والمعارضة السياسية. فهل ستتمكن الحكومة من تحقيق التوازن بين الإصلاح وضمان استقلالية المدارس، أم أن التعديلات الجديدة ستؤدي إلى أزمة أعمق في نظام التعليم البريطاني؟
المصدر: الغارديان
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇