ما الذي يحمله اتفاق التعرفة الجمركية بين لندن وواشنطن؟

توصلت بريطانيا والولايات المتحدة إلى اتفاق جديد بشأن الرسوم الجمركية المفروضة على بعض السلع المتبادلة بين البلدين.
هذا الاتفاق جاء بعد أعوام من التوتر الجمركي الذي بدأ إبان ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي فرض رسومًا جمركية شاملة بنسبة 10 في المئة على واردات العديد من الدول، ومنها بريطانيا.
إلا أن الاتفاق الجديد خفَّض أو أزال الرسوم على بعض الصادرات البريطانية، مثل السيارات والفولاذ والألمنيوم.
اتفاق جزئي وليس اتفاقية تجارة حرة
على الرغم من إعلان ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي بأن الاتفاق يمثل “اتفاقية تجارية كبرى”، فإن الواقع القانوني والسياسي يكشف عكس ذلك.
فالاتفاق لا يُعد اتفاقية تجارة حرة بالمعنى الكامل، إذ لا يملك ترامب الصلاحية لتوقيع اتفاقيات من هذا النوع دون موافقة الكونغرس الأمريكي.
ويبدو أن ما تحقق حتى الآن هو اتفاق جزئي لتخفيف أو إلغاء بعض الرسوم على سلع محددة، مع الإشارة إلى أن الإجراءات القانونية واستكمال تفاصيل الاتفاق قد تستغرق عدة أشهر من التفاوض.
تخفيض رسوم السيارات إلى 10 في المئة
من أبرز بنود الاتفاق تخفيض الرسوم الجمركية على السيارات وقطع غيارها البريطانية المصدرة إلى الولايات المتحدة. إذ كانت تخضع لرسوم بنسبة 25 في المئة، إضافة إلى نسبة 2.5 في المئة، لتصبح الآن 10 في المئة فقط لأول 100 ألف سيارة تُصدر سنويًّا، وهو رقم يعادل تقريبًا حجم صادرات بريطانيا من السيارات إلى السوق الأمريكية العام الماضي. إلا أن أي صادرات تتجاوز هذا الحد ستخضع لرسوم تصل إلى 27.5 في المئة.
وتُعد صناعة السيارات من أكبر القطاعات التصديرية البريطانية إلى الولايات المتحدة، بقيمة بلغت نحو 9 مليارات باوند العام الماضي.
وقد رحبت شركات مثل “جاكوار لاند روفر”، التي تصدر نحو ربع إنتاجها إلى السوق الأمريكية، بالاتفاق، واصفة إياه بأنه “يوفر قدرًا أكبر من الاستقرار للقطاع”. ومع ذلك، عبّر بعض قادة الصناعة عن قلقهم من أن تحديد سقف سنوي قد يقيّد فرص التوسع التصديري مستقبلًا.
ومن ناحية أخرى، لا يزال موقف بريطانيا من الرسوم المفروضة على واردات السيارات الأمريكية غير واضح، إذ تفرض لندن حاليًّا ضريبة بنسبة 10 في المئة، وكانت واشنطن تطالب بخفضها إلى 2.5 في المئة.
وقد أشارت وزيرة المالية البريطانية، رايتشل ريفز، إلى انفتاحها على هذا الطرح، دون تقديم التزام واضح حتى الآن. وضمن الاتفاق أيضًا، أُعفِيت محركات رولز-رويس وقطع غيار الطائرات البريطانية من الرسوم الجمركية عند دخولها السوق الأمريكية.
إلغاء الرسوم على الصلب والألومنيوم
من النقاط المهمة الأخرى، إلغاء الرسوم الجمركية التي بلغت 25 في المئة على واردات الصلب والألومنيوم إلى الولايات المتحدة، والتي كانت قد فُرضت منذ آذار/مارس.
وتمثل هذه الخطوة خبرًا سارًّا لشركات مثل “بريتيش ستيل”، التي واجهت صعوبات مالية كبيرة وكانت تحت إشراف حكومي. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة ستُبقي على نظام الحصص المعقد الذي يحدد كمية المنتجات التي يمكن تصديرها دون رسوم إضافية، وهو ما يثير تساؤلات عن حجم الفائدة الفعلية من هذا الإعفاء.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان الإعفاء يشمل المنتجات المشتقة من الصلب والألومنيوم، وكذلك ما إذا كانت الفائدة ستقتصر فقط على الصلب المُذاب والمُصنّع داخل بريطانيا.
ومع أن صادرات بريطانيا من الصلب والألومنيوم إلى الولايات المتحدة لا تتجاوز 700 مليون باوند سنويًّا، فإن المنتجات المصنعة باستخدام هذه المعادن -مثل معدات الرياضة والأثاث والآلات- تصل قيمتها إلى نحو 2.2 مليار باوند، أي ما يمثل 5 في المئة من إجمالي الصادرات البريطانية لأمريكا.
من جهتها حذرت منظمة “ستيل يو كيه” من أن الشركات لن تستفيد فعليًّا من الاتفاق ما لم تُوضَّح شروط سلاسل التوريد، وتفاصيل الحصص، وتوقيت بدء تطبيق هذه التعديلات.
الغموض يحيط بصادرات الأدوية
مع أن قطاع الأدوية يمثل ثاني أكبر صادرات بريطانيا إلى الولايات المتحدة، بقيمة بلغت 6.6 مليارات باوند في العام الماضي، فلم يتضمن الاتفاق تفاصيل محددة بشأنه. وأشارت السلطات البريطانية إلى أن العمل لا يزال جاريًا بشأن هذا الملف وبشأن ما تبقى من الرسوم المتبادلة.
وأعلنت واشنطن أن البلدين سيبدآن مفاوضات فورية تستهدف منح “معاملة تفضيلية كبيرة” للأدوية.
وعلى جانب آخر، تُعد الولايات المتحدة أيضًا من أبرز المصدرين للأدوية إلى بريطانيا، بقيمة وصلت إلى 4 مليارات باوند العام الماضي.
ولا تفرض معظم الدول، ومنها الولايات المتحدة، رسومًا جمركية تُذكر على الأدوية الجاهزة، وذلك ضمن التزام عالمي للحفاظ على تكلفة الأدوية في متناول الجميع. ولم يُعلن الرئيس الأمريكي أي قيود تجارية على الأدوية حتى الآن.
الخلاف مستمر على ضريبة الخدمات الرقمية
لم يشهد الاتفاق أي تقدم بشأن ضريبة الخدمات الرقمية البريطانية التي تبلغ 2 في المئة، وتُفرض على الشركات التي تتجاوز عائداتها العالمية 500 مليون باوند، منها 25 مليونًا على الأقل من مستخدمين في بريطانيا. وهذه الشروط تنطبق على شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى مثل “ميتا”، و”غوغل” و”آبل”، وهو ما أثار استياء واشنطن.
وقد حققت بريطانيا نحو 360 مليون باوند من هذه الشركات في السنة الأولى لتطبيق الضريبة. وأكدت الحكومة البريطانية التزامها بالعمل لإبرام “اتفاقية رقمية”، لكن الإدارة الأمريكية وصفت موقف لندن بأنه “مخيّب للآمال”، واعتبرت الضريبة “تمييزية وغير مبررة ويجب إلغاؤها فورًا”.
عدم التنازل عن معايير الغذاء
وفيما يتعلق بالمنتجات الغذائية، أُعلِن رفع الحصة الخاصة بصادرات لحوم الأبقار الأمريكية إلى بريطانيا من ألف إلى 13 ألف طن متري سنويًّا، وإلغاء الرسوم التي كانت تبلغ 20 في المئة، وفي المقابل، حصلت بريطانيا على حصة مماثلة بأسعار تفضيلية.
لكن الحكومة البريطانية نبّهت إلى أن هذا التوسع في الحصص لن يؤثر على معايير الغذاء الوطنية، وأكدت أن اللحوم المعالجة بهرمونات النمو -وهي ممارسة شائعة في أمريكا ومحظورة في بريطانيا منذ الثمانينيات- ستبقى ممنوعة.
ورفضت بريطانيا أيضًا أي محاولات أمريكية لتخفيف القيود على المنتجات الزراعية الأخرى، وهو ما يعكس التزامها بمواكبة السياسات الأوروبية في هذا المجال، وبخاصة مع الحديث عن “إعادة ضبط العلاقة مع الاتحاد الأوروبي” بعد البريكست.
وشمل الاتفاق أيضًا إلغاء الرسوم على الإيثانول الأمريكي الداخل إلى بريطانيا، وهي خطوة أثارت قلق الاتحاد الوطني للمزارعين البريطانيين، الذين عبّروا عن خشيتهم من تأثير ذلك على مزارعي الحبوب المحليين.
المصدر: بي بي سي
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇