العرب في بريطانيا | لماذا يطول الابتلاء رغم الصبر والدعاء؟

1446 ذو القعدة 1 | 29 أبريل 2025

لماذا يطول الابتلاء رغم الصبر والدعاء؟

لماذا يطول الابتلاء رغم الصبر والدعاء؟
أحمد الشيبة النعيمي April 2, 2025

هل تساءلت يومًا: لماذا يطول البلاء أحيانًا رغم الدعاء والصبر والرجاء؟ لماذا يبدو الفرج بعيدًا، وكأن السماء تمسك الغيث عمدًا؟ لماذا يشتد الليل ويغيب النور؟

هذه الأسئلة تتردد كثيرًا على ألسنة الصادقين، خاصة حين يطول الأذى، ويستمر الظلم، ويُستنزف الصبر.

ونحن اليوم أمام مأساة مستمرة في غزة، حيث يذوق أهلها أشد أنواع البلاء: حصار، جوع، قصف، قتل، فقد، وتشريد. ومع كل ذلك، يبقى السؤال حاضرًا: لماذا طال الابتلاء؟

الابتلاء: سنة إلهية للتمحيص والتمييز

الابتلاء ليس عشوائيًا، بل هو سُنَّة إلهية لاختبار الإيمان وتمحيص القلوب، كما قال الله تعالى:
“أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ” [العنكبوت: 2].

إنه ميزانٌ دقيق يُميّز بين الصادق والمنافق، وبين الثابت والمهتز، وبين من يثق بالله ومن يتزعزع عند أول اختبار، قال تعالى:

“وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ” [محمد: 31].

وقد طالت الابتلاءات بالأنبياء وأتباعهم، ليس لأنهم مذنبون، بل لأنهم مصطفَون وممتحَنون، كما قال النبي ﷺ:

“أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل” [رواه الترمذي].

تمحيص القلوب وتصنيف الأمة

قال الإمام ابن القيم رحمه الله:

“البلاء يُظهر للعبد حقيقة نفسه، وما كان مستورًا فيها من مرض أو صحة، قوة أو ضعف، صدق أو كذب”.

في طول البلاء، تتكشف النفوس:

• مَن يزداد إيمانه وصبره ويقينه بالله.
• ومن يضعف ويقنط، بل قد يرتد عن دينه إن كان فيه شك دفين.

قال الله تعالى:

“مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ” [آل عمران: 179].

غزة… مدرسة الثبات في وجه القهر

عندما تنظر إلى غزة، ترى شعبًا صامدًا، قويًا، شامخًا في وجه أعتى آلة دمار:
• يصومون تحت القصف.
• يصلّون تحت الأنقاض.
• يودّعون أبناءهم وهم يرددون: “حسبنا الله ونعم الوكيل”.

هذا الثبات ليس صدفة، بل هو نتيجة الإيمان العميق والصبر الطويل واليقين الثابت. الله يُخرِج من هذه المحنة نماذج بشرية لا تُقهر، ليكونوا حُجة على العالم بأن الحق لا يموت، وأن الأمة لم تُسلم الراية بعد.

وعد الله آتٍ، وإن طال الطريق

قد يطول البلاء، لكن وعد الله لا يُخلف. قال تعالى:

“حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا” [يوسف: 110].

إن النصر يأتي في اللحظة التي يظن فيها الناس أن لا أمل، وهنا تظهر الحكمة الإلهية:
• ليتعلق القلب بالله وحده، لا بالأسباب البشرية.
• ليزداد الإيمان والثقة بوعد الله.

دعوة للثبات وتجديد الثقة بالله

ما يحدث اليوم في غزة هو امتحان للأمة بأكملها، وليس لغزة وحدها. إنه اختبار لقلوبنا جميعًا:

✅ هل نثق بوعد الله؟
✅ هل نثبت على الدعاء رغم طول المحنة؟
✅ هل نستمر في العطاء والبذل؟
✅ هل نبحث عن بدائل جديدة لمواجهة الظلم؟
✅ هل نُحسن الظن بالله ونوقن أن الفرج قريب؟

قال ابن تيمية رحمه الله:

“إذا انقطع الرجاء من الخلق، تعلق القلب بالله وحده، وهذه هي الغاية التي يريدها الله من عباده”.

طول الابتلاء لا يعني غياب الرحمة

إن طول البلاء لا يعني أن الله غافل، بل هو جزء من إعداد الأمة لحمل الأمانة. الأمة تحتاج إلى تصفية، تنقية، اختبار، تمحيص، حتى يخرج منها جيل قوي، ثابت، مؤمن، قادر على تحقيق النصر والتمكين.

ما يحدث في غزة ليس مجرد معاناة، بل هو درس عظيم، وصحوة للأمة، وتذكير بأن طريق النصر محفوف بالابتلاء. ولكن الفرج قادم لا محالة، ولكن وفق ميزان الله، لا بميزان العجلة البشرية.

قال تعالى:

“وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” [يوسف: 21].


اقرأ أيضًا :

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
3:18 pm, Apr 29, 2025
temperature icon 22°C
few clouds
Humidity 39 %
Pressure 1025 mb
Wind 17 mph
Wind Gust Wind Gust: 0 mph
Clouds Clouds: 19%
Visibility Visibility: 10 km
Sunrise Sunrise: 5:35 am
Sunset Sunset: 8:19 pm