لماذا يزدهر اليمين المتطرف في أوروبا ويتراجع في بريطانيا؟

من الأفكار الثابتة والمقررة لدى البريطانيين الموالين لأوروبا أنه لطالما كانت أوروبا مرتبطة جدًّا بالأحزاب والسياسات اليسارية، وأنه بمغادرة الاتحاد الأوروبي، أظهرت بريطانيا طبيعتها الرجعية والمتخلفة التي لا تتغير.
ولكن صورة أوروبا المحبوبة لدى البريطانيين بوصفها مساحة آمنة للسياسة اليسارية فقط غير حقيقية!
وبحسَب ما أظهره تحليل موجز للانتخابات الأوروبية الأخيرة والحكومات الحالية، فإن الأمر بخلاف ما هو شائع؛ لأن اليمين المتطرف يزدهر يومًا بعد يوم في أنحاء أوروبا كافة. وفي الوقت ذاته، يبدو أن الأحزاب الديمقراطية والاجتماعية القوية، التي هيمنت على القارة في وقت مضى، في حالة سبات، إن لم تكن تواجه شبح الزوال نهائيًّا. ولكن في بريطانيا فقط ثمة حزب يساري يستعد لتولي السلطة.
تراجع اليمين المتطرف في بريطانيا وازدهاره في أوروبا
قبل أيام كانت إسبانيا خارجة عن هذا الاتجاه، حيث قبض حزب العمال الاشتراكي في عهد رئيس الوزراء بيدرو سانشيز بقوة على زمام الحكم على مدى السنوات الخمس الماضية، في ائتلاف مع حزب بوديموس الشعبي اليساري المتطرف.
لكن الانتخابات الإقليمية والبلدية الإسبانية يوم الأحد وجهت ضربة قوية لليسار، حيث سجل حزب الشعب من يمين الوسط (PP) ما وصفته صحيفة الغارديان بأنه “فوز مؤكد” وهو في طريقه إلى حكم جميع المناطق في إسبانيا، المقدرة بـ17 منطقة، باستثناء ثلاث مناطق، على الرغم من أنه سيعتمد في بعضها على حزب فوكس اليميني المتطرف للاحتفاظ بأغلبية الأصوات. وها هي الانتخابات تُنذر بإجراء انتخابات عامة في ديسمبر، ويتوقع منظمو استطلاعات الرأي أنها ستطرد حزب العمال الاشتراكي من الحكومة الوطنية في مدريد.
🇪🇸#Spain, regional elections results:
Ciudadanos results in each autonomous community compared to last election.
Valencia: -16
Aragon: -15,4
Asturias: -13,1
La Rioja: -10,6
Murcia: -10,5
CLM: -10,4
Extremadura: -10,2
Baleares: -8,6
Canary: -7
Cantabria: -5,6
Madrid: -2 pic.twitter.com/RWj4SXex0r— World Elects (@ElectsWorld) May 29, 2023
وجاءت استطلاعات الرأي الإسبانية في أعقاب الانتخابات العامة في اليونان في وقت سابق من هذا الشهر، حيث تحدى حزب الديمقراطية الجديدة المحافظ بزعامة رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس منظمي استطلاعات الرأي وهزم حزبَي المعارضة اليسارية سيريزيا (Syrizia) وباسوك (Pasok). وعلى الرغم من إخفاق ميتسوتاكيس في الفوز بأغلبية مطلقة، فمن المرجح أن يطالب بإجراء انتخابات جديدة هذا الصيف، وهذه الانتخابات في الغالب ستثبته في السلطة.
يؤكد انتصار ميتسوتاكيس أن معظم اليونانيين يفضِّلون الاستقرار الحازم الذي يقدمه على الفوضى الاقتصادية القاتمة التي ترأّسها حزب سيريزيا اليساري المتطرف في ظل الحكم الفوضوي لزعيمه أليكسيس تسيبراس من عام 2015 إلى 2019.
وما أثار رعب زعماء الاتحاد الأوروبي، أن الحزب الذي وصفوه بأنه يميني متطرف بسبب أصوله الفاشية الجديدة، إخوان إيطاليا (The Brothers of Italy)، أطاح بالتكنوقراط العميل ماريو دراجي، وفاز فوزًا حاسمًا في الانتخابات العامة في أكتوبر الماضي تحت قيادة زعيمته ذات الكاريزما جيورجيا ميلوني. وهي امرأة من الطبقة العاملة لا تخشى الدفاع عن القيم التقليدية والوطنية غير المرحب بها بين النخبة في بروكسل.
ومنذ فوز ميلوني بمنصب رئاسة الوزراء، حكمت في ائتلاف مع عصبة ماتيو سالفيني الشعبي وحزب فورزا إيطاليا (Forza Italia) لرئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني، ما أعطى إيطاليا جرعةَ استقرار غير مألوفة ومُرَحبًا بها في الوقت نفسه. ولم يكن لدى اليسار الإيطالي القوي أجوبة عن سر جاذبية ميلوني بين الطليان.
وفي أوروبا الشرقية، يترأس فيكتور أوربان غير المحبوب حكومة مجرية يديرها حزبه فيدس (Fidesz)، وهذه الحكومة تحولت من أيديولوجية السوق الحرة الليبرالية إلى حركة استبدادية غير ليبرالية في تحد صريح لعُرف الاتحاد الأوروبي.
وبالمثل، حذا حزب القانون والعدالة (Law and Justice Party) القومي الحاكم في بولندا، الذي يسيطر على البرلمان والحكومة في البلاد، حذو كل من أوربان وميلوني بتبني سياسات مؤيدة للأسرة ومناهضة للهجرة في تحد صارخ لروح الاتحاد الأوروبي العلمانية واليسارية الليبرالية.
وعندما نأتي إلى الدول الاسكندنافية فإن السويد، التي كانت لوقت طويل نموذجًا لمجتمع ديمقراطي اجتماعي مثالي، تحكمها الآن حكومة أقلية يمينية برئاسة الحزب المعتدل (Moderate Party)، الذي يعتمد في بقائه على دعم الديمقراطيين السويديين، الذين كانوا ينتمون سابقًا إلى اليمين المتطرف.
حتى في هولندا التي يفترض أنها دولة ليبرالية، اهتز الائتلاف الحاكم برئاسة رئيس الوزراء المؤيد للاتحاد الأوروبي مارك روته في مارس؛ بسبب النجاح الانتخابي لحركة (BBB) الشعبية، التي أسسها مزارعون غاضبون من خطط روته الاستبدادية للاستيلاء على أراضيهم خضوعًا لقرارات الاتحاد الأوروبي الخاصة بالحد من النيتروجين في التربة. وتسيطر (BBB) الآن على عدد كافٍ من المقاعد في مجلس الشيوخ الهولندي، وتعمل على إحباط مخططات روته وبروكسل.
وبالنسبة إلى فرنسا وألمانيا، يعاني اليسار أيضًا من مشكلات كبيرة، حيث أصبح ائتلاف الإشارة الضوئية (traffic light coalition) في برلين، المؤلف من الحزب الديمقراطي الاجتماعي والحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر بقيادة أولاف شولتز، غير محبوب بشكل متزايد بين الألمان بسبب الأزمة الاقتصادية المتصاعدة. وبعد هزيمته أمام حزب الديمقراطيين المسيحيين من يمين الوسط في استطلاعات الرأي الإقليمية، أخفق ائتلاف الإشارة الضوئية في كبح صعود حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف، الذي حاز نسبة 18 في المئة في استطلاعات الرأي الأخيرة.
وفي فرنسا، يقضي الرئيس إيمانويل ماكرون الذي لا يحظى بشعبية كبيرة ولايته الأخيرة في السلطة. وكلا الحزبين التقليديين لليمين الوسط واليسار الوسط في فرنسا -والجمهوريون والاشتراكيون- قد انحسرا إلى أقصى اليمين وأقصى اليسار بسبب حزب مارين لوبان الفرنسي وحزب جان لوك ميلينشون فرانس أونبويد.
ومع ذلك، يبقى اليمين الأوروبي منقسمًا في مواقفه تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا. على سبيل المثال: يشترك في معارضة الهجرة والعداء ضد المهاجرين في المقام الأول، والتشكيك المحافظ في الأفكار التي استيقظت أثناء الحروب الثقافية.
يُذكَر أن الأحزاب الفاشية الجديدة في فرنسا وإيطاليا والسويد قد عدّلت سياساتها، ورسمت صورها الخاصة؛ في محاولة ناجحة إلى حد كبير لإبعاد العنصرية المجردة وجذب جمهور الناخبين.
وإذا تولى حزب العمال السلطة في بريطانيا العام المقبل، فسوف يقف عكس التيار اليميني الذي يجتاح أوروبا!
اقرأ أيضًا:
بريطانيا تمنع دخول المتطرف الدنماركي الذي هدد بحرق القرآن الكريم
تقرير في بريطانيا يدعو الحكومة للتركيز على “الإرهاب الإسلامي” بدل “الإرهاب اليميني المتطرف”!
متطرفو اليمين في أوروبا يحتفون بقانون الهجرة الجديد في بريطانيا
الرابط المختصر هنا ⬇
https://alarabinuk.com/?p=90809