صنداي تايمز: تسريبات استخباراتية تكشف الرعب في سوريا
حصلت صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية على وثائق استخبارية سرية تكشف النقاب عن نظام أمني مرعب أقامه بشار الأسد في سوريا، مستلهمًا أساليب جهاز المخابرات في ألمانيا الشرقية “شتازي”. وتُظهر الوثائق كيف تحولت سوريا إلى دولة بوليسية حيث تغلغل التجسس في المجتمع ضاربًا أطنابه حتى داخل العائلة الواحدة، فكان مجرد الشك اليسير سببًا كافيًا لزجّ المواطنين العاديين -ويشمل ذلك الأطفال- في غياهب شبكة من السجون المعروفة بممارسات التعذيب وتنفيذ الإعدامات.
صنداي تايمز تحصل على وثائق تكشف أسرار النظام
تفصح آلاف الملفات، المكتوبة بخط اليد أو المطبوعة باللغة العربية والتي حصلت عليها صنداي تايمز، عن كيفية اختراق النظام لمجموعات المعارضة منذ بداية الثورة في عام 2011. وتكشف تفاصيل عن شبكة المخبرين الواسعة التي كانت ترفع تقاريرها للنظام، وكيف أجبرت الأجهزة الأمنية المعتقلين على الإدلاء بأسماء متعاونين مزعومين.
وذكرت صحيفة “صنداي تايمز” أنه في كانون الأول/ديسمبر الحالي، منحها مقاتلو هيئة تحرير الشام، التي أصبحت الآن الحاكم الفعلي لسوريا، حق الوصول إلى أربع قواعد استخبارية في مدينة حمص.
وكشفت الوثائق عن حالة الارتباك والشك المستمر التي سيطرت على الأجهزة الأمنية السورية، إذ كانت تتعامل بريبة حتى مع عملائها السريين؛ خشية أن يكونوا جواسيس مزدوجين. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل امتد نظام المراقبة المتبادلة ليشمل المخبرين أنفسهم من مختلف الأجهزة الأمنية، كما طال التحقيق كثيرين حتى الأطفال الذين يُشتبه في عدم ولائهم للنظام.
وفي محاولة لإخفاء جرائمها، حاولت الأجهزة الأمنية حرق سجلاتها قبل انسحابها. لكنها لم تُفلِح في تدمير كل الأدلة، إذ بقيت عشرات الآلاف من الملفات سليمة لتروي العديد من الأسرار عن حكم سلالة الأسد.
التعذيب والاعترافات
وفقًا لمعتقلين سابقين وتقارير منظمة العفو الدولية، اتبعت السلطات السابقة في مسألة اعتقال السجناء السياسيين في سوريا نمطًا ثابتًا يبدأ بـ”حفلة ترحيب” -ضرب المعتقل في طريقه إلى السجن- ثم الحبس الانفرادي والاستجوابات المتكررة.
وكشف رشيد الأبرش، وهو معتقل سابق يعمل مع “صنداي تايمز”، عن أدوات التعذيب في فرع المخابرات العسكرية بحمص، منها صندوق صغير مزود بسلكين نحاسيين لتوجيه الصدمات الكهربائية.
ولم يسلم أحد من قمع النظام حتى الأطفال. ففي ربيع العام الماضي، وثقت السجلات اعتقال صبي يبلغ من العمر 12 عامًا لمجرد تمزيقه ورقة تحمل صورة الرئيس. وعلى الرغم من تأكيد معلمه أن الطالب “هادئ وحسن السلوك”، وعدم وجود نشاط معارض في سجل عائلته، أحيل للمحاكمة بعد أربعة أيام من الحادثة.
شبكة المخبرين: “العصافير” في كل مكان!
كشفت الوثائق المسربة من مقرات المخابرات في حمص تفاصيل مثيرة عن شبكة المخبرين أو ما عُرف شعبيًّا باسم “العصافير” في سوريا. وأظهرت السجلات المكتشفة حجم تغلغل هؤلاء المخبرين في النسيج الاجتماعي السوري، حيث لم تقتصر مهمتهم على مراقبة المعارضين فحسب، بل امتدت لتشمل مراقبة المواطنين العاديين وتتبع تحركاتهم اليومية.
وتنوعت أساليب النظام في تجنيد “العصافير”، فمنهم من تطوع طمعًا في امتيازات مادية ومعنوية، وآخرون أُجبروا على التعاون تحت التهديد والابتزار، فيما استغل النظام الظروف المعيشية الصعبة لفئة ثالثة لتجنيدها في صفوفه. وكشفت إحدى الوثائق عن تقرير مخبِرة من الطبقة المتوسطة كتبت فيه: “آمل أن يكون عملي مفيدًا للوطن وبخاصة رئيسه”، مشيرة إلى أن لديها مصدرًا في حركة المعارضة يزودها بـ”معلومات قيمة عن الإرهابيين”.
وأظهرت الوثائق أن بعض المخبرين كانوا يتجسسون على بعضهم دون علمهم، ما يعكس حالة عدم الثقة المطلقة التي زرعها النظام حتى بين عملائه. وتسببت هذه الشبكة في تفكيك نسيج المجتمع السوري، فانهارت الثقة بين الجيران والأصدقاء، حتى داخل العائلة الواحدة. وتحولت الأحياء السكنية إلى ساحات للشك والريبة، حيث كان المخبرون يراقبون كل صغيرة وكبيرة، من زيارات الأقارب إلى المحادثات العابرة في الشارع.
ودفع بعض المخبرين ثمنًا باهظًا لتعاونهم مع النظام، حيث تعرض من كُشف أمره للتصفية على يد المعارضة المسلحة. وتشير الوثائق إلى حالات عديدة قُتل فيها مخبرون بعد اكتشاف هُويتهم، فيما اضطر آخرون للفرار من مناطقهم خوفًا على حياتهم.
العملاء المزدوجون
كشفت وثائق صنداي تايمز السرية التي عُثر عليها في مقرات المخابرات بحمص عن شبكة معقدة من العملاء المزدوجين الذين أدّوا دورًا خطيرًا في الصراع السوري. وبرز من بينهم مخبر تحول إلى رأس شبكة لتهريب البشر، محققًا ثروة طائلة من معاناة السوريين.
ووفقًا لتقرير مصنف بأنه “سري للغاية” صدر في عام 2019، كان هذا المخبر يتقاضى ما بين 800 و1000 دولار عن كل شخص يهربه من المناطق المحاصرة. ومع أنه كان موظفًا حكوميًّا، فلم يكن يداوم في عمله مطلقًا، مع استمراره في تقاضي راتبه الشهري.
ولم يكتفِ المخبر بذلك، بل طور شبكة معقدة من العلاقات مع ضباط فاسدين في أجهزة النظام، ما مكنه من تهريب مدنيين من أحياء المعارضة إلى مناطق النظام، ومن ثم إلى دول الجوار. وامتدت خدماته لتشمل تهريب جنود من جيش النظام الراغبين في الفرار.
لكن الأخطر من ذلك كان لعبه على الحبلين، إذ كشفت التحقيقات أنه كان يزود المعارضة المسلحة بمعلومات عن مخبرين للنظام، ما أدى إلى تصفية العديد منهم، ومنهم إمام مسجد محلي. وكان هدفه من ذلك ضمان بقائه المصدر الوحيد للمعلومات ومنع كشف أنشطته غير المشروعة.
وتُبرِز هذه القصة نموذجًا من نماذج الفساد والانتهازية التي نخرت جسد الدولة السورية، حيث استغل بعض الناس مواقعهم للإثراء على حساب معاناة مواطنيهم، في حين استخدم آخرون اللعب المزدوج بوصفه وسيلة للبقاء وسط الصراع المحتدم.
مستقبل غامض ومحاسبة منتظرة
في الوقت الذي لا تزال فيه سوريا تتعافى من انهيار نظام الأسد، تحدث مسؤولو هيئة تحرير الشام وحلفاؤهم السياسيون عن نيتهم تقديم المسؤولين عن جرائم النظام للعدالة.
وفي مقابلة مع “صنداي تايمز” في طرطوس، أكد أنس عيروط، المحافظ المؤقت المرتبط بهيئة تحرير الشام، أن شخصيات النظام البارزة ستُحاسَب، منبّهًا إلى ضرورة توفر “أدلة ملموسة” قبل تقديم أي شخص للمحاكمة.
هذا وتشكل الوثائق المكتشفة في مقرات المخابرات بحمص أدلة دامغة قد تحدد مصير المسؤولين عن هذه الجرائم. فمن خلال حرصهم على التوثيق البيروقراطي الدقيق، كتب جواسيس الأسد بأيديهم الأدلة التي قد تقودهم إلى السجن.
المصدر: صنداي تايمز
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇