العرب في بريطانيا | سوريّو اسكتلندا: وطننا الأول انتصر.. لكننا بنين...

1446 رمضان 22 | 22 مارس 2025

سوريّو اسكتلندا: وطننا الأول انتصر.. لكننا بنينا حياتنا هنا

WhatsApp Image 2025-03-05 at 9.57.00 AM
شروق طه March 5, 2025

قبل أكثر من عشر سنوات، اضطر مئات الآلاف من السوريين إلى مغادرة وطنهم هربًا من أهوال الحرب الأهلية التي اندلعت عام 2011.

وبينما لجأ كثيرون إلى الدول المجاورة، وجد بعضهم أنفسهم في أماكن لم يتخيلوا يومًا أنهم سيعيشون فيها، من بينها جزيرة بوت الصغيرة قبالة الساحل الغربي لاسكتلندا.

في هذه الجزيرة الهادئة، التي لم يكن معظمهم قد سمع بها من قبل، بنى اللاجئون السوريون حياة جديدة، وأسسوا أعمالًا ناجحة، وأصبحوا جزءًا لا يتجزأ من المجتمع المحلي.

وعلى الرغم من سقوط نظام بشار الأسد العام الماضي، مما فتح الباب أمام احتمالات العودة، إلا أن كثيرين منهم يرون أن حياتهم أصبحت هنا، في هذه الجزيرة.

الرحلة إلى بوت: بداية جديدة في أرض غير مألوفة

منذر درساني يفكر في العودة إلى سوريا لأول مرة منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011في ديسمبر 2015، وصلت أول دفعة من اللاجئين السوريين إلى بلدة روثيساي، أكبر مستوطنة في جزيرة بوت، حيث استقبلتهم أمطار شتوية باردة، لكن قلوب السكان المحليين كانت أكثر دفئًا، على حد وصفهم.

مُنذر درساني، أحد أوائل الوافدين إلى الجزيرة، غادر دمشق عام 2011 تاركًا خلفه صالونه للحلاقة “أورينت صالون”، الذي كان مصدر رزقه الوحيد.

لم يكن يتحدث من الإنجليزية سوى بضع كلمات، ولم يكن حتى يعرف معنى “جزيرة”، لكنه سرعان ما اندمج في المجتمع المحلي، حيث ساعده السكان على الاستقرار وإعادة بناء حياته. واليوم، يدير مُنذر صالوني حلاقة، أحدهما في بوت والآخر في بلدة غرينوك على البر الرئيسي.

يقول منذر: “عندما وصلت إلى هنا، كنت ما زلت أحمل صدمة الحرب. رأيت أناسًا يموتون بلا سبب، وعشت ظروفًا صعبة. لكن الناس هنا ساعدوني، والآن أشعر أن لدي عائلة جديدة.”

حياة جديدة.. وأطفال لا يعرفون سوريا

نشأ أبناء يوسف جاد ولورين وتيم في جزيرة بوت

لم يكن منذر وحده من أعاد بناء حياته في بوت، فقد استقر أيضًا في الجزيرة يوسف النجار، الذي فرّ من حلب عام 2017 مع زوجته وابنه تيم، وأصبح يعمل طاهيًا.

منذ وصوله، أنجب طفلين آخرين، جاد ولورين، وكلاهما وُلدا في اسكتلندا ولم يعرفا وطن والديهما إلا من خلال الحكايات والصور.

يقول يوسف: “أطفالي سعداء هنا. نشأوا في بوت، ويتعلمون في مدارسها، وجميع أصدقائهم اسكتلنديون. بالنسبة لهم، هذا هو وطنهم.”

وعلى الرغم من أن بعض العائلات السورية قررت الانتقال إلى مناطق أخرى مثل غلاسكو وإنفيركلايد، إلا أن نحو 35 شخصًا فضّلوا البقاء في الجزيرة، من بينهم يحيى فاسي، الذي هرب من دمشق وهو طفل واستقر في بوت خلال جائحة كورونا عام 2020.

يتذكر يحيى، الذي يعمل حاليًا مديرًا لمخبز ومقهى “حلومي”، كيف كان الأمر صعبًا في البداية، لكنه استطاع أن يجد لنفسه مكانًا في هذا المجتمع الجديد.

يقول: “أول ما صدمتني به اسكتلندا هو الطقس! لكن سرعان ما اعتدت عليه، والآن لا أستطيع تخيّل العيش في مكان آخر.”

هل العودة إلى سوريا خيار حقيقي؟

وطن
يقول يحيى فاسي، الذي يدير مقهى على شاطئ بوت، إن مستقبله يكمن في اسكتلندا

مع سقوط نظام الأسد العام الماضي، بدأ اللاجئون السوريون حول العالم في طرح السؤال الصعب: هل حان وقت العودة؟ بالنسبة للبعض، مثل منذر، فإن زيارة سوريا لرؤية الأقارب أمر ضروري، لكنه لا يخطط للعودة بشكل دائم.

أما يوسف، فاتخذ قرارًا مختلفًا تمامًا: “لقد فقدت أفرادًا من عائلتي في الحرب، ولم يبقَ لي شيء هناك. أنا لا أرى مستقبلًا لي في سوريا. حياتي هنا في اسكتلندا.”

أما يحيى، فيؤكد أنه رغم حنينه لوطنه الأصلي، إلا أن إعادة بناء الحياة هناك تبدو شبه مستحيلة: “كيف يمكنني العودة والبدء من جديد؟ لقد أسست عملي هنا، وأصبحت جزءًا من هذا المجتمع. العودة تعني خسارة كل شيء بنيته.”

مجتمع بوت: من الترحيب إلى الاندماج الكامل

ساعدت أنجيلا كالاغان، التي تدير متجرًا للسلع المستعملة وبنكًا للطعام، في تنظيم الدعم للسوريين عندما وصلوا إلى روثيساي

عندما وصل اللاجئون السوريون إلى بوت لأول مرة، لم يكن الجميع متحمسًا لوجودهم، إذ عبّر بعض السكان المحليين عن مخاوفهم، لكن بمرور الوقت، تحوّلت هذه المخاوف إلى دعم ومحبة.

أنجيلا كالاهان، التي تدير متجرًا خيريًا في الجزيرة، تتذكر الأيام الأولى لوصول اللاجئين، قائلة: “95٪ من الناس هنا كانوا سعداء بقدومهم، والبقية كانوا مترددين. لكن اليوم، الجميع يرحّب بهم، فقد أصبحوا جزءًا من المجتمع.”

وتضيف: “كسب السوريون قلوب الناس بلطفهم وحسن تعاملهم. عندما استقروا هنا، بدأوا بدعوة جيرانهم إلى بيوتهم وتقديم الطعام لهم، وهذا غيّر كل شيء.”

وطنان.. وقلب واحد

بالنسبة لمعظم السوريين في بوت، لم يعد الوطن مجرد مكان واحد، فقد أصبحوا يحملون في قلوبهم بلدين، أحدهما حيث وُلدوا، والآخر حيث بنوا حياتهم.

يقول منذر: “أنا محظوظ، لأن لديّ بلدين وجنسيتين، يمكنني العيش أينما أريد، لكنني أفضّل البقاء هنا، لأن أفضل سنوات حياتي كانت في بوت.”

ربما يكون وطنهم الأول قد انتصر، لكن بالنسبة لهم، بوت ليست مجرد محطة مؤقتة، بل وطن جديد، حيث وجدوا الأمان والاستقرار، وحيث نشأ أطفالهم ليحملوا هويتين، لكن قلبًا واحدًا ينبض بالحب لكلا المكانين.

المصدر: بي بي سي


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
7:39 pm, Mar 22, 2025
temperature icon 12°C
overcast clouds
Humidity 82 %
Pressure 999 mb
Wind 3 mph
Wind Gust Wind Gust: 0 mph
Clouds Clouds: 100%
Visibility Visibility: 10 km
Sunrise Sunrise: 5:58 am
Sunset Sunset: 6:16 pm