العرب في بريطانيا | د.شكري المجولي: حكم ذبائح أهل الكتاب في زماننا ...

1445 ربيع الأول 18 | 03 أكتوبر 2023

د.شكري المجولي: حكم ذبائح أهل الكتاب في زماننا المعاصر

د.شكري المجولي: حكم ذبائح أهل الكتاب في زماننا المعاصر
د.شكري المجولي August 15, 2023

تتميز الشريعة الإسلامية بصلاحيتها لكل زمان ومكان، وفي كل عصر من العصور يتصدى العلماء لبيان الأحكام الشرعية للنوازل والمسائل التي يحتاج عامة المسلمين إلى معرفة حكمها الشرعي فيسألون عنها اتباعًا لأمر الله سبحانه وتعالى حيث قال: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مسألة أكل ذبائح أهل الكتاب في الغرب وحكمها الفقهي.

وفي هذا السياق يُجَلِّي لنا الدكتور شكري المجولي هذه المسألة فيقول: قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ [المائدة: 5]. دَّلت هذه الآية على حِلِّ ذبائح اليهود والنصارى ما لم يكن ذبحهم على غير الطريقة الشرعية كالذبح بالخنق، أو الضرب على الرأس، أو الصعق بالكهرباء… ونحو ذلك من الوجوه المحرمة، فإن لم تُعلَم الطريقة التي ذُبِحت بها، فقد قيل بالحِلِّ أخذًا بعموم الآية السابقة ونحوها من النصوص العامة، ولا دليل في الآية على ذلك، إذ لو أُخِذ بعموم اللفظ لحلَّ لنا طعام أهل الكتاب من أي جنس كان، وعلى أي حال ذبح ولا قائل بذلك!

حكم ذبائح أهل الكتاب في زماننا المعاصر

ذبائح أهل الكتاب
حكم ذبائح اليهود والنصارى (أنسبلاس)

ثم ساق الدكتور المجولي بعض أقوال أهل العلم وفتاواهم في هذه المسألة، فقال:

  • قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والأشبه بالكتاب والسنة ما دل عليه كلام أحمد من الحظر، وإن كان من متأخري أصحابنا من لا يذكر هذه الرواية بحال، وذلك لأن قوله: ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ﴾. عموم محفوظ لم تخص منه صورة، بخلاف طعام الذين أوتوا الكتاب، فإنه يشترط له الذكاة المبيحة، فلو ذكّى الكتابي في غير المحل المشروع لم تبح ذكاته، ولأن غاية الكتابي أن تكون ذكاته كالمسلم، والمسلم لو ذبح لغير الله أو ذبح باسم غير الله لم يبح، وإن كان يكفر بذلك فكذلك الذمي لأن قوله: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ سواء، وهم وإن كانوا يستحلون هذا، ونحن لا نستحله، فليس كل ما استحلوه يَحِلُّ لنا، ولأنه قد تعارض دليلان حاظر ومبيح، فالحاظر أولى أن يُقدم، ولأن الذبح لغير الله أو باسم غيره، قد علمنا يقينًا أنه ليس من دين الأنبياء عليهم السلام، فهو من الشرك الذي قد أحدثوه، فالمعنى الذي لأجله حلت ذبائحهم، منتفٍ في هذا. والله أعلم. اهـ([1]).
  • وقال ابن رجب رحمه الله: “وما أصله الحظر كالأبضاع، ولحوم الحيوان، فلا يحل إلا بيقين حِلِّه من التذكية والعقد، فإن تردد في شيء من ذلك لسبب آخر رجع إلى الأصل فبنى عليه، فما أصله الحرمة بنى على التحريم، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الصيد الذي يجد فيه الصائد أثر سهم أو كلب غير كلبه”([2]).

حكم اللحوم المستوردة من الخارج

هل يمكن للمسلم تناول اللحوم المستوردة؟
هل يمكن للمسلم تناول اللحوم المستوردة؟ (أنسبلاش)
  • وقال الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله رئيس مجلس القضاء الأعلى بالمملكة العربية السعودية في فتوى عن حكم اللحوم المستوردة من الخارج معلبة وغير معلبة: “الأصل في الأبضاع والحيوانات التحريم، فلا يحل البضع إلا بعقد صحيح مستجمع لأركانه وشروطه، كما لا يباح أكل لحوم الحيوانات إلا بعد تحقق تذكيتها من أهل التذكية، فإن الله سبحانه وتعالى حرم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، وحرم المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع إلا ما ذُكِّي، فهذا يدل على أن الأصل في الحيوان التحريم إلا ما ذكاه المسلمون أو أهل الكتاب بقطع الحلقوم وهو مجرى النفس، والمريء وهو مجرى الطعام والماء مع قطع الودجين في قول طائفة من أهل العلم، فما يرد من اللحوم المعلبة إن كان استيراده من بلاد إسلامية أو من بلاد أهل الكتاب أو معظمهم وأكثرهم أهل كتاب وعادتهم يذبحون بالطريقة الشرعية فلا شك في حله، وإن كانت تلك اللحوم المستوردة تستورد من بلاد جرت عادتهم أو أكثرهم أنهم يذبحون بالخنق أو بضرب الرأس أو بالصاعقة الكهربائية ونحو ذلك فلا شك في تحريمها، وكذلك ما يذبحه غير المسلمين وغير أهل الكتاب من وثني أو مجوسي أو قادياني أو شيوعي ونحوهم فلا يباح ما ذكوه؛ لأن التذكية المبيحة لأكل ما ذُكِّي لا بد أن تكون من مسلم أو كتابي عاقل له قصد وإرادة وغير هؤلاء لا يباح تذكيتهم”.

ثم أضاف الشيخ ابن حميد: أما إذا جهل الأمر في تلك اللحوم ولم يعلم عن حالة أهل البلد التي وردت منها تلك اللحوم هل يذبحون بالطريقة الشرعية أم بغيرها ولم يعلم حالة المُذكِّين وجهل الأمر فلا شك في تحريم ما يرد من تلك البلاد المجهول أمر عادتهم في الذبح تغليبًا لجانب الحظر، وهو أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر فيغلب جانب الحظر سواء أكان في الذبائح أو الصيد، ومثله النكاح، كما قرره أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والحافظ ابن رجب وغيرهم من الحنابلة، وكذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني والإمام النووي، وغيرهم كثير مستدلين بما في الصحيحين وغيرهما من حديث عدي ابن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ الله عَليهِ فَكُلْ، فَإِنْ وَجَدْتَ مَعَهُ كَلْبًا آَخرْ فَلاَ تَأْكُلْ”([3]).

 

ذبائح أهل الكتاب
حل ذبائح اليهود والنصارى ما لم يكن ذبحهم على غير الطريقة الشرعية (أنسبلاش)

فالحديث يدل على أنه إذا وجد مع كلبه المُعلَّم كلبًا آخر أنه لا يأكله تغليبًا لجانب الحظر، فقد اجتمع في هذا الصيد مبيح وهو إرسال الكلب المُعلَّم إليه، وغير مبيح وهو اشتراك الكلب الآخر، لذا منع الرسول صلى الله عليه وسلم من أكله، وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: “إِذَا أَصبْتَهُ بِسَهْمِكَ فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ”([4]) متفق عليه. وفي رواية عند الترمذي: “إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ وَلَمْ تَرَ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ فَكُلْ”([5])، وقال حسن صحيح عن عدي بن حاتم.

قال ابن حجر في الصيد: “إن الأثر الذي يوجد فيه من غير سهم الرامي أعم من أن يكون أثر سهم رامٍ آخر أو غير ذلك من الأسباب القاتلة فلا يحل أكله مع التردد، وقال أيضًا عند قوله: “وإن وقع في الماء فلا تأكل”؛ لأنه حينئذ يقع التردد هل قتله السهم أو الغرق في الماء، فلو تحقق أن السهم أصابه فمات فلم يقع في الماء إلا بعد أن قتله السهم فهذا يحل أكله”([6]).

قال النووي في شرح مسلم: إذا وجد الصيد في الماء غريقًا حرم بالاتفاق. وقد صرح الرافعي بأن محله ما لم ينته الصيد بتلك الجراحة إلى حركة المذبوح فإنه انتهى إليها بقطع الحلقوم مثلًا فقد تمت ذكاته، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: “فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي الْمَاءَ قَتَلَهُ، أَوْ سَهْمك”([7]). فدل على أنه إذا علم أن سهمه هو الذي قتله أنه يحل. انتهى ملخصًا من فتح الباري، وقال الخطابي: ‌إنما ‌نهاه ‌عن ‌أكله إذا وجده في الماء لإمكان أن يكون الماء غرقه فهلك من الماء لا من قبل الكلب الذي هو آلة الذكاة، وكذلك إذا وجد فيه أثرًا لغير سهمه، والأصل أن الرُّخَص تُراعى شرائطها التي بها وقعت الإباحة فمهما أخل بشيء منها عاد الأمر إلى التحريم الأصلي([8]).

خلاصة القول في ذبائح أهل الكتاب

النصوص الشرعية عن ذبائح أهل الكتاب
النصوص الشرعية عن ذبائح أهل الكتاب (أنسبلاش)

بعد سَوق الأدلة السابقة وجملةٍ من أقوال أهل العلم في هذه المسألة قال الدكتور المجولي: مما سبق يترجح عندنا القول بتحريم أكل ذبائح أهل الكتاب؛ للأسباب الآتية:

  • أن الله حرم لحوم الحيوانات التي تموت بغير ذكاة شرعية في قوله سبحانه: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ إلى قوله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة:3]. فما لم تتحقق في هذه اللحوم الذكاة الشرعية فهي محرمة بناء على الأصل.
  • أن النصوص الشرعية تبين بوضوح أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر غلب جانب الحظر، وهذه اللحوم كذلك ترددت بين كونها مُذكّاة الذكاة المبيحة فتحل وكونها غير مُذكّاة فلا تحل فيغلب جانب التحريم كما قرر ذلك كبار الأئمة.
  • أن الإلحاد والتحلل قد غلب على المجتمع الأوربي في هذا الزمان.
  • أنه لم يكن لقول من أباح هذا النوع من اللحوم من مستند إلا التمسك بعموم الآية الكريمة: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة: 5]، وهذا العموم مخصوص بالنصوص الكثيرة كقوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ…﴾ [المائدة: 3]. وبالنصوص التي تدل على أنه إذا اجتمع حظر وإباحة غلب جانب الحظر.

د. شكري المجولي


([1]) اقتضاء الصراط المستقيم (60/2).

([2]) جامع العلوم والحكم: ص88-89.

([3]) صحيح البخاري برقم (5476) وصحيح مسلم برقم (1929) وله ألفاظ كثيرة.

([4]) صحيح البخاري برقم (5484) وصحيح مسلم برقم (1929).

([5]) حديث رقم (1468) وقال حديث حسن صحيح.

([6]) فتح الباري 911/9.

([7]) شرح صحيح مسلم (81/13).

([8]) معالم السنن (291/4).


اقرأ أيضًا: