كيف كان أداء الأحزاب الكبرى في الانتخابات المحلية البريطانية؟

بينما لا تزال بعض النتائج في طور الإعلان، إلا أن المشهد الانتخابي العام بات واضحًا بما يكفي لتقييم أداء الأحزاب البريطانية الكبرى في انتخابات المجالس المحلية التي جرت الخميس الماضي. وقد بدأت معالم الخريطة السياسية في التشكل، مانحة لكل حزب مؤشرات دقيقة حول موقعه في المعادلة المقبلة، سواء عبر المكاسب المباشرة أو الخسائر الرمزية والمادية.
حزب “ريفرم” – صعود نيزكي (⭐⭐⭐⭐⭐)
بدا من النتائج الأولى أن حزب “ريفرم” بقيادة نايجل فاراج يحقق ما أشارت إليه استطلاعات الرأي: أداءً قويًا ينطلق من لا شيء تقريبًا، رغم تعرضه لضغط انتخابي من ناخبين لجأوا إلى التصويت التكتيكي لمنع تقدمه. ففي انتخابات “رانكورن وهيلسبي” الفرعية، والتي وُصفت بأنها شبه محسومة لصالحه، لم يفز الحزب سوى بفارق ستة أصوات، كما فشل في بعض سباقات رئاسة البلديات.
غير أن الصورة انقلبت مع إعلان نتائج المجالس المحلية. إذ لم يكتف الحزب بالفوز بمقاعد متفرقة، بل سيطر على مجالس كاملة، في خطوة تعزز حضوره ونفوذه السياسيين. معظم هذه المكاسب سُجلت في مناطق متوقعة مثل كنت ومعاقل حزب العمال السابقة في شمال إنجلترا، غير أن المفاجأة الكبرى جاءت في فوزه بـ23 مقعدًا في وارويكشير و27 في وورسيسترشير، ليصبح القوة الأكبر فيهما.
حزب العمال – نتائج مزدوجة (⭐⭐)

شهد حزب العمال بقيادة كير ستارمر ليلة انتخابية تحمل وجهي النجاح والإخفاق. فخسارته في “رانكورن” جاءت مخيبة، لكنها أقل حدة مما كان متوقعًا، فيما حصد الحزب ثلاث رئاسات بلدية، من بينها فوز مفاجئ في منطقة “ويست أوف إنجلاند”.
لكن مع توالي نتائج المجالس، بدأت خيبات الأمل بالتراكم. ورغم أن الحزب لم يكن يدافع عن عدد كبير من المقاعد، بسبب أدائه الضعيف في انتخابات 2021، فإن الخسائر جاءت مؤثرة على المستوى النسبي. في بعض المجالس، مثل “دورهام” و”لانكشر”، خسر الحزب 38 و27 مقعدًا على التوالي، ما وصفه البعض بـ”مجزرة تنظيمية” محدودة النطاق.
حزب المحافظين – انهيار محسوب (⭐)

رغم التوقعات المُدارة بعناية من قبل قيادته، تكبّد حزب المحافظين هزيمة قاسية. وكان الحزب يدافع عن نحو ألف مقعد نالها في 2021 إبان فترة الانتعاش الشعبي الذي رافق حملة التلقيح ضد كوفيد-19. ومع نهاية اليوم الانتخابي، بدا أن الحزب فقد غالبية هذه المقاعد، إضافة إلى قرابة 12 مجلسًا محليًا.
وتُظهر تقديرات هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أن المحافظين كانوا سيحصلون على 15% فقط من الأصوات لو أُجريت هذه الانتخابات على المستوى الوطني، ما يضعهم في المرتبة الرابعة بعد الليبراليين الديمقراطيين. وإذا كانت قلة الاهتمام الإعلامي بأداء الحزب قد شكّلت مكسبًا نسبيًا لوزيرة الأعمال كيمي بادينوك، فإن تصريحات فاراج التي هدّد فيها بإزاحة المحافظين من موقعهم كقوة اليمين الرئيسة لم تعد مجرد بلاغة انتخابية.
الليبراليون الديمقراطيون – تقدم حذر (⭐⭐⭐★)
أحد أبرز التحديات التي واجهها الحزب تمثل في محاولة إقناع الرأي العام بأنه يسجّل تقدمًا، في ظل تأخر إعلان نتائج المناطق التي كان يأمل بتحقيق اختراق فيها، وهي غالبًا مجالس تهيمن عليها قاعدة محافظة تقليديًا.
رغم ذلك، تفوق الحزب المحافظين في التقديرات الوطنية بنسبة أصوات بلغت 17%، مستفيدًا من ماكينة انتخابية منضبطة. ونجح في تحقيق مكاسب فعلية، رغم أنها لم تكن بالزخم الذي اعتاده في جولات انتخابية سابقة. فعلى سبيل المثال، لم تُحسم السيطرة على مجلس “وارويكشير” لصالحه، بل ساهمت مكاسب “ريفرم” في دفعه إلى حالة من “غياب السيطرة العامة”. أما طموحات الحزب بالفوز برئاسة بلدية “هال وإيست يوركشاير” فقد تراجعت مع نهاية الفرز.
حزب الخضر – ثبات نسبي (⭐⭐⭐★)

لم تجرِ هذه الجولة الانتخابية في ظروف مواتية لحزب الخضر، ومع ذلك نجح في إضافة عشرات المقاعد إلى رصيده، وبلغت حصته التقديرية على المستوى الوطني 11%، ما يعكس تماسك قاعدته الانتخابية.
رغم ذلك، خسر الحزب بعض الرهانات المحلية في المجالس التي ركز عليها استراتيجيًا، كما أخفقت مرشحته ماري بايج في تحقيق فوز محتمل برئاسة بلدية “ويست أوف إنجلاند”، منهية السباق في المركز الثالث، في منافسة متقاربة خلف مرشح “ريفرم”.
تكشف نتائج الانتخابات المحلية عن تحول لافت في المزاج الانتخابي البريطاني، حيث أظهر الناخبون استعدادًا لاختبار بدائل سياسية خارج ثنائية العمال والمحافظين. في المقابل، يبدو أن صعود “ريفرم” بات يمثل خطرًا وجوديًا على المحافظين، بينما وجد العمال أنفسهم في موقع دفاعي أكثر مما كانوا يأملون، رغم تعافيهم الجزئي. وبين هذا وذاك، يظهر أن تحالفات جديدة قد تُرسم بهدوء في المجالس المحلية، تمهيدًا لاستحقاقات وطنية أكثر حسمًا.
إقرأ أيّضا
الرابط المختصر هنا ⬇