ارتفاع تكاليف الاقتراض في بريطانيا.. كيف يؤثر على حياتك اليومية؟

تشهد بريطانيا موجة ارتفاع في تكاليف الاقتراض الحكومي، حيث بلغت مستويات غير مسبوقة منذ سنوات. فما الأسباب الكامنة وراء هذا الارتفاع؟ وكيف ينعكس ذلك على الأوضاع الاقتصادية للمواطنين؟

ما الذي يحدث في أسواق السندات؟

تُعد السندات الحكومية بمثابة صكوك دين تصدرها الحكومات وتُتداول في الأسواق المالية لتأمين السيولة المطلوبة لتمويل الإنفاق العام.

وتلجأ الحكومات عادةً إلى بيع هذه السندات للمستثمرين لسد الفجوة بين الإيرادات الضريبية والمصروفات العامة. ويُعرف هذا النوع من السندات في بريطانيا باسم “الجيلت”، ويُعتبر من أكثر أدوات الاستثمار أمانًا، حيث تنخفض احتمالات عدم السداد إلى حد كبير.

وبالإضافة إلى استرداد المستثمر لقيمة السند عند حلول أجله، يحصل على عوائد مالية دورية على شكل فوائد تدفعها الحكومة.

إلا أن العائد على السندات البريطانية بدأ في الارتفاع منذ أغسطس الماضي، ليصل العائد على السندات لأجل 10 سنوات إلى أعلى مستوياته منذ عام 2008، في حين قفز العائد على السندات لأجل 30 عامًا إلى مستوى لم تشهده الأسواق منذ عام 1998.

في المقابل، تراجعت قيمة الباوند مقابل الدولار الأمريكي، حيث انخفض من 1.25 دولار إلى 1.23 دولار في غضون أيام قليلة.

ما الذي يدفع عوائد السندات للارتفاع؟

لم يقتصر هذا الارتفاع على بريطانيا وحدها؛ فقد شهدت أسواق السندات في الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا زيادات مماثلة.

ويرجع ذلك إلى حالة من الترقب والغموض التي تسود الأسواق مع اقتراب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب من تسلّم السلطة، وسط تعهّدات بفرض رسوم جمركية جديدة وخفض الضرائب، وذلك يثير المخاوف من استمرار معدلات التضخم لفترة أطول، ما يعني تأجيل خفض أسعار الفائدة المنتظَر.

أما في بريطانيا، فتفاقمت المخاوف بسبب مؤشرات على تراجع أداء الاقتصاد الوطني، حيث سجل معدل التضخم أعلى مستوى له خلال ثمانية أشهر بنسبة 2.6% في نوفمبر، متجاوزًا الهدف الذي حدده بنك إنجلترا عند 2%.

كما شهد الاقتصاد انكماشًا للشهر الثاني على التوالي، ما زاد من قلق المستثمرين وأسهم في تراجع قيمة الجنيه الإسترليني، رغم أن ارتفاع العوائد عادةً ما يؤدي إلى دعم العملة الوطنية.

كيف يؤثر ذلك على حياة المواطنين؟

في محاولة للحفاظ على استقرار الأوضاع المالية، أكدت وزيرة المالية راشيل ريفز أن الإنفاق اليومي سيتم تمويله بالكامل من الإيرادات الضريبية دون اللجوء إلى الاقتراض.

لكن ارتفاع تكاليف الاقتراض يفرض تحديات كبيرة؛ إذ يؤدي إلى استنزاف نسبة أكبر من الإيرادات لسداد الديون، ما يقلّص مخصصات الإنفاق على الخدمات العامة.

ويحذر خبراء الاقتصاد من أن استمرار هذه الحالة قد يترجم إلى خفض في الإنفاق الحكومي أو زيادة في الضرائب، ما قد يؤثر على دخول الأفراد وقدرة الشركات على النمو وتوفير فرص العمل.

كما أن الحكومة ملتزمة بإجراء حدث مالي واحد سنويًا لمراجعة الضرائب، ومن المتوقع أن يتم ذلك في الخريف المقبل.

لذا، في حال استمر ارتفاع العوائد على السندات، قد تُضطر الحكومة إلى اتخاذ تدابير تقشفية أو تقليص زيادات الإنفاق المقررة.

ماذا عن سوق الرهن العقاري؟

عاد شبح أزمة الرهن العقاري إلى الأذهان، خاصة بعد تداعيات “الميزانية المصغّرة” التي أعلنتها رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس في سبتمبر 2022، والتي أدت إلى قفزة مفاجئة في عوائد السندات تسببت في اضطراب الأسواق.

وتُظهر البيانات أن العوائد على السندات ارتفعت تدريجيًا قبل وبعد إعلان ميزانية راشيل ريفز في أكتوبر 2024، من 4.0% إلى 4.8%، دون حدوث صدمة كالتي شهدتها الأسواق بعد إعلان تراس.

وفي عام 2022، أدى الارتفاع الحاد في العوائد إلى سحب المقرضين لعروضهم مؤقتًا لتقييم أسعار الفائدة المناسبة. أما اليوم، فرغم استمرار ارتفاع العوائد، فإن الأسواق أكثر استقرارًا، لكن حالة الترقب دفعت العديد من المقرضين إلى تأجيل خفض أسعار الفائدة على الرهن العقاري، ما خيّب آمال من كانوا يترقبون انخفاضًا مع بداية العام.

من المستفيد؟

على الجانب الآخر، يُعد ارتفاع العوائد خبرًا سارًا للمتقاعدين الذين يسعون لشراء معاشات تقاعدية تضمن لهم دخلًا ثابتًا مدى الحياة، حيث أكد خبراء المعاشات أن العوائد الحالية توفر أفضل العروض منذ عام 2008.

ما المتوقع في الفترة المقبلة؟

أكدت وزارة الخزانة البريطانية أنه لا توجد حاجة إلى أي تدخل طارئ في الأسواق المالية.

كما أشارت إلى أنه لن يتم الإعلان عن أي قرارات ضريبية أو مالية جديدة قبل صدور تقرير مكتب مسؤولية الميزانية (OBR) المقرر في 26 مارس المقبل، والذي سيُحدد ملامح الوضع المالي للدولة.

وفي حال أظهر التقرير أن وزيرة المالية ما زالت ملتزمة بقواعدها المالية، فقد يؤدي ذلك إلى طمأنة الأسواق. أما إذا أشار التقرير إلى وجود مخاطر نتيجة النمو البطيء وارتفاع معدلات الفائدة، فقد تواجه ريفز تحديات كبيرة في سبيل الحفاظ على استقرار السياسة المالية.