بي بي سي: هل تقترب بريطانيا من التورط في الصراع بين إيران وإسرائيل؟
مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط بين إيران وإسرائيل، يطرح محللون وسياسيون تساؤلات عما إذا كانت بريطانيا على وشك الانجرار إلى صراع جديد في المنطقة.
ويتردد في الأوساط السياسية سؤال يبدو مألوفًا: “هل يتكرر سيناريو 2003؟” حين انضمت بريطانيا إلى الولايات المتحدة في حرب مثيرة للجدل ضد العراق، بذريعة القضاء على ترسانة من أسلحة الدمار الشامل، التي تبين لاحقًا أنها غير موجودة.
واليوم، ومع تصاعد احتمالات نشوب مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، تُطرح تساؤلات عن الدور المحتمل لبريطانيا، ولا سيما إذا قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دعم إسرائيل عسكريًّا لاستهداف البرنامج النووي الإيراني.
بريطانيا ليست في قلب المعركة
تشير بي بي سي إلى أن بريطانيا لا تُعد فاعلًا محوريًّا في الصراع الحالي بين إيران وإسرائيل. فالمملكة المتحدة، إلى جانب دول مجموعة السبع، دعت إلى التهدئة ووقف التصعيد.
ومع ذلك، فإن إسرائيل تبدو غير مبالية بهذه الدعوات، خصوصًا في ظل تدهور علاقاتها مؤخرًا مع بريطانيا بعد أن فرضت الأخيرة عقوبات على وزيرين إسرائيليين بسبب تصريحات تحريضية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.
وما يزيد من تعقيد الموقف أن إسرائيل، وفق تقارير، لم تُخطر بريطانيا مسبقًا بنيّتها مهاجمة أهداف إيرانية، واعتبرت بريطانيا “شريكًا غير موثوق”.
دور دبلوماسي لا يزال قائمًا
ورغم تراجع التنسيق المباشر بين لندن وتل أبيب، فإن لبريطانيا دورًا دبلوماسيًّا مهمًّا، ولا سيما في ظل إرث مشاركتها في صياغة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 (JCPOA)، الذي نص على إجراء تفتيشات دولية صارمة مقابل رفع العقوبات.
ومع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018 بقرار من ترامب، بقيت بريطانيا من الدول الحريصة على إعادة إحيائه.
وفي هذا السياق، يجري وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي مشاورات مع نظيره الأمريكي في واشنطن، ومن المقرر أن يتوجه إلى جنيف للقاء ممثلين من فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي لإجراء محادثات مع الجانب الإيراني.
مواقع استراتيجية لبريطانيا في قلب التوترات
رغم عدم مشاركتها المباشرة في المواجهة، تمتلك بريطانيا عددًا من الأصول العسكرية في الشرق الأوسط التي قد تصبح ذات أهمية استراتيجية إذا تطورت الأزمة.
جزيرة دييغو غارسيا
تقع هذه الجزيرة الصغيرة في المحيط الهندي وتُدار بطريقة مشتركة بين بريطانيا والولايات المتحدة، وتُعد نقطة انطلاق استراتيجية لقاذفات B2 الأمريكية التي يمكنها حمل قنابل خارقة للتحصينات، مثل قنبلة GBU-57 التي وُصفت بـ”قاذفة الجبال”.
وإذا قررت الولايات المتحدة استخدام هذه القاعدة لضرب منشآت إيرانية حساسة، كمنشأة فوردو تحت الأرض، فإنها تحتاج إلى إذن من الحكومة البريطانية.
وتشير التقارير إلى أن المدعي العام البريطاني قد أوصى بعدم المشاركة في أي عمليات هجومية؛ حفاظًا على التوافق مع القانون الدولي، وحصر أي مشاركة في الأطر الدفاعية فقط.
قبرص: قاعدة جوية ومحطة تجسس
تحتفظ بريطانيا بقاعدتين عسكريتين كبيرتين في قبرص: قاعدة سلاح الجو الملكي في أكروتيري، التي تضم مقاتلات تايفون التي تشارك في عمليات ضد تنظيم “داعش” والقاعدة في سوريا والعراق، ومحطة تجسس إلكتروني متقدمة في “آيوس نيكولاوس”.
ورغم الحديث عن دور بريطاني سابق في إسقاط طائرات إيرانية مسيّرة كانت متجهة نحو إسرائيل، أكدت مصادر إسرائيلية للـBBC أن أي مساعدة بريطانية مماثلة لم تُطلب في الأزمة الحالية.
الوجود البريطاني في الخليج العربي
للبحرية الملكية البريطانية دور مهم -وإن كان محدودًا- في تأمين مضيق هرمز والخليج العربي من خطر الألغام البحرية. وتعود أصول هذا الدور إلى الحرب بين إيران والعراق في الثمانينيات.
ومع تقادم السفن البريطانية وتراجع وجودها في المنطقة، تتزايد المخاوف من أن أي خطوة إيرانية لإغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره نحو ثلث النفط العالمي، قد تكون ذات آثار كبيرة.
وبحسَب وزارة الدفاع، فإن كاسحة الألغام “HMS Middleton” مستقرّة حاليًّا في الخليج، لكن لم تُكلَّف بأي مهمات قتالية. كما توجد منشآت بريطانية في ميناء “الدقم” بسلطنة عمان، وتتمركز قوة صغيرة في العراق.
خطر الارتداد والانتقام الإيراني
لطالما هددت إيران بالرد على أي دولة تشارك في الهجمات ضدها أو تساعد في تنفيذها، فيما يعرف بـ”الارتداد”. وعلى رأس أهداف الرد الإيراني تقع القواعد الأمريكية المنتشرة في الخليج وسفنها البحرية.
لكن إذا وافقت بريطانيا على استخدام قاعدة دييغو غارسيا في هجوم محتمل، فقد تصبح لندن نفسها هدفًا للانتقام.
ويتضمن هذا الاحتمال، وفق التقرير، إطلاق صواريخ على قاعدة أكروتيري، كما قد يشمل عمليات تخريبية داخل الأراضي البريطانية، قد تُنفذ عبر جماعات إجرامية مدفوعة من طهران. ولهذا تستعد الأجهزة الأمنية مثل جهاز MI5 لاحتمالات تنفيذ عمليات سرية تشمل الحرائق أو أعمال تخريب داخل بريطانيا.
سيناريوهات مفتوحة وتحذيرات قائمة
يبقى الدور البريطاني حتى اللحظة محدودًا ضمن الأطر الدبلوماسية والدفاعية، لكن الموقع الجغرافي لقواعدها وتحالفها الوثيق مع واشنطن، قد يضعها في مرمى نيران الصراع إذا توسع.
وبينما تتعاظم التحذيرات من حرب إقليمية واسعة، تؤكد التطورات أن أي قرار بريطاني بالمشاركة، ولو بطريقة غير مباشرة، لن يكون دون ثمن سياسي وأمني.
المصدر: بي بي سي
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇